دريد لحّام: الانتماء ليس كلمة نردّدها… إنه فعلٌ نفتدي به الوطن

دمشق ـ آمنة ملحم

«الوطن غلطان أنا معه، بردان أنا تيابه، تعبان أنا عكازته،

لك حفيان أنا صرمايته لأن هو وطني وتاج راسي…»، لسنا بصدد استعادة صدى هذه الكلمات لنذكّر بمسرحية «شقائق النعمان» المحفورة في الذاكرة السورية منذ سنوات وسنوات. لكن ترداد هذه العبارة على مسرح «دار الاوبرا» في دمشق كان محطة انطلاق لرحلة انتماء إلى الوطن ومن الوطن، تلتها عبارة «أنا الفنان الصاعد دريد لحّام»… هكذا، وبوقفة عزّ وشموخ وتواضع قامة، قدّم الفنان القدير دريد لحّام احتفالية «هنا لنا»، التي أقيمت على مدار يومَي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، خُصّص اليوم الأول للإعلاميين من أجل مواكبة «البروفا» النهائية للحفلة، وتلاها مؤتمر صحافي. لتكون الانطلاقة في اليوم التالي بحضور رسميّ وفنّي واجتماعيّ حاشد.

«هنا لنا»، لم تكن احتفالية غنائية بقدر ما كانت رسالة وطنية لكل سوري مفادها أن هذه الأرض لنا، ولكي نبقى متشبّثين بها، وليعود كلّ مهاجر رفع يده مودّعا ترابها وهواءها أيّاً كانت أسباب هجرته.

بإبداعٍ لامتناهٍ، تتالت خطوات العرض، فشارك ـ تبرّعاً ـ عددٌ من الفنانين في هذا العرض، نذكر منهم: سلمى المصري، عباس النوري، نادين خوري، ميسون أبو أسعد، فادي صبيح، ومحمد حداقي. إضافة إلى شخصيات اجتماعية واقتصادية ورياضية مثل: فارس الشهابي، ماريا سعادة، وعمر حسينو، الذين قدّموا مقاطع فنية كتبها الكبير دريد لحّام، وتدور كلّها في فلك حبّ الوطن ونبذ الهجرة والتذكير بما يحمله الخارج من عداء، ودعوة إلى التشبث بمحراب الأخوّة السوريّة بين جميع الطوائف من دون استثناء. وتلميح لتنبّؤات نزار قباني بقوارب الموت التي يمتطيها العرب وتبعاتها غير المحمودة عليهم جميعاً.

قدّم كلٌّ من مكانه، مغنّياً مبدعاً اختير للحفل بمصاحبة الأوركسترا الموسيقية بقيادة المايسترو أندريه معلولي. فغنّت ليندا بيطار «سنرجع يوماً إلى حيّنا، وتلاها وفيق حبيب بأغنية «عندك بحريّة يا ريّس»، لتغنّي ميس حرب «ع البال بعدك يا سهل حوران»، ولتشدو شهد برمدا «بكتب إسمك يا بلادي»، وليهتف دريد لحّام «الله محيّي شوارعك يا بلادنا»، ويصدح صوت همسة منيف بـ«يا قمر مشغرة»، ويحنو حسام تحسين بك بـ«أنا سوري»، ويؤدّي مصطفى الخاني «لعيونك يا شام»، ويبدع شادي أسود بـ«اشتقنا كتير يا حبايب»، ليكون الختام مسكاً مع ميادة بسيليس، قبل أن يملأ دريد لحّام، مصطفى الخاني، والطفل مارك معراوي، بمشاركة أطفال «جوقة ألوان» قاعة الأوبرا، دفء الشعور الوطني بدعوة صادقة من القلب للعودة إلى الوطن الأمّ، بالأغنية التي كتبها لحّام خصّيصاً لهذا الحفل، ولحنها المؤلّف الموسيقيّ طاهر مامللي، وجاء في مطلعها:

يا طيور الغيم طيروا

ع جناح الوجع طيروا

واندهوت علّي غرّبوا

يلّي هجرتوا ارجعوا

نحن الصبح والندى

نحن الصوت والصدى

نحن الفرح الآتي

هنا لنا… لِسّا الأغاني ممكنة.

كلام الفنان دريد لحام جاء مختصراً كلّ ما تحمله الاحتفالية من حبّ للوطن تُرجم على مسرح دار الأوبرا، ليؤكد أنّ «هنا لنا» حفلة انتماء إلى سورية، وتكريس لهذا الانتماء. فالانتماء ليس كلمة تردّدها شفاهنا، إنما هو فعل نحتضن به الوطن ونفتيده.

ومما قاله حبيب قلوب الأجيال «غوار»: هدفنا ليس أن نغنّي ليصفّق الحضور، إنما أردنا أن نغنّي جميعاً ومعاً لسورية.. وقد اخترنا أغنيات الحفل بدقة، فمنها الأغاني الوطنية، وبعضها يلمّح إلى الوطنية مثل أغنية «سنرجع يوماً»، وثمة أغاني تدعو إلى لمّ الشمل مثل «اشتقنا كتير يا حبايب»، و«ع البال بعدك يا سهل حوران». أردنا أن نقول إنك أيها السوريّ، كلّما غنّيت أكثر كلما انتميت أكثر. الجميع يجب أن يغنّوا، وأوجه شكري لكلّ من شاركنا الاحتفالية بدايةً من مجموعة «أحباب يا بلدي» منظّمة الحفل التي كان لها الجهد الكبير لبلسمة جراح الجنود المجهولين في قطاعات الكهرباء والإطفاء والنظافة والإسعاف، وإلى كلّ الشخصيات الفنية والاجتماعية والمغنّين الذين شاركونا المسرح من دون أيّ مقابل ماديّ.

بدوره، تحدّث الفنان مصطفى الخاني إلى «البناء» عن رحلته مع الفنان دريد لحام وشريكهما طاهر مامللي، التي توّجت بهذا الحفل فقال: «هي فكرة خطرت لنا منذ ما يقارب سنتين. كان لدينا هاجس بأن نقدّم شيئاً لبلدنا كفنانين وكمواطنين سوريين من مكان عملنا. فكّرنا بإنجاز أغنية وطنية مشتركة لسورية. اجتمعنا مرّات عدّة، اقترحنا، عملنا، ثابرنا، إلى أن وصلنا إلى أغنية «هنا لنا»، التي كتبها الكبير دريد لحّام. ومع مرور الوقت، تطورت الفكرة مع مجموعة «أحباب يا بلدي»، لنقدّم الأغنية ضمن حفل جماهيريّ مع باقة من الأغاني الوطنية. كنّا لجنة اخترنا من سيغني معنا لسورية وعن سورية. واقترحنا أن يقدّم كلّ مطرب، فنان أو شخصية اجتماعية صناعية أو رياضية معروفة.

ونوّه الخاني بأن الحفل يعود ريعه للجرحى والمصابين بعجز من عمال الكهرباء والإسعاف والإطفاء والنظافة، وهم من تتوجّه إليهم مجموعة «أحباب يا بلدي». كما يعود ريع العشاء الخيري الذي تلا الحفل لهذه الجهات نفسها، متمنياً أن تصل رسالتهم كما أرادوها حقاً.

وعن تعاونه مع القامة دريد لحّام، أكد الخاني أنه يردّد دائماً فخره بانتمائه إلى بلد فيه أكاديميتان لتعليم الفنّ هما: المعهد العالي للفنون المسرحية، ودريد لحام الذي يتعلم منه الجميع.

من ناحيته، لفت المؤلف الموسيقي طاهر مامللي إلى أنّ «هنا لنا» ليست استعراضاً فنّياً أو موسيقياً. إنما هي رسالة فنية فيها أداء لممثّل محبوب محلياً وعربياً مصطفى الخاني. وأداء صوتي بإحساس قامة عريقة لا نستطيع سوى البكاء حين سماعها أي دريد لحام. إضافة إلى الطفل النجم مارك معراوي. «هنا لنا» ليست أغنية، إنها محاولة لاجتراح فعلٍ حيال بلدنا.

وأوضح مامللي أنّ «هنا لنا» سُجّلت، وستُصوَّر لاحقاً، وهي رسالة سمعية بصرية ستبقى مستمرّة لنقول للجميع إنّ «هنا لنا» لكم.

وأشار مامللي إلى أنّ أغاني الحفل اختيرت من المرحلة الذهبية للأغنية الوطنية، وأدّاها نجوم من الفن الحقيقي، إنهم قامات تشكل تراثنا وحاضرنا ويجب أن يكونوا ذخرنا الفني للمستقبل. فنحن نحارب من خلال هذه القامات وفنّها الحقيقي الجميل.

بدورها، قالت كريستينا من مجموعة «أحباب يا بلدي» منظّمة الحفل، إنّ المجموعة هي مبادرة للتنمية المجتمعية، وإنّ المساعدات الإنسانية لأخوتنا في المواطَنة عمال الكهرباء والصيانة والنظافة والإسعاف والإطفاء، واجب وطنيّ وقومي. وقالت إنّ المجموعة ما زالت تعمل منذ سنتين على تقديم المساعدات للمصابين من هذه الفئات، الذين تعرّضوا لإصابات أقعدتهم أثناء أدائهم واجبهم. وتم الوصول إليهم بالتعاون مع محافظة دمشق، وجُمع مبلغ مقداره 17 مليون ليرة، وقدّم لهم في مختلف المحافظات السورية. وجاءت احتفالية «هنا لنا» دعماً لهؤلاء الجنود المجهولين.

وقال الفنان القدير حسام تحسين بك لـ«البناء»، إنّ مشاركته جاءت لأنّ الاحتفالية تجسّد حالة وطنية، ولأنها توجّه نداءً إلى كلّ مواطن، لأن يعمل من موقعه مع الفاعليات الوطنية، ليرسلوا صرخة مفادها أن الشعب السوري صامد ويحب البلد. وقال: نحن نسعى إل إعادة الألق لبلدنا قدر استطاعتنا. وأهمية مشاركتي تأتي لأردّد أغنيتي «أنا سوري»، مؤكّداً أنني «أنا سوري ويا نيّالي».

وفي حديث إلى «البناء»، أكدت عضو مجلس الشعب ماريا سعادة، أن «هنا لنا» تأكيد بأن سورية لنا كلّنا، وأنّها تأكيد للبقاء وتعكس إصرارنا على بقائنا في أرضنا وبيوتنا ووطننا، وهي تأكيد على تجذّرنا في هذه الأرض الطيّبة، لأننا نحمل التاريخ كمجتمع سوريّ، والباب مفتوح للجميع ليقولوا كلمتهم وليعبّروا عنها بالغناء أو الحديث أو حتّى بصورة.

الفنان المحبوب محمد حداقي، قال لـ«البناء»: إننا نؤكّد على ضرورة عودتنا كبلد واحد، نضحك ونبتسم بأي طريقة، ولكن الأهم أن نعود. سنبقى نضحك ونفرح ونغنّي ونقدّم الفن الجميل لنحارب به من يتآمر علينا وعلى بلدنا الحبيب.

أما الطفل مارك ذو السنوات الـ15، فتحدّث إلى «البناء» بنضج وطنيّ فقال: نحاول أن نوصل الصوت السوري للجميع. وأن نُرجِع سورية كما كانت. سورية ليست بلد حرب، إنها بلد حضارة وفنّ وعلم.

ولم يغب عن بال منظّمي «هنا لنا» إحراز أهداف غير مباشرة خلال إعداد المشروع، تبدأ برفع الروح المعنوية الوطنية والتشاركية والمواطنة الفاعلة وحشد الطاقات الإيجابية، ولا تنتهي بالتأكيد على أنّ كلّ فرد في هذا المجتمع، قد يكون جندياً مجهولاً على هذه الأرض التي هي لنا ولكلّ سوريّ وطنيّ نبيل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى