العراق… شبح التقسيم ورعشة الاحتضار

فهد المهدي

تداولت وسائل الإعلام والسياسيون في داخل العراق وخارجه السقوط الدراماتيكي المفاجئ لمدينة الموصل وتداعياته على العراق والشرق الأوسط من قبل التنظيم الإرهابي «داعش» وتمدّده إلى المحافظات الأخرى وتوزّعه من شرق البلاد إلى غربها، مع فرار وحدات الجيش العراقي وترك معداتها العسكرية في يد التنظيم الإرهابي! وكشفت تقارير سابقة أن الجماعات المسلحة كانت تتحكم على نحو غير رسمي في أجزاء من الموصل لأشهر عدة، فيما تحدثت التقارير عن إخراج ألوف السجناء التابعين للإرهابيين من السجون، ما يُمهد لنا الاجابة عن التساؤل حول كيفية سقوط مدن الموصل ونينوى برمتها في أيدي «داعش» وخلال ساعات محدودة، مع وجود أربع فرق عسكرية في هذه المحافظة ولم تلق الجماعات الإرهابية أيّ مقاومة منها، ومصير التدريب الذي تلقاه الجيش العراقي والأسلحة التي اشتراها العراق من الولايات المتحدة الأميركية والتي أصبح الكثير منها في يد الجماعات الإرهابية ؟

ليس مستغرباً أن تحصد واشنطن ما زرعته بالأمس، إذ كانت تدرك أن الجيش العراقي الذي تم أخذ قرار بحله إلى جانب وزارتي الدفاع والإعلام – من قبل الحاكم الإداري المدني الأميركي للعراق آنذاك بول بريمر من دون ترك قوة رمزية، ليصبح العراق بعد هذا القرار بلا سور يحميه، وأن تشكيل جيش جديد من قبل متعهد مدني سينتج مريضاً تنخر في جسده فيروسات الانتماءات السياسية والطائفية والحزبية لتحويله هيكلاً بلا فعل.

هذا القرار أخرج القوة العراقية من معادلة الصراع في المنطقة، واستغلالها على نحو غير مباشر لتجنيدها ضمن تنظيمات وجماعات إرهابية تملك الخبرة الكافية في التنظيم والتمرس في القتال، وبذلك تصبح شرارة حرب منتظرة لتفتيت العراق ودول الشرق الأوسط وتقسيمها.

سقوط محافظة نينوى في يد تنظيم»داعش» منطقي وليس مثلما يصوّره البعض بأنه مفاجئ، فالفوضى الخلاقة التي زرعت في العراق منذ بداية الاحتلال الأميركي وبعد خروجه، وإلى اليوم رسمت ملامح خريطة الطريق لمشروع تمزيق العراق وتقسيمه، فالمعطيات تؤشر اليوم إلى عمليات «استلام وتسليم» لبعض المناطق وإلى أطراف متعددة، فغالبية المجريات تمت بلا عنف، وعمليات تسليم الأرض للمسلحين قريبة جداً من التراضي، إذ سلمت قيادات عسكرية وشرطية بعض المواقع إلى تنظيمات إسلامية متطرفة يعتقد أنها تنتمي إلى تنظيم «داعش»، وسلمت مواقع أخرى إلى ميليشيات تابعة لقوات البشمركة، وكشفت صحيفة «هوال» الكردية عن مشروع يتم تداوله حالياً بين قيادات في الموصل لإقامة إقليم يضم محافظات كركوك ونينوي وصلاح الدين وديالي، على أن تكون كركوك عاصمة له. مع تسارع حول سقوط مناطق جديدة، وصولاً إلى أبواب العاصمة بغداد التي لم تعد بعيدة عن مناطق سيطرة المسلحين سوى عشرات الكيلومترات، ما يمهد لجعل العراق كله تحت خطر التقسيم، وسيكون بوابة لتقسيم دول الشرق الأوسط، إذ عبّرت الولايات المتحدة بقولها إن ما يحصل في العراق اليوم يهدد منطقة الشرق الأوسط كلّها.

هذه المعطيات تشكل لوحة واقعية إذا ُربطت بالفكرة الرئيسية التي كانت ولا تزال مطروحة بقوة، وتتعلق بالصيغة المستقبلية الخاصة بالعراق والشرق الأوسط التي أشارت إليها تحليلات إستراتجية باكرة، وتخلص إلى فرضية تقسيم العراق كمدخل إلى تقسيم الشرق الأوسط الذي يعاني اضطرابات حادة تعصف به.

تقف واشنطن راهناً كمتفرج فحسب، فتكريس الأوضاع الراهنة في العراق يشكل أهمية قصوى لتنفيذ مشروعها لتقسيم هذا البلد والذي سعت وعملت لأجله مع حليفها في المنطقة الكيان الصهيوني منذ غزوها العراق عام 2003، وهذا ما يتوافق مع تصريحات من داخل العراق أنّ حل الأزمة التي يمر بها العراق اليوم هو تقسيمه إلى ثلاث دول، فتقسيم العراق بات لدى بعض الكتل السياسية والحزبية والطائفية اليوم مطلباً سياسياً وشعبياً!

دخول العراق في هذا الصراع سيترك أصداءه في المنطقة وينتج ضغوطاً جديدة على النظم السياسة في دول المنطقة، بخاصة الدول المجاورة للعراق، ما يستلزم منها إيجاد تنسيق عملي ينظم مصالحها المشتركة قبل أن ستستدير هذه الكرة لتدق أبوابها، مستفيدة من الأزمات المحيطة بغالبيتها لمواجهة المخططات الأميركية والصهيونية ضدها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى