الشباب اللبناني حائر… وحلمه تأشيرة سفر!
محمد أبو سالم
بعدما أصبحت الأحلام المهرب الوحيد من الواقع المرير، وبعدما صار تأمين أساسيات الحياة أمراً صعباً، بحكم الظروف الاقتصادية التي تفرض نفسها على فئة كبيرة من المجتمع في اللبناني، نجد أنفسنا أمام السؤال الكبير: هل المال فريسة لا يحصل عليها إلّا الوحوش؟ وهل للجميع فرص عمل واسعة لكنّ المحسوبيات تسيطر عليها في بلد لقّبه أهله بـ«بلد الواسطات»؟ سؤال آخر يحيّرنا دائماً: هل هناك مسؤول واحد عن إفقار شريحة كبيرة من الشعب اللبناني وتهجير شبابه وقطع أمنياته أقلها العيش الكريم؟ أم أنّ هناك خلّية كبيرة تتحمّل مسؤولية بطالة شباب قادر على تحقيق نقلة نوعية في القطاعات كافة؟
أدّت الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة إلى تكوين حالة من اليأس لدى الشباب، وتحديداً مع ازدياد المتطلبات الحياتية اليومية. وأكثر من يعبّر عن هذا الواقع، هم الشباب الجامعيون الذي يعيشون الواقع القاسي ويحصدون نتائجه.
طموحاتهم كثيرة لكنها متشابهة، وما يلفت الانتباه، أنّ أقصى ما يطمح إليه الطالب الجامعي اليوم هو «الفيزا»، علّها تنقله إلى واقع أفضل لأنه ـ بطبيعة الحال ـ فقد الأمل من إمكانية الحصول على وظيفة بعد تخرّجه.
حتى وإن تمكن هذا الطالب من تأمين وظيفة متواضعة، فهل سيكون قادراً على تأمين متطلبات كثيرة، خصوصاً إذا فكر بالزواج وتأسيس عائلة، مع هذا الارتفاع المستمر في الأسعار وبقاء الراتب على حاله؟
الحياة الكريمة تبعد كلّ البعد عن المنظور الطبقي والفروقات الاجتماعية التي لا تصنّف الشخص على الصعيد الإنساني. لا بل أصبح الكثيرون يتفاخرون بمستويات غير متواضعة، وهذا مؤشر على تدنّي ثقافة أنّ الإنسان سلوك.
ما يصعّب المسألة أكثر، أن نرى بعض الشبّان في الجامعات يحاولون، قدر المستطاع، تأمين المستوى المطلوب إن كان في المظهر كاللباس اللائق والهاتف النقّال والمصروف اليومي وذلك لا يدلّ على البذخ في غالب الأحيان، إنما هو يسعى لأن يكون كرفاقه ولو كان ذلك على حساب إنهاء مصروفه قبل نهاية الشهر، وهذا أكبر أنواع الشعور بالقهر والغصّة.
«البناء» تحدّثت إلى طالبات جامعيات يدرسن هندسة الديكور الداخلية ـ سنة أولى، وهنّ فتيات لم تتخطين العشرين سنة. إحداهن تعيش وحيدة في المنزل بعيداً عن أهلها الذين تغرّبوا ليؤمّنوا لأولادهم متطلبات العيش، وأهمها التعليم الذي هو الطموح الأكبر لدى الأهل في أولادهم. أما زميلتها فقالت لـ«البناء» إنها لم تكن تنوي متابعة دراستها الجامعية بسبب ظروف العائلة الماديّة، لكنّ والدها أصرّ على تعليمها مهما كلّف الأمر، وفي نهاية الحوار كانت دمعة من إحداهن تثبت ما يبذله الأهل من تضحيات ليؤمّنوا لأبنائهم حياة كريمة.
كما التقت «البناء» شبّاناً في السنة الأخيرة من التعليم الجامعي، أكّدوا أنّ الظروف المادّية صعبة، و«كلّنا ندرك قساوة الأوضاع ولكن تبقى الحالة مستورة»، وهناك إصرار من الأهل أن يروا أولادهم في أعلى المراتب. فالأب يتعب كثيراً لتأمين أقساط الجامعة وعلى الطالب أيضاً أن يعمل بعد الظهر ليساعد والده في تحمّل الأعباء. ومنهم من تحدث عن حالة يأس لدى بعض الشباب تدفعهم أحياناً إلى التوقف عن الدراسة، وبعضهم من طلاب قرى الجنوب حيث لم يتم بناء فرع للجامعة اللبنانية حتى اليوم، فيضطر الطلاب أن يقصدوا مدينتَي صيدا وبيروت، ذلك أنّ الفرع الخامس للجامعة اللبنانية في صيدا لا يتضمّن إلا عدداً معيناً من الكليات، وهذا ما يرتب أعباء إضافية تثقل كاهل الأهالي. وإذا قرر هؤلاء متابعة دراستهم في جامعة خاصّة قريبة، فستكون النفقات متقاربة.
يقول أحد الشبان: ما نفع متابعة الدراسات العليا إذا كان الطالب لم يحصل على وظيفة تمكنه من تأمين مصاريف الدراسة. أما غالبية الطلاب فأحلامهم لا تتعدّى تأشيرة سفر تمكّنهم من تأمين حياة كريمة للمستقبل.
إذا نظرنا إلى بعض الجامعات الخاصة اليوم نجد أن أهدافها تجارية وليست أكاديمية بحتة، ما يقلل من القيمة التعليمية التي هي الركيزة الأساسية لبناء مجتمع متطوّر مثقّف، فالجامعة ليست محلاً تجارياً للبيع والشراء ولرفع الأسعار وخفضها كما شئنا، ومن هنا علينا التفكير في كيفية تنشئة الأجيال وتدريبهم أكاديمياً ليصبحوا منتجين في المجالات كافة، التجارية والصناعيّة والزراعية والمعلوماتية والأدبية وغيرها.
تختلف قيمة الأقساط بين جامعة وأخرى في مختلف الاختصاصات، البعض منها يدرس الأسعار ويقدّم المستوى الأكاديمي المطلوب للطالب بجودة تعليمية عالية. من هذا المنطلق، تحدث مدير الجامعة الإسلامية في صور الدكتور أنور ترحيني لـ«البناء» عن السبب الأساس الذي دفع الجامعة إلى إنشاء فرع في صور، هو الهدف السامي لخدمة أهالي المنطقة، خصوصاً الطبقتين الفقيرة والمتوسّطة، فأقساط الجامعة من 20 سنة وحتّى تاريخ اليوم هي ثابتة ومدروسة ولا تطرأ عليها تعديلات كبيرة، تقديراً للوضع الاجتماعي المنظور، وأكثر ما يطلبه أهالي الطلاب هو الحسم، معتبراً أنّ هذا المفهوم خاطئ، فالجامعة ليست مؤسسة تجارية تخضع لهذه القوانين، وفلسفة التعليم هي بناء المجتمع.
قدّم ترحيني فكرة عامّة عمّا تقدّمه «الجامعة الإسلامية» لطلابها مراعاة لأصحاب الدخل المحدود. وأضاف: لهذه الأسباب اتخذت الجامعة سياسة معيّنة منها تقديم منح تفوّق، إذ تصل النسبة أحياناً إلى 100 في المئة، والإخوة في الجامعة يحصلون على حسم أيضاً، ونحن نقدم المساعدات الاجتماعية بحسب طبيعة الحالة التي ندرسها وتقدّم المِنح على أساسها، وتقدّم هذه المِنح للأيتام وأبناء الشهداء. الطلاب يثقون بمستوى الجامعة ونشهد كلّ عام إقبالاً متزايداً.
في الختام، وفي بلد اللارقابة، وضعت الأيادي الخفية الباعثة يدها على القطاع التعليمي، معتبرة أنّ التجارة من باب التعليم هي أوسع المجالات وباب رزق ممتاز. على رغم أننا رأينا عيّنة عن بعض الجامعات التي تدرس أسعارها وتقدّم الأنسب لطلابها، والشباب لا يعي هذا التعتيم المتراكم، إنما يطمح إلى الدراسة والتعلّم ليكوّن مستقبلاً مشرقاً يقدّم فيه الأفضل لحياته ووطنه.