في أخطر تصريحاته… لافروف يُحذّر اللبنانيين

روزانا رمّال

فجأة ومن دون سابق إنذار يحذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من مغبة استمرار المحاولات الرامية إلى تدميرالدولة في لبنان، على غرار ما جرى ويجري خلال السنوات الأخيرة في كلّ من العراق وليبيا وسورية، وذلك في حديثه لقناة «إن تي في» الروسية، مؤكداً أنّ بلاده تسعى إلى»إيجاد حلول سياسية لجميع قضايا الشرق الأوسط، بالتزامن مع مكافحة الإرهاب».

المقلق هنا هو خشية لافروف من أن يلقى لبنان، الذي يُعتبر مستقراً نسبياً منذ فترة، المصير نفسه الذي لقيته تلك الدول التي ذكرها. مصير دراماتيكي لأنظمة كانت متماسكة يوماً.

هذا الربط ليس إلا نظرة جدية من موسكو تعكس قلقها مما يجري في لبنان، أو ربما استشعار أنّ هناك من يريد فعلاً قلب المشهد فيه، على غرار ما جرى بعد أحداث «الربيع العربي»، رغم اختلاف النظام السياسي اللبناني عن أنظمة الدول المذكورة.

أعلن سيرغي لافروف حالة الطوارئ في لبنان وهو يعرف العقد الموجودة فيه، من تعثر الانتخابات النيابية والتمديد لمجلس النواب الحالي إلى تعثر انتخاب رئيس للجمهورية، وصولاً إلى تعثر تعيين قائد للجيش، إضافة إلى الحكومة العرجاء العاجزة حتى عن عقد الاجتماعات النظامية. ورغم أنّ كلّ هذه المعطيات تؤكد سلبية المشهد، إلا أنها ليست الأساس الذي بنى عليه لافروف. فلبنان يعيش منذ عقود حتى اليوم أزمة استحقاقات متتالية لا تُحسم إلا بتدخل العنصر الخارجي فتحلّ بالتوافق بين الدول التي تدير الصراع فيه، وبذلك يتضح أنّ لافروف يتحدث عن أمر آخر.

ترتبط معلومات الخارجية الروسية ارتباطاً وثيقاً بمعلومات مبنية على ما يجري على أرض الواقع وما يتعلق بالحدث، ضمن إطار الرؤية المحيطة والمتعلقة بالمدى الحيوي الذي يؤثر فيه. وهنا فإنّ المعلومات الواردة إلى لافروف مبنية على بحث أمني واستخباري وسياسي وديبلوماسي يتعلق بكلّ ما يجري في لبنان، ما يشير إلى أنّ روسيا تضع لبنان اليوم في سلم اهتماماتها وتحذر من كارثة فيه لأنّ تشبيه ما قد يقبل على لبنان بما جرى في سورية والعراق وليبيا، كمصير محتوم، لا يوصف بأقلّ من الكارثة.

المقلق اليوم أنّ في لبنان حراكاً شعبياً مشكوكاً بعدة جوانب له لا ترتبط بالشبان المحتجّين للمطالبة بحقوقهم، وإنما بأوجه الشبه الكثيرة بينه وبين أولى شرارات الاحتجاجات في الدول التي وقعت ضحية الإرهاب، بمخططات استخبارية قصَدها لافروف. ومن هنا فإنّ استغلال الحراك في لبنان ممكن جداً وقد باتت معالمه أوضح بعدما أخذت وسائل إعلام محدّدة على عاتقها تكبير حجمه وتعظيم أمره وجعله الشغل الشاغل للبنانيين لكي يستقطب ولكي تبنى عليه الخطوات المقبلة، وطبعاً هذا كله إذا لم نسلّم جدلاً بأنّ شرارته اندلعت، عن سابق تصوّر وتصميم إقليمي ودولي.

يكرّر لافروف في حديثه ذكر لبنان فيقول إنّ «مشكلة تفشي الإرهاب في الشرق الأوسط صارت في نهاية المطاف مرتبطة بتدمير الدولة في العراق وليبيا والآن في سورية، وربما قريباً في لبنان».

الكلام الصادر هنا عن وزير خارجية، بحجم لافروف، الذي تقود بلاده حملة في سورية لمكافحة الإرهاب، ليس إخباراً يوضع في يد السلطات اللبنانية ومسؤولية كلّ القوى الوطنية والمحلية التعامل معه بدقة. فالآتي قريب، حسب لافروف، وهنا تتعقّد الأمور.

يعرف لافروف أنّ وجود روسيا في سورية يشكل أزمة كبيرة بالنسبة إلى دول إقليمية رئيسية في المنطقة، كالسعودية و«إسرائيل» وتركيا، وهنا يمكن استغلال لبنان كأحد المنافذ الجديدة لأزمة تفتح على مصراعيها في المنطقة من أجل التعويض عن أيّ خسارة للنفوذ في سورية. هذا احتمال، أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون لبنان على موعد قريب مرتبط بالانتخابات التركية بحيث تنفجر البلاد بمجرد فوز حزب العدالة والتنمية التركي فتضغط أنقرة بأياد خليجية في لبنان لأخذ الشارع نحو الانفجار لقلب اللعبة واختيار رئيس للجمهورية، بديل عن مرشح حزب الله وحلفائه، بل مرشح «توافقي» على غرار ميشال سليمان الذي جاء نتيجة تسوية الدوحة، جراء الدماء التي سالت في الشارع الملتهب. فهل يحتاج لبنان إلى دماء يكون مسرحها الحراك الشعبي المطلبي؟

المصلحة «الإسرائيلية» حاضرة دوماً في أيّ اشتباك في الشارع. ففي لبنان، حيث حزب الله الذي يقاتل في سورية ويساعد في تعزيز صمود نظامها، تسعى «إسرائيل» إلى توريط الحزب بين أزقته. أما في ما يتعلق بالإرهاب فإنّ الإرهاب الذي دخل بعد الفوضى العارمة جراء احتجاجات سورية، قد يسلك المسار نفسه جراء حراك يبدو فوضوياً في المظهر، لكنه منظم بالخلفية والهدف والرؤية من قبل المهتمّين فيه والداعمين أو ربما المستغلّين له.

يرفع لافروف سقف اهتمامات روسيا بلبنان ويحذر… فهل يعني هذا إمكانية تدخل روسي استباقي على الخط اللبناني؟ أم أنّ رسالة لافروف محاولة لكبح جماح الذين يحاولون أخذه إلى المجهول بتذكيرهم: «نحن هنا»؟

روسيا تعلن حالة الطوارئ في لبنان والمسؤولية تقع على الجميع من دون استثناء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى