هل تتراجع روسيا أمام الضغط والتهويل؟
حميدي العبدالله
بات واضحاً أنّ الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة بدأت حملة تهويل واسعة النطاق لدفع روسيا إلى التراجع عن الإسهام إلى جانب الجيش السوري في مكافحة الإرهاب، أو على الأقلّ حصر هذه المساهمة بضربات جوية ضدّ تنظيم «داعش» من دون المساس بالتنظيمات الإرهابية الأخرى.
تعتمد حملة التهويل أساليب متنوّعة بينها التلويح بتسليح المعارضة وفتح الحدود أمام تدفق جديد للإرهابيين إلى سورية، بل تحدّثت صحيفة «نيويورك تايمز» عن تجنيد ما بين 3 إلى 5 آلاف إرهابي وإرسالهم عبر الحدود التركية بذريعة محاربة «داعش».
هل تتراجع روسيا أمام هذا التهويل وتهديدها بأفغانستان جديدة في سورية؟
لا شك في أنّ ثمة معطيات تؤكد أنّ الإسهام الروسي في مكافحة الإرهاب في سورية يختلف عن التدخل السوفياتي في أفغانستان، لا سيما لجهة مصيرية المعركة ضدّ الإرهاب في سورية للحفاظ على استقرار روسيا وأمنها القومي ووحدة أراضيها، لذلك لن تتراجع روسيا عن سعيها بالتعاون مع الدولة السورية لاستئصال الإرهاب، ولا سيما الإرهابيين المتواجدين في أرياف حلب ومحافظة إدلب وريف حماه لكون غالبية هؤلاء يتحدّرون من أصول روسية.
لو كان الصراع بين روسيا والغرب هو فقط على المكانة الدولية والنظام الدولي متعدّد الأقطاب لربما كان ثمة أمل بتراجع روسيا ولو موقتاً عن المواجهة مع الغرب إلى توقيت لاحق، لكن ما يمثله خطر الإرهاب في سورية على استقرار الأراضي الروسية ووحدتها وأمن روسيا القومي لا يتيح فرصة للتراجع، مهما بلغت الضغوط وحدة التهويل، فروسيا في سورية لن تقبل أقل من تدمير الإرهابيين ولا سيما المتحدّرين من أصول روسية، وفرض الجيش السوري سيطرته على مناطق يسيطر عليها هؤلاء الإرهابيون في المناطق السورية المتاخمة للحدود التركية.
القيادة الروسية ترى وجود الإرهاب في سورية تهديداً يفوق تهديد انضمام أوكرانيا إلى الناتو والدوران في الفلك الأميركي، إذ أنّ جلّ ما يترتب على التحاق أوكرانيا بالناتو، وهو أمر مرفوض بقوة من قبل روسيا، إحداث تغيير في التوازن الجيوسياسي سيكون له تأثير سلبي على دور روسيا ومكانتها في أوراسيا، وعلى المستوى الدولي، ولكن الإرهاب في سورية يهدّد وحدة واستقرار والأمن القومي لروسيا، وهذا ما عبّر عنه صراحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزرائه ديمتري ميدفيديف، حيث أكدا أنّ القتال ضدّ الإرهاب في سورية هو لحماية أمن روسيا واستقرارها.
هذه المعطيات تؤكد أنّ الرهان على انكفاء روسيا أو المساومة على إلحاق الهزيمة الكاملة بالإرهابيين، ولا سيما الذين يتمركزون في إدلب وريف حلب الشمالي والجنوبي، هو رهان لا يستند على أيّ أساس، وموسكو مصمّمة على خوض هذه الحرب حتى نهايتها.