زاسيبكين لـ«البناء»: تعاطي أميركا وحلفائها سخيف ومدّهم الإرهابيين بالسلاح رهان خاسر لا مبادرة روسية في رئاسة الجمهورية ولبنان بلد التوازنات ويتأثر بالأوضاع الإقليمية
هتاف دهام
ما يجسّد العلاقة الروحانية والتاريخية بين روسيا وسورية وبين شعبَي البلدين هي بذور المسيحية في روسية التي تعود إلى سورية، فأول أسقف علّم الروسيّين وعمّدهم، كان القديس ميخائيل السوري المنشأ، تلميذ البطريرك الأنطاكي يوحنا الخامس، في نهر الدنيبر سنة 988 لتصبح الأرثوذكسية حينئذ دين الدولة في روسيا.
يعتمد التدخل الجوي الروسي في سورية على المبادئ وليس على البراغماتية، صحيح أنه أتى بعد أكثر من أربع سنوات من الأزمة السورية، غير أنّ روسيا كانت على الدوام إلى جانب سورية لوجستياً وسياسياً وفي المحافل الدولية وفي المساعدات الاقتصادية والإنسانية للشعب السوري.
تعود العلاقة التاريخية بين روسيا وسورية إلى مئات السنين. فهي لم تأت إلى سورية لتأخذ مكان الإرث الفرنسي أو لاستبدال استعمار بآخر. فالوجود الروسي في سورية يعود إلى زمن بعيد بدأ من قاعدة طرطوس القاعدة اللوجستية التي أنشئت العام 1970 قبل الأزمة السورية بكثير، وقبل تسلّم الرئيس السوري بشار الأسد زمام القيادة، حيث كانت العلاقات بين البلدين راسخة على الدوام وتعمّقت أكثر فأكثر في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، ولتزداد رسوخاً مع تولي الرئيس بشار الأسد سدة الرئاسة وزيارته موسكو العام 2004 وإلغاء الديون التي كانت مترتبة للاتحاد السوفياتي السابق على سورية وإعادة إحياء الاتفاقية العسكرية والتعاون الأمني وصولاً إلى توقيع اتفاقيات استراتيجية وقعت العام 2008 خلال زيارة الرئيس الروسي السابق ديميتري ميدفيديف سورية ولقائه الأسد، وإعادة تشغيل وصيانة مرفأ طرطوس ليستقبل السفن العملاقة الروسية التي تتنقل في البحر المتوسط.
ما يحصل اليوم أنّ روسيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن تترك المجال لأميركا أن تقسّم المشرق كما تريد، فالأحادية انتهت، والمنطقة والعالم سيشهدان تغيّرات وتحالفات جديدة، وقمة «أوفا» التي أطلقت مرحلة جديدة في تطور منظمة شنغهاي، وشهدت انضمام الهند وباكستان إلى المنظمة، كان من أهدافها مكافحة الإرهاب وعدم السماح بتفكك الدول أو بسيطرة الانفصاليين، وخرجت كذلك مجموعة «بريكس» التي تضمّ روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، بالتأكيد على التصدّي لتفكك الدول ومكافحة الإرهاب، بما يعني أنّ تدخل القيصر الروسي وقصف صواريخ كاليبر وطائرات السوخوي المجموعات الإرهابية يحظى بدعم دول مجموعتي شنغهاي وبريكس وهو ليس تدخلاً أحادياً إنما تدخل يهدف إلى درء الفتنة ومنع الفوضى ومحاربة الإرهاب الذي يريد تفكيك المنطقة والوصول إلى الدول الكبرى، ويؤكد أنّ العمل العسكري الروسي في سورية من الممكن أن يحصل خارج سورية بموافقة هذه الدول.
ذكر الرئيس بوتين في كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي أنّ الإرهابيّين يتلقون السلاح والتدريب ثم ينضمون إلى صفوف «الدولة الإسلامية»، التنظيم الذي «لم يقع من السماء، بل تمّت تربيته كأداة ضدّ أنظمة حكم علمانية غير مرغوب فيها». طفح كيل الرئيس الروسي الذي يعتبر أنه لم يعد جائزاً السماح للأميركيين باستثمار أو استغلال واقع الجماعات الإسلامية التي تحمل الفكر «الإسلامي» في الشكل لأهداف سياسية.
ما يحصل اليوم أنّ بوتين ما بعد الشيوعية جعل من روسيا مختلفة كلياً عن الاتحاد السوفياتي الذي وصل في مرحلة إلى البراغماتية ليعيد الرئيس بوتين في العام 2000 إحياء التقاليد الدينية على أساس أن يكون الرابط الروحاني هو الذي يجمع كلّ أطياف الشعب الروسي، فالعقيدة التي يحملها بوتين هي عقيدة ترتكز على الإرث الامبراطوري التاريخي القيصري وترتكز أيضاً على الروحانية والتقاليد. وفي العقيدة الروسية التي تستمرّ بأقلّ تقدير حتى العام 2025 لا شيء اسمه تحريض طرف ضدّ طرف، فهناك توازن في العلاقة والحفاظ على المصالح. ولذلك أعربت الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، عن دعمها قرار موسكو شنّ غارات جوية في سورية ضدّ تنظيم «داعش»، ووصفت القتال ضدّ الإرهاب بأنه معركة مقدّسة اليوم، وربما تكون بلادنا هي القوة الأنشط في العالم التي تقاتل الإرهاب، وأنّ القرار ينسجم مع القانون الدولي وعقلية شعبنا والدور الخاص الذي تؤدّيه بلادنا دائماً في الشرق الاوسط».
وإذا كانت حدود روسيا الجنوبية تمتدّ من لبنان حتى طهران فإنّ احتمال أن تحصل فوضى في أيّ من هذه الدول التي تقع على الخط الجنوبي ومن الممكن أن تنتقل إلى روسيا، عبر القوقاز والمناطق المحيطة وتصل إلى عمقها. ولذلك فهي تخوض حرباً شرسة ضدّ الإرهاب، غير أنها لم تكن لتقصف الإرهابيين من الأجواء السورية الا بعد أن طلبت الدولة السورية ذلك منها رسمياً، بغضّ النظر عن أنها تنسّق مع سورية ومع حزب الله والجمهورية الاسلامية الإيرانية منذ اليوم الاول للأزمة السورية في مختلف المجالات السياسية وتنسيق المبادرات الأمنية والاقتصادية وعلى أعلى المستويات.
لقد تدخلت روسيا لإعادة النفوذ وسيطرة الحكومة السورية على كامل أراضيها المعترف بها دولياً، والجسر الجوي نقل خُمس ما قام به الاتحاد السوفياتي أيام حرب تشرين لمصر في المعركة ضدّ «إسرائيل»، وهذا يدحض ما يُشاع أنها تريد فقط تحرير بعض مناطق ريف اللاذقية وفتح الخط باتجاه دمشق وريف حمص والوصول إلى حلب.
وإزاء كلّ هذا فرضت روسيا وحلفاؤها في سورية واقعاً سياسياً وواقعاً عسكرياً على الأرض رغم كلّ الحصار الاقتصادي والعقوبات التي طالتها منذ بدء الأزمة الأوكرانية في محاولة لاستنزافها من جورجيا حتى سورية. ويبدو أنّ الروس أكثر من مرتاحين لما يجري ويعدون بالانتصارات المتلاحقة. وهذا يبدو جلياً في الهدوء الذي يتمتع به السفير الروسي الكسندر زاسيبكين في مقرّ السفارة الأثري في حديثه لـ«البناء» عن المعركة ضدّ الإرهاب، وفي ثقته بقرار الرئيس الروسي الصائب في التدخل الجوي وإعلانه جهاراً وبابتسامة كبيرة التمسك ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد وبمتانة التحالف بين دول وقوى محور المقاومة.
الدافع الأول للتدخل
يؤكد زاسيبكين لـ«البناء» أنّ الروحانية والاعتبارات الجيوسياسية التي ترتبط بمصير الشعب والأمة والتي من الممكن أن تعيش وتستمرّ من دون النفط والغاز، لكنها لا يمكن أن تعيش من دون الحضارة والتاريخ والثقافة، هي الدافع الأول للتدخل الجوي الروسي في سورية. هذه الاعتبارات تتفوّق بحسب زاسيبكين على الاعتبارات السياسية والاقتصادية، وعلى اعتبارات خطوط النفط والغاز، لا سيما أنه وبسبب البيروقراطية الأوروبية حصل أن توقف العمل في الأنبوب الجنوبي، واتفق الأوروبيون مع الاتراك من حيث المبدأ حول الأنبوب التركي غير أنّ اشكالات حصلت هناك، واتفقوا حول الأنبوب الشمالي كأنبوب ثانٍ في حال انتهت الحرب، عندها يمتدّ الأنبوب من إيران إلى هناك. هذه الاعتبارات النفطية يقول زاسيبكين يمكن إيجاد حلول لها لذلك ليست الهدف الأساس لتدخلنا وانه لا يعتمد في تحليله كاملاً على هذه الاعتبارات.
لقد تطوّر الموقف الروسي من الحرب السورية وفقاً للمعطيات ومجريات الأمور، والوضع كما يقول السفير الروسي اختلف عما كان عليه العام 2011، والمطلوب اليوم شيء آخر غير الدعم السياسي، فالأزمة تتطور وهذا يتطلب من الأطراف المعنية اتخاذ الإجراءات المناسبة والقرارات الحاسمة.
التدخل وفقاً للشرعية الدولية
تتعاطى روسيا بحسب زاسيبكين بكلّ شفافية، فهي أكدت أهمية التعاون العسكري مع الدولة السورية طبقاً للاتفاقات الموقعة بين السلطات الروسية والسورية في إطار الشرعية الدولية، وأنّ كل من تصنّفه الدولة السورية إرهابياً تعتبره موسكو إرهابياً أما الخيار السياسي فهو يتعلق بالجهود التي تبذل لترسيخ الحوار بين الدولة والمعارضة. وللمفارقة اتضح خلال الفترة الأخيرة خطر الإرهاب على جميع دول العالم وشعوب المنطقة، ونحن شهدنا خطوات من قبل التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة لمقاتلة الإرهاب، غير أنّ التحالف لم يكن متكاملاً فهو رفض انضمام روسيا وإيران، ربما لأننا نريد التعاون على أساس صحيح وأكثر ضمانة. بمعنى التعاون مع الجيش السوري والدولة السورية، فالرئيس بوتين اتخذ قرارات مناسبة تجسّد فكرة التنسيق مع الجيش السوري ومؤسسات الدولة السورية ليكون النضال ضدّ الإرهاب متكاملاً جواً وبراً، وليكون واضحاً للجميع أنّ هذا الخيار هو الصحيح لتنفيذ هذه المهمة، وإذا كان لدى الآخرين رغبة في المشاركة معنا في مكافحة الإرهاب، نحن نرحب بذلك لأننا نريد أن تكون مكافحة الإرهاب عملاً متكاملاً بالأساليب وبالمشاركة وفي أماكن تواجدهم.
يجب أن تعترف جميع الدول الإقليمية والغربية، بحسب زاسيبكين، أنّ الخطر الإرهابي في سورية لن يقتصر على سورية إنما هو خطر على آسيا الوسطى والقوقاز وروسيا وأوروبا وحتى على الولايات المتحدة. ومن المفترض أن تكون مواقف هذه الدول على مستوى عال من المسؤولية، لكن البند الأول في أجندتها كان إسقاط الأنظمة، وغارات التحالف الدولي ضدّ «داعش» وضعت جانباً المجموعات الإرهابية الأخرى كلّها في سورية، بهدف حجب الأنظار عن التنظيمات الإرهابية الأخرى من «جبهة النصرة» إلى «جيش الفتح» وغيرها المئات من المجموعات الإرهابية تحت مسمّيات مختلفة وتقويتها وحصر الإرهاب بـ«داعش». فهؤلاء يريدون تشويه الأحداث، في حين أننا نعلم أنّ الإرهاب يعود إلى تنظيم «القاعدة» الذي نعلم من كان وراءه منذ اليوم الاول، لذلك نؤكد انّ مكافحة الإرهاب عمل متكامل لا ينحصر فقط بتسمية معينة، ونحن نناضل ضدّه منذ عشرات السنين».
لقد حدّدت تقديرات الخبراء العسكريين توقيت التدخل العسكري الروسي في سورية كونه مرتبطاً بموازين القوى العسكرية والميدانية، هكذا يقول الديبلوماسي الروسي، مع تأكيده ضرورة إعطاء الأهمية الكبرى للتسوية السياسية بغضّ النظر كيف تجري الأمور على ساحة المعارك التي ستستمرّ وفق الخطة المحدّدة، على عكس وجهة نظر التحالف الدولي التي تزعم أنّ بإمكانه أن يفرض على النظام شروطه للاستسلام، ولذلك جهوده للقضاء على «داعش» ليست فعالة لأنه يريد إسقاط النظام السوري، فهذا التحالف تورّط في النزاعات في المنطقة بأشكال متنوعة من المشاركة الأميركية المباشرة في غزو العراق وانتهاء بعمليات الناتو في ليبيا والحرب في اليمن وسورية وتسليح وتمويل الإرهابيين. مقابل ذلك روسيا تطرح من البداية موضوع محاربة الإرهاب كهدف أساسي، القرارات الميدانية التي اتخذناها تندرج ضمن هذا السياق. فلا يجوز لنا أن نكون ضعفاء، فنحن نعرف تمام المعرفة المزاج الأميركي الذي إذا استشعر وجود نقاط ضعف عندنا، فإنه سيزيد الضغط ميدانياً لذلك لا بدّ لنا من اتخاذ القرارات العسكرية علّنا ندفع الأطراف المعنية المتورّطة في الحرب على سورية إلى الإسراع والاستعجال في العملية السياسية.
تسليح الإرهابيّين رهان خاسر
لن يؤثر الحديث الأميركي عن استنزاف روسيا في سورية وتكبّد الجيش الروسي خسائر كبيرة، كما يقول الديبلوماسي الروسي المخضرم، على معنويات الجيش والشعب الروسي ولن يسبّب لنا أي مشكلة، فالتعاطي الأميركي ليس فقط غير أخلاقي إنما هو سخيف، فهؤلاء للأسف فقدوا أدنى مستوىً من الأخلاقية في التعاطي على الإطلاق، واستعداد الولايات المتحدة وحلفائها لدعم الإرهابيين ومدّهم بالسلاح في وجهنا، رهان خاسر.
يصرّ السفير زاسيبكين على أنه من الخطأ أن يجري الأميركي مقارنة بين الأحداث السورية وما جرى في أفغانستان أو فيتنام أو الحروب الأخرى في القرن العشرين، ما يجري حالياً لن يتعدّى المساعدة الجوية الروسية للدولة السورية لتنفيذ المهمات العسكرية المحدّدة للقضاء على الإرهاب ولن يصل إلى التدخل البري.
يسخر السفير الروسي من منطق المتضرّرين من التدخل الروسي الجوي في سورية الذي يقول إنّ المشاركة الروسية في الحرب السورية هي لتقليص حجم النفوذ الإيراني في المنطقة، إذ ليس هذا هو المنطق الذي تتعامل به روسيا. ويشدّد على أهمية أن يكون هناك دور للجمهورية الإسلامية الإيرانية في شؤون الشرق أوسطية. ويرفض الإشاعات الغربية عن خلافات إيرانية روسية، ويقول خلال التفاوض حول الاتفاق النووي، صحيح أننا لم نكن إلى جانب ايران، لكننا كنا نقترح المخارج الجيدة لها، واضعاً كلّ ما يُحكى في خانة الحرب الإعلامية، فهؤلاء لا يريدون التقارب بين البلدين، في حين أننا نعدهم بأنه سيستمرّ وسيتضاعف، داعياً في الوقت نفسه «بعض الدولة العربية إلى تصحيح البوصلة، فبدل اعتبار إيران تهديداً أساسياً لها يجب أن تكون مشكلتها الأساسية مع إسرائيل».
يجزم زاسيبكين بأنّ خرق الأجواء التركية حصل نتيجة خلل فني، ولم يكن رسالة روسية إلى تركيا، والعلاقات التركية الروسية لن تتأثر على الإطلاق بتدخلنا في سورية، فنحن لسنا أغبياء ولسنا أولاداً في السياسة. نحن نواصل الحوار مع تركيا والدول الأخرى التي تقف ضدّ النظام السوري، بهدف تقريب وجهات النظر، فنحن في موقع محايد ومقنع جداً، وأن الاتفاقات بين موسكو وأنقرة بشأن مشروع نقل الغاز الروسي إلى تركيا باقية.
ويبقى التأكيد بحسب زاسيبكين «أنّ النظام السوري هو نظام مرن ومستعدّ لاتخاذ الإجراءات المناسبة»، ويشير إلى «أنه اقتنع أكثر فأكثر بعد الأحداث الأخيرة بأنّ الرئيس بشار الأسد هو الرئيس الذي يجب أن يكون رئيساً لسورية خلال المرحلة الانتقالية، فشراسة الهجمة عليه تدلّ على أنّ رأسه هو المطلوب من الهجمة على سورية، فالغرب مستعدّ للجوء إلى كلّ الوسائل لإسقاط النظام. وهذا يعيدنا بالذاكرة إلى ابتسامة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون عندما تمّ اغتيال الرئيس الليبي معمر القذافي.
الغرب يُمعِن في الكذب…
يدافع الرئيس الأسد عن سورية الدولة منذ اليوم الأول، ولم يكن بالتأكيد يريد زعزعة الأوضاع، هذا ما يؤكده زاسيبكين الذي بقي سفيراً لروسيا في سورية 15 عاماً قبل أن يعيّن سفيراً في لبنان، صحيح أنّ لدى السوريين بعض الملاحظات على الإصلاحات المطلوبة، غير أنّ هذا الأمر شيء آخر، فالغرب فقد الأخلاقية على الإطلاق، وليس بمقدور هؤلاء أن يعلّموا الناس في المنطقة كيف سيتصرّفون، فهؤلاء يمعنون بالكذب ويتهمون الأنظمة في المنطقة بأنها مسؤولة عن الانتفاضات والتظاهرات، في حين أنهم أتوا بالإرهاب إلى الشرق وأوصلوا السلاح للإرهابيين.
تركز روسيا، بحسب زاسيبكين، على أهمية القضاء على ظاهرة الإرهاب بكلّ تفرّعاتها وتسمياتها وترحيل الإرهابيين من سورية، والوصول إلى تسوية سياسية تبقي سورية الدولة العلمانية التي تضمن الحقوق لجميع مكوّناتها من دون تفرقة أو تمييز. وفي الوقت نفسه ترفض موسكو محاولات إظهارها أنها تهتمّ بمصير المسيحيين في الشرق على حساب الطوائف الأخرى. فهي تتمنّى وفق سفيرها في لبنان أن يكون التدخل الروسي في سورية قد طمأن المسيحيين، فهذا في جوهر ما قمنا به، لكننا في الوقت نفسه نريد المحافظة على التعددية، والجيش السوري والمجتمع السوري من الطوائف كلّها وفي لبنان كذلك. فعندما نتحدّث عن الإرهاب نحن لا نتحدث عن الانتماء الطائفي، ولا نسمح لأنفسنا بالتحدث بهذه اللغة الطائفية التحريضية التي نحاربها.
النضال من أجل التعددية
أعادت روسيا بوتين التوازن إلى المجتمع الدولي والعالم الذي يتجّه من النظام الأحادي إلى نظام الثنائية القطبية أو المتعدّد الأقطاب. ونحن عندما نتحدث ونفكر في التعددية، كما يقول زاسيبكين، لا نفكر بتعددية شكلية إنما بتعددية تقوم على مضمون المساواة في العلاقات بين الدول الكبيرة والصغيرة، لذلك عندما نناضل من أجل التعددية، نريد تأمين مكان ودور لكلّ دولة في هذه التعددية.
وإذا كانت روسيا تقول بالسلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط، فإنّ السفير زاسيبكين يؤكد أنّ «ما يُسمّى بالسلام مع «إسرائيل» هو هدف أساس للمنطقة منذ زمن. نحن نريد إقامة الدولتين وتأمين الأمن للجميع، وأصدقائي الفلسطينيين الذين أناضل من أجل قضيتهم هم يعرفون جيداً موقف روسيا، وأنّ ما يُسمّى السلام ليس لتصفية القضية الفلسطينية. ما يحدث اليوم في فلسطين المحتلة جدير بالاهتمام في الدرجة الأولى لذلك وبحسب السفير الروسي يجب على الدول العربية التي ساهمت في الانقلابات ضدّ الأنظمة في المنطقة وفي الصراعات الطائفية أن تقوم بواجباتها، بدلاً من أن تتهم «إسرائيل» بما يجري، سأسلم جدلاً أن «إسرائيل» شجعت على ما يجري من أعمال إرهابية وتدمير، لكن لو كان الحكام العرب ضدّ الحرب على سورية والعراق فلن يخضعوا للابتزاز، فهؤلاء في سياساتهم خطفوا الأنظار عن فلسطين».
أما في الملف اللبناني، فشدّد زاسيبكين على أنّ «روسيا كجميع الدول الغربية تؤكد ضرورة المحافظة على الاستقرار والأمن في لبنان»، ويعتبر أنّ التدخل العسكري في سورية سينعكس المزيد من الأمن والأمان على لبنان واللبنانيين. ويلفت إلى أنّ الضربات الروسية على تدمر قد أزالت الخطر الإرهابي الكبير عن لبنان، بخاصة أنّ الإرهابيين كانوا سيتسللون إلى شمال لبنان عبر خط تدمر ـــــ حمص، غير أنّ ذلك لن يمنع بعض المجموعات الإرهابية الصغيرة من التسلل إلى لبنان، إلا أنّ استهداف الجيش اللبناني لهم سيكون سهلاً.
وفي الملف الرئاسي يلفت إلى «أنّ الوضع في لبنان مرتبط بالأوضاع الإقليمية، فما يحدث في المنطقة لا يسمح بالانتخابات الرئاسية في الوقت الراهن، لذلك أرجو أن يتمتع الشعب اللبناني بصبر، وهذا يجعلني أتعاطف معه. فهو يعاني من أزمة النفايات ومن مشاكل اقتصادية واجتماعية لكن هذا هو الواقع».
يضع السفير الروسي الكلام عن مبادرة روسية لإجراء الانتخابات الرئاسية في إطار الشائعات والتي ما أكثرها في هذه الأيام، فالانتخابات الرئاسية برأيه شأن داخلي لبناني، على الأطراف اللبنانيين أن يتفقوا على اختيار الأنسب ونحن نشجع اللبنانيين على الاتفاق وندعم ما يختارونه.
إنّ لبنان كما يقول السفير الروسي الذي تنتهي ولايته ببيروت في الربيع المقبل هو «بلد التوازنات ولا نستطيع على الإطلاق فرض رئيس ولا يوجد لدينا نية بذلك، ولا نرى فائدة من ذلك. نحن ناقشنا مَن هو الرئيس القوي في لبنان، ولم أتوصل حتى الآن إلى قناعة ماذا يعني ذلك. أنا لا أجيب على هذا السؤال بسبب تعدّد المواصفات والألقاب من القوي إلى الوفاقي والتوافقي والوسطي».
عون… و Pugacheva
غير أنّ توصيف رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بالرئيس القوي الذي يزعج المرشحين الآخرين يجعل زاسيبكين صاحب الأذن الموسيقية يستذكر المطربة الروسية التي تدعى Alla Borisovna Pugacheva التي أطلقت على نفسها لقب primadona بمعنى أنها الرقم الأول في الأوبرا لتثير انزعاج وغضب المطربات الآخريات. من دون أن يخفي، وبابتسامة صادقة احترامه ومحبته اللذين يكنهما للجنرال عون بقوله إنه «الصديق الصدوق، لديه شعبية مسيحية ووطنية كبيرة، لكن هناك رفض له من بعض فئات المجتمع اللبناني والإقليمي».
ويتابع: نسمع دائماً أنّ العماد عون هو الرئيس القوي وأنّ الوزير جان عبيد هو الرئيس التوافقي، لكن لن أقول لمن أرتاح له من المرشحين: لديّ علاقات جيدة مع الجميع بغض النظر عن أني اختلف في النظرة إلى الأزمة السورية مع رئيس حزب القوات سمير جعجع ورئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط الذي أعلن أنه ضدّ تدخل «القيصر الروسي» في سورية.