ماذا يريد المغتربون السوريون؟ صرخة عربية إسلامية لنجدة فلسطين
تامر يوسف بلبيسي
يتابع السوريون في بلدهم والاغتراب مشهد فلسطين الذي يُدمي القلب والروح، رغم ما يصيب السوريين من مآسٍ وما لحق بهم من عذابات وما سفك من دماء بنيهم، وما لحق بلدهم من خراب، لا يزال الجرح الفلسطيني كلما نزف ينزف في قلوبهم وشرايينهم، ورغم كل ما أصابهم من ألم ومرارة من جراء تعامل بعض القوى الفلسطينية مع محنتهم وتدخل بعض السلاح الفلسطيني لتزوير ما يجري في بلدهم وتشويه صورة سوريا وجيشها ودولتها ورئيسها، باسم أنبل قضية عربية تمثلها فلسطين، وبجحود ونكران ما قدّمته وتقدّمه سوريا ويقدّمه السوريون وهم يدركون أن في اليوم الذي يقف فيه رئيسهم ويقول، لا مشكلة مع إسرائيل بمجرد عودة الجولان السوري، ولا علاقة لنا بالحل الذي يطال فلسطين لأنه يخص الفلسطينيين وحدهم، ستنقلب المواقف الدولية والإقليمية رأساً على عقب مما يجري في بلدنا، ويوم تعلن سوريا تخليها عن خيار المقاومة سيتبارى العالم في امتداح التجربة الديمقراطية في سوريا، من دون أن يكون قد حدث أي شيء يتصل بالتطور الديمقراطي من إصلاحات أو انتخابات، لأن شهادات الديمقراطية تمنح في العالم بموجب دفتر شروط أول بنوده رضا «إسرائيل».
رغم إدراك السوريين لكل ذلك تبقى فلسطين قضيتهم المركزية، وتبقى في قلوبهم ووجدانهم وعقولهم، وهي اليوم قبالة أعينهم جرح الإنسانية النازف.
سمع السوريون ورأوا دموعاً وبيانات تضامن تتحدّث عن مأساتهم، وسمعوا ورأوا مؤتمرات تحت عنوان أصدقاء لبلدهم، ومشاريع قرارات دولية يتقدم بها أشقاء أو أصدقاء أو أعداء، تلمح لاستخدام القوة العسكرية ضد بلدهم تحت شعار إنقاذه من الدم والدمار، ولكنهم رأوا وسمعوا وعرفوا ماذا جلب مثلها لبلد شقيق لا يزال تائهاً في الفوضى هو ليبيا، ويرون ويسمعون ويعرفون كل يوم أن لا صوت يعلو ولا دمعة تُذرف، ولا بيانات تصدر، ولا مشاريع قرارات تُحضَّر، لنجدة فلسطين ووقف آلة القتل التي تفتك بشبابها وصباياها وشيوخها، والأطفال بعمر الورود يقتلون تحت أضواء الكاميرات بدم بارد.
يريد السوريون ويحبّون أن يصدقوا أن تحرِّك العالم مآسي الشعوب، وأن ما سمعوه وما رأوه بخصوص بلدهم ينبع من هذه الزاوية البريئة للتعاطف مع العذابات الإنسانية، وعندها سيعتبرون الخطأ في التشخيص والدواء مجرد التباس وسوء فهم، ويسامحون المخطئين، طالما أن الأصل هو النيات والنيات طيبة.
يتحقق السوريون من النيات الصادقة عبر امتحان مؤلم هو التعامل الذي يتم مع عذابات الفلسطينيين، حيث لا مجال للخطأ في التشخيص، فالقاتل يعلن عن نفسه أمام الكاميرات والضحية يسقط مضرجاً بدمه تحت الأضواء، ورغم ذلك لا حياة لمن تنادي، ولا صوت يرتفع ولا يد تمتد، بل نكاد نُصاب بالذهول أن لا دمع يُذرف ولو خجلاً.
نتأكد عندها أن البكاء علينا واللهفة لنجدتنا والبيانات والقرارات والمؤتمرات، كلها تجارة بعذاباتنا، وتزوير لقضيتنا، ومؤامرات لاستغلال معاناتنا وصرف عائد التضامن معنا لرسم مستقبلنا بغير أيدينا، وإلا لماذا الصمت عن فلسطين إذا كان العالم القريب والبعيد ملهوفاً لإغاثة المظلومين والمعذبين؟
نكتشف ويكتشف الفلسطينيون مثلنا، أن ليس أمام المعذبين إلا أن يكوّنوا بأنفسهم حقيقتهم هم لما يجري في بلدهم، وألا ينتظروا ماذا يصيغ لهم الآخرون من أوصاف مشوّهة لهذه الحقيقة، وأن يعتمدوا على أنفسهم وقدراتهم هم في علاج مشاكلهم والخلاص من معاناتهم، ويصح القول، «ما حكّ جلدك مثل ظفرك»، وعندما يحك جلدك الآخرون تتقيّح جروحك بعدها وتنزف ويحتقن ما يتفشى تحت الجلد من جراثيم وأمراض وسموم.
لكن السوريين وكل العرب والمسلمين والشرفاء في العالم يتطلّعون إلى يوم يكون للحق فيه سطوة على مَن يملكون أسلحة صياغة الحقيقة، فيصير قول الحقيقة مطابقاً للحق، حتى تصير حقيقة، وليست مجرد إدعاء يستغل اسمها لقول أشياء أخرى بلسانها.
عذاب فلسطين ودم فلسطين ودمع فلسطين، عذاب ودم ودمع كل حر وشريف في العالم، يستصرخ الضمائر، وينادي كل عربي ومسلم للهفة المظلوم والمعذب والمقتول بدم بارد عدواناً ووحشية واستهتاراً بكل القيم والقوانين.
لذلك لن نتوقف عن الأمل بأن يصحو العرب والمسلمون وأن لا يتأخروا عن نصرة فلسطينهم، ولن نتوقف عن الأمل بان يصحو العالم وضميره للانتصار لحق شعب فلسطين والأخذ على يد المجرم، وفك أسر الضحية.
لذلك رغم كل ما مرّ على السوريين، سيكونون في وطنهم والمغتربات أول مَن يقف مع فلسطين، وسيكونون في مقدمة الذي يرفعون علمها في كل مكان إعلاناً لهوية أننا نبقى فلسطينيي الهوية حتى تعود فلسطين لأهلها، تيمناً بقول رسول الله صلعم «أحبّ أبنائي إليّ صغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يشفى وغائبهم حتى يعود».
مغترب عربي سوري في الكويت
رئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية