العلاقات المصرية ـ السعودية على مفترق طرق
القاهرة ـ فارس رياض الجيرودي
منذ سقوط حليف السعودية المقرّب الرئيس المصري السابق حسني مبارك، اعتاد المسؤولون السعوديون في اجتماعاتهم مع نظرائهم المصريين على تذكيرهم بحقيقة وجود مليون وسبعمئة ألف مصري يعملون في السعودية، علاوة على ذلك قدّمت السعودية بالشراكة مع كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت أكثر من 30 مليار دولار على شكل منح مالية، ونفطية، وقروض، وودائع ائتمانية لمصر عقب خلع الرئيس الإخواني محمد مرسي، واعتبرت السعودية أن ما سبق كفيل بأن يضمن سياسة خارجية مصرية لا تخرج عن المتطلبات السعودية، خصوصاً في ظل الأزمة البنيوية الحادة التي يعاني منها الاقتصاد المصري والتي عمقها اهتزاز الاستقرار السياسي عقب ثورة 25 يناير، لكن واقع العلاقات السعودية المصرية اليوم يناقض تماماً الحسابات السعودية السابقة الذكر، حيث تراكم تحت سطح المجاملات الدبلوماسية كم هائل من التوتر انعكس على شكل تناقض في المواقف السياسية ترافق مع شبه مواجهة إعلامية تبادل فيها الطرفان الانتقادات الصريحة والمبطنة.
بدأ الفتور بالعلاقة المصرية السعودية مع توجه الملك السعودي الجديد سلمان للانخراط بشكل كامل في التحالف القطري – التركي، وبالانفتاح على جماعة الإخوان المسلمين، وذلك في لحظة تعاني فيها مصر من العبث التركي – القطري باستقرارها عبر ساحتَيْ سيناء وليبيا، الأمر الذي اعتبرته القاهرة استهانة كاملة بما يفترض أن يقتضيه أي تحالف متكافئ بين دولتين تحترم كل منهما مصالح الأخرى وأمنها، بل لقد وصل الأمر أن توجه سفارة السعودية في الدوحة دعوة ليوسف القرضاوي لحضور الاحتفال بالعيد الوطني السعودي نهاية الشهر الماضي. ومعلوم أن القرضاوي هو مفتي جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي تخوض معها القيادة المصرية مواجهة حياة أو موت، بالمقابل بدا الرد المصري متدرجاً بدءاً من ظهور الانتقادات الحادة للمواقف السعودية في سورية واليمن والعراق في الإعلامين الخاص والرسمي المصريين، وصولاً لاستقبال الرئيس السيسي وفداً أمنياً سورياً بشكل علني، واستقبال وزارة الخارجية المصرية وفداً يمثل حزب «المؤتمر» اليمني الذي يتزعمه الرئيس علي عبد الله صالح، حليف الحوثيين وعدو السعودية الحالي. تلا ذلك السماح بإعادة بث القنوات اليمنية التابعة له مثل «اليمن اليوم» و«سبأ» و«الإيمان» على القمر المصري النايل سات، كما لوحظت لامبالاة الإعلام المصري بما تدعيه ماكينة الإعلام السعودي من انتصارات في اليمن، وذلك على الرغم من كون مصر عضواً ولو من الناحية الشكلية في التحالف الذي يخوض حرب اليمن، بل إن الإعلام المصري الرسمي منه والخاص يضج بالانتقادات للسعودية وللحرب التي تخوضها في اليمن.
لكن الخلاف السعودي المصري انكشف كأكثر ما يكون إثر تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي أيّد فيه صراحةً الضربات الجوية الروسية للجماعات الإرهابية في سورية. فالموقف المصري جاء على الضد تماماً من الصراخ السعودي الرسمي والإعلامي ضد التحرك الروسي، جمال خاشقجي الذي يصنف أنه الناطق الإعلامي الأكثر تعبيراً من الموقف السعودي الرسمي كتب صراحةً أن السعودية لن تقبل أبداً أن يكون حليفها المصري مؤيداً لما وصفه بـ «العدوان الروسي في سورية».
بالمقابل رأى الصحافي المصري الموصوف بقربه من أجهزة الدولة المصرية مصطفى بكري أن: «الغارات الروسية المدمّرة للعديد من مواقع داعش، كشفت تواطؤ أميركا مع الإرهاب»، وأضاف في تلميح قوي للسعودية: «يبدو أن الضربات الروسية لم تصب، فقط، عناصر الإرهاب في سوريا، بل أصابت أميركا وحلفاءها الذين لا يكفّون عن التهديد بإسقاط النظام الشرعي في سورية».
من جهته رأى الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة في تصريح لـ «البناء»، أن: «السعودية قدمت دعماً اقتصادياً هاماً لمصر إثر سقوط حكم الإخوان، لكن هذا الدعم لا يعني أن تصبح مصر بلداً تابعاً للسعودية في سياستها الخارجية، فالدعم الذي قدّمته السعودية لمصر كان لخدمة الاستقرار في مصر وهو ما يتصل بالاستقرار في منطقة الخليج. وبالتالي هو دعم يخدم أمن البلدين».
وبالنسبة للخلاف المصري السعودي تجاه الضربات التي توجّهها روسيا للجماعات المسلحة في سورية، رأى نافعة أن: «مصر أعلنت دائماً أنها تختلف مع التحالف الذي شكلته أميركا لمواجهة الإرهاب، و الذي يرى في «داعش» التنظيم الإرهابي الوحيد في سورية»، و«فيما تتمثل الأولوية السعودية في فرض تنحية الرئيس السوري، فإن الأولوية بالنسبة لمصر مختلفة تماماً وتتمثل في الحفاظ على الدولة السورية من أخطار الإرهاب والتقسيم وفي مواجهة الفتنة الطائفية المندلعة في المشرق العربي. وترى مصر أن بقاء الرئيس السوري أو رحيله هو أمر يقرره الشعب السوري وليس أي طرف آخر».
وعلى الرغم من أن القيادة المصرية أثبتت بموقفها الأخير من الحدث الروسي في سورية تحرراً من التبعية العمياء للسياسة السعودية، إلا أن الموقف المصري لا زال غير حاسم تماماً في تموضعه الجديد، فهو وكما يرى الكثير من العارفين لا زال محكوماً باحتياجات ومتطلبات أرساها الرئيس السابق السادات بعد كامب دايفيد، وتتعلّق بالتحالف الثابت مع الراعي الأميركي، وهو ما لم تتجاوزه القيادة المصرية الحالية حتى الآن، على الرغم من ظهور بوادر الاقتراب من روسيا و من دول البريكس، إلا أن دروس التاريخ تعلّمنا أن لحقائق الجغرافيا أحكاماً على سياسات الدول لا يمكن تلافيها أو تجاهلها، فعلاقات التحالف المصرية السورية ضد الأخطار المشتركة تعود جذورها لآلاف السنين، بينما اتسمت العلاقات المصرية مع آل سعود بالتوتر والصراع، وذلك منذ ظهورهم على ساحة الأحداث في المنطقة في القرن التاسع عشر.