تقرير
نشرت صحيفة «غارديان» البريطانية، تحليلاً لمحرّر شؤون الشرق الأوسط إيان بلاك أشار فيه إلى السياسة الحازمة التي تتبنّاها السعودية في الوقت الحالي ضدّ منافستها الإقليمية إيران، والحملة التي تقودها ضدّ الحوثيين في اليمن، ودعم «المعارضة السورية» ضدّ نظام بشار الأسد في دمشق.
يقول بلاك إن العلاقات بين البلدين كانت تشهد دوماً أزمات تُوازِنُ فيها لندن بين قيمها الديمقراطية ومصالحها الاقتصادية.
ويوضح بلاك أن العلاقات بين البلدين مبنيّة في أساساً على الشراكة الاقتصادية بما في ذلك مبيعات الأسلحة، والصلات الأمنية السرية، والتى يعتبرها الجانبان أساسية، خصوصاً في الأوقات التي تشهد فيها العلاقات اضطراباً.
ويضرب بلاك مثلاً بالأزمة الحالية بسبب ملفّ اعتقال المسنّ البريطاني كارل أندريه ومحاكمته بسبب امتلاكه خموراً منزلية الصنع، وهو ما أدّى إلى الحكم عليه بالجَلد.
ويقول بلاك إن العلاقات بين لندن والرياض شديدة الأهمية، إذ إن المملكة العربية السعودية تعتبَر أكبر سوق لتصدير الأسلحة البريطانية بعدما عقدت صفقات بما قيمته أربعة مليارات جنيه إسترليني خلال السنوات الخمس الماضية.
ويضيف بلاك إن البلدين يتشاركان في نحو 200 مشروع اقتصادي تصل قيمتها الإجمالية إلى نحو 17.5 مليار دولار. كما أنّ هناك ما يزيد على 20 ألف بريطاني يعيشون ويعملون في المملكة.
ويعرّج بلاك على الموقف المعقد سياسياً للملكة بسبب الصراع المعلن مع إيران والحملة العسكرية في اليمن ضد الحوثيين، علاوة على التورط في الملف السوري.
ويقول بلاك إن العلاقات بين البلدين دوماً تشهد فضائح كل بضعة سنوات يتناولها الإعلام، مثل فضيحة فيلم «موت أميرة» الذي سجّل عام 1980 لإعدام أميرة سعودية وعشيقها بتهمة الزِنا، وهي الأزمة التي أدّت إلى قيام الرياض بطرد السفير البريطاني لديها وفرض عقوبات اقتصادية على لندن.
كما يعرّج على فضيحة «صفقة اليمامة» عام 2006 وتهديد الرياض بقطع العلاقات الاقتصادية مع لندن إذا لم تفرض الحكومة إلغاء التحقيقات المتقدمة في ذلك الوقت، في اتهامات بالفساد والرشوة طاولت مسؤولين سعوديين وبريطانيين في صفقة أسلحة بريطانية.
ويوضح بلاك أن عبارة «العلاقات الأمنية بين البلدين شديدة الأهمية»، تتكرّر دوماً في كلّ أزمة كما يحدث حالياً. لأن الحكومة البريطانية لا ترى غضاضة في الموازنة بين قيمها الديمقراطية المحافظة على حقوق الإنسان ومصالحها الاقتصادية.
ويشير التقرير إلى أن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون تدخّل، وطالب الحكومة السعودية بإعادة النظر في قضية كارل أندريه 74 سنة ، الذي قالت عائلته إنه قد يواجه حكماً بالجلد في ساحة عامة، على رغم استبعاد المسؤولين هذا الأمر.
وتبيّن الصحيفة أن قرار كاميرون أدّى إلى انقسام داخل وزارته، إذ إنه وقف مع وزير العدل مايكل غوف ضدّ وزيرَي الداخلية تيريزا مي والخارجية فيليب هاموند، اللذين شجّعا على الصفقة، واعتقدا أنها قد تقود إلى إصلاح أوضاع إدارة السجون وطريقتها ومعاملة السجناء في السعودية.
ويضيف الكاتب أن قضية أندريه، الذي قد يواجه حكماً بالجَلد بسبب تصنيعه الخمر في البيت، من القضايا التي تثير مخاوف الخارجية البريطانية. مشيراً إلى أنها جاءت متزامنة مع الأخبار التي تحدّثت عن خلافات داخل الحكومة حول الصفقة مع السعودية لتقديم النصح لها في كيفية إدارة نظام السجون، وهو ما يسلط الضوء على العلاقات المضطربة نوعاً ما بين لندن والرياض.
ويستدرك الكاتب أن السعودية تظل على رغم ما جرى من تغييرات على هرم السلطة، ملكية مطلقة، وتظل فيها مشاركة المرأة في الانتخابات أمراً غير معتاد، ولا تزال ممنوعة من قيادة السيارات، وتطبّق الشريعة في قضايا الجرائم. مشيراً إلى قضية المدوّن السعودي رائف بدوي، الذي حصل على دعم دولي، ولذلك يرى أن المشاعر ستكون متوترة عندما يتعرّض شخص غير سعودي وغير مسلم للمشكلة.
وتفيد الصحيفة بأن قرار كاميرون جاء على رغم أنه دافع في لقاء مع «القناة الرابعة»، وقبل خطابه أمام المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في مانشستر الأسبوع الماضي، عندما لمّح إلى أهمية التعاون عسكرياً وأمنياً بين البلدين. وكانت القناة قد سألته عن موقفه من السعودي علي محمد باقر النمر، الذي حكم عليه بالإعدام بسبب مشاركته في تظاهرات. وقال كاميرون: «نتلقى منهم معلومات أمنية مهمة تجعلنا آمنين».
ويذكر بلاك أن السعودية ترفض أيّ تدخل في شؤونها الداخلية، بحسب ما قالته السفارة السعودية في لندن. والأمر ذاته ينسحب على قضية أندريه، التي تم التعامل معها بسرّية قبل أن تقرّر عائلته الخروج والحديث عنها علناً. لافتاً إلى أن المسؤولين البريطانيين بدأوا يفهمون أن الرأي العام ليس براغماتياً، أو لا مبالياً، كما حال الحكومة أو الإعلام.
ويكشف التقرير أن لجنة الشؤون الخارجية للأحزاب كلها في البرلمان البريطاني قد نشرت السنة الماضية تقريراً ناقداً للحكومة السعودية، على رغم تحذيرات السفارة في الرياض من التداعيات السلبية على العلاقات الثنائية. وفي كانون الثاني سافر الأمير تشارلز إلى الرياض، وفعل الأمر ذاته كاميرون، من أجل تقديم العزاء بوفاة الملك عبد الله. وتعرّض كاميرون للانتقاد عندما قرّر خفض العلم البريطاني إلى النصف على دوائر الحكومة.
وتقول الصحيفة إن لجنة الشؤون الخارجية فهمت جوهر المشكلة. ولاحظت أن هناك فرصاً عظيمة لعقد صفقات، ولكنها أشارت إلى سجلّ حقوق الإنسان «الفقير جداً». وجاء في تقريرها أن غياب الحقوق السياسية، واستخدام العقوبات الشديدة في غياب الإجراءات القانونية يثير القلق، وكذلك حقوق المرأة والأقليات. وأضاف: الحكومات الديمقراطية مثل بريطانيا، تواجه تحدّيات تتعلق بالاستجابة لمطالب مواطنيها الليبراليين وحاجتها إلى الإبقاء على علاقتها مع دولة غير ديمقراطية ومحافظة، تعدّ مهمة لمصالحنا على المستويين الإقليمي والدولي.
ويورد الكاتب أن التقرير جاء فيه أن السعودية تعدّ حليفاً حيوياً ولكنّه معقّد في مجال مكافحة الإرهاب، وأنها جزء من المشكلة، وعليه يجب التأكد من عدم تمويل منظمات تحمل رسالة متطرّفة. مبيّناً أن هناك دلالات تشير إلى تحسّن الوضع في السعودية بسبب المخاطر التي بات يمثلها تنظيم «داعش» على المملكة.
ويلفت التقرير إلى أن زعيم حزب العمال جيرمي كوربين قد تحدث في خطابه السنوي أمام مؤتمر حزبه في برايتون الشهر الماضي عن قضية النمر. ولكن هناك أصواتاً منتقدة من داخل البرلمان وخارجه، ومنهم النائب المحافظ أندرو ميتشل، ووزير التنمية الدولية السابق، الذي انتقد بشدّة الدور السعودي في اليمن.
ويخلص بلاك إلى أن الخلافات بين هاموند وغوف تمثل مواجهة أخرى بين الواقعية والمبادئ في علاقة بات من الصعب فيها مواصلة عقد صفقات تجارية.