لبنان والانتخابات التركية: سباق الاحتمالات
روزانا رمّال
بدأت صباح السبت الماضي عملية التصويت في الانتخابات النيابية التركية للمواطنين الأتراك المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يمكن لنحو 91 ألف ناخب تركي الإدلاء بأصواتهم حتى الخامس والعشرين من الشهر الحالي ليُصار إلى جمع الأصوات في حقائب وختمها وتسليمها إلى الهيئة المسؤولة عن الاحتفاظ بها والتي ستضعها في غرف خاصة مؤمَّنة، لحين انتهاء عملية التصويت لترسلها في حقائب ديبلوماسية إلى تركيا لفرزها وإلحاقها بنتائج الانتخابات المبكرة في تركيا، بعد التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية والذي وصف بالأول من نوعه للحزب الذي فاز في جميع الانتخابات ابتداء من العام 2002، ما يحسب هزيمة كبرى لأردوغان الذي يسعى إلى الفوز بـ 330 مقعداً في البرلمان، على الأقلّ، لتمرير تعديل دستوري يوسّع سلطاته الرئاسية ويحوّل النظام البرلماني في الجمهورية التركية إلى رئاسي، ما يعزِّز قراراته السياسية الخارجية، ولا سيما بما يتعلق بملف تمدّد حركة «الإخوان المسلمين» وتوسيع نفوذها وسياستها في سورية.
إذاً، بدأت إشارات انطلاق السباق البرلماني في تركيا من جديد، تاركة للمنطقة حبس الأنفاس نظراً لما لهذه الانتخابات من أهمية على الملفات كافة وخلط الأوراق التي من شأنها توضيح المشهد المقبل فيها، وخصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي في سورية وملف مكافحة الإرهاب الذي ترتبط به تركيا ارتباطاً وثيقاً، لجهة مواقفها من قتال الإرهاب ومجموعاته. وفي هذا الإطار، سجل موقف أردوغان من هجوم «داعش» على بلدة عين العرب ـ كوباني حدثاً مفصلياً بالنسبة إلى أكراد تركيا، بعدما رفض مطالبتهم بتقديم الدعم للمقاتلين الأكراد المدافعين عن مدينتهم، متوقعاً عوضاً عن ذلك سقوط المدينة تحت سيطرة التنظيم قبل أن تتدخل الولايات المتحدة. وبالتالي فإنّ فوز أردوغان مجدّداً يعني إرباك خطط مكافحة الإرهاب الروسية في المنطقة.
هنا يكمن السؤال الأبرز: هل ستتشكل احتمالات وقوع حدث ما أو دخول المستفيدين من فوز حزب أردوغان على خط الانتخابات، فيضغط باتجاه ذلك في محاولة لكسب نقطة مفصلية في وجه روسيا في المنطقة؟ وهل ستتحرك الولايات المتحدة في هذا الاتجاه؟
الجواب البديهي الذي يحضر هنا هو أنّ واشنطن التي عارضت موقف أردوغان من كوباني سحبت بطاريات «باتريوت» أيضاً من أراضيه، إضافة إلى رفضها إنشاء منطقة عازلة في سورية، وبالتالي فإنّ كلّ ما كان من الممكن أن يصبّ في مصلحة أردوغان قد تمّ سحبه. لكنّ هذا كله جرى قبل الدخول الروسي العسكري إلى المنطقة وهنا كلّ الاحتمالات تصبح واردة، بعدما اختلفت الأولويات وأي تدخل من شأنه تعزيز وضع أردوغان، ليس بالضرورة أن يكون بأياد أميركية مباشرة.
لا تزال أنقرة حليفة واشنطن الأساسية في المنطقة، ولا تزال تتشارك معها الاستراتيجيات نفسها في سورية. وبحسب المعلومات، يبدو أنّ الرئيسين الأميركي والتركي قد تباحثا هاتفياً منذ أيام حول مصير سورية، وتطرقا إلى تعزيز التعاون في الحرب ضدّ «داعش»، والخطوات التي يمكن اتخاذها في شأن الأنشطة العسكرية الروسية في سورية. وفي هذا الإطار، أكد مكتب أردوغان أنّ الرئيسين اتفقا على تقوية المعارضة «المعتدلة» لإيجاد الظروف المناسبة لانتقال سياسي في سورية.
يؤكد البحث في الأولويات الأميركية مع أردوغان الاتفاق على أنّ مصلحة واشنطن اليوم، بعد التدخل الروسي في سورية، باتت في بقاء أردوغان في الحكم وإنّ الوضع الانتخابي للأخير قد وضع على الطاولة. وفي هذا الإطار، تردّدت معلومات عن نوايا سعودية الدخول على خط دفع أموال لشراء أصوات ناخبين أتراك للمساعدة على فوز أردوغان وهو الذي لم يكن ممكناً أن يجري لولا التدخل الروسي وخلط الأوراق، نظراً للخلاف الحادّ بين «الإخوان المسلمين» ودول الخليج. لكنّ هذا كله لم يعد ممكناً التمسك به بعد ما فرضته موسكو وحلفاؤها في الميدان السوري. لبنان هو أحد أبرز المتأثرين بهذا المتغيّر الكبير الذي ستفرضه الساحة التركية، لأنّ فوز أردوغان سيعني تحوّلاً نوعياً في لبنان وخسارته كذلك الأمر. من هنا فإنّ الجمود الحاصل على خط التعيينات الأمنية وانتخاب رئيس للجمهورية، وعلى الرغم من التلويح بالاستقالات والانسحابات من الحكومة الحالية ومن جلسات الحوار التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري وملاقاتها بخطابات حازمة من الفرقاء، ولا سيما الكلام الذي صدر عن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ودعوته الذين يلوّحون بالاستقالات أن يقدموا عليها، وما يشيع هذا الموقف من أجواء توتر، فإنّ أيّ انفجار أو تسوية قبل انبلاج نتائج الانتخابات التركية غير وارد.
وفي هذا الإطار، أشارت مصادر مطلعة على زيارة النائب وليد جنبلاط للرياض إلى أنّ الأخيرة طلبت منه عدم المبادرة إلى طرح صيغ حلول واقتراحات لحلّ الملفات، بل الانتظار والتجميد، وانطلاقاً، فإنّ فوز أردوغان يعني زخماً جديداً في الأزمة السورية لجهة الدعم التركي ـ السعودي للمعارضة المسلحة والمجموعات الإرهابية، وبالتالي سيكون هناك ضغط داخلي في لبنان نحو عدم قبول ما يطرحه حزب الله والعماد ميشال عون من حلول، لا بل ستكون هناك إمكانية لإشعال الشارع والعكس صحيح. أي أنّ خسارة أردوغان تعني التوجه نحو التسويات والقبول بحزب الله وعون وما يطرحانه، كترجمة لتقدم الخطة الروسية في سورية بسلاسة.