حلم 14 آذار المتعثّر…

وليد زيتوني

الحالمون من جماعة 14 آذار، يحاولون إغماض أعينهم عند شروق الشمس، علّهم يسترجعون ما فاتهم من ليل المنطقة الدامس. الصورة في هذه البقعة من العالم أصبحت أكثر وضوحاً رغم الفوضى الخلاّقة.

ربما هذا الحلم الذي راود السيد فارس سعيد كشف عن مخزون مكبوت من الرغبات إذا ما حاولنا تفسير كلماته المتداعية وحلّلناها على طريقة «سيغموند فرويد». السيد سعيد لم يحتمل الإبقاء على سرّه المدفون، في ما يتعلق بنيته الاعتراف بالعدو «الإسرائيلي»، فأعلنها صراحة. وطبعاً لم نقُل وقاحة. فهذا رأيه أو ربما رأي من أوعز له وشجّعه على هذا الكشف السياسي العظيم، فانطبق عليه المثل الشعبي «رايح عَ الحج والناس راجعة».

نحن لم نرَ في اقتراحه جديداً، فجماعته المنضوون، طبعاً ولم نقل التابعين، تحت لواء حلف النهب الأميركي ينسّقون تحت الطاولة وفوق الطاولة مع هذا العدو، ومن الطبيعي أن تكون البيادق على دين أصحابها.

إنّ المرحلة السابقة منذ التحضير للقرار 1559 وحتى بدء المساندة الروسية لسورية قد انتهت إلى غير رجعة. فعهد الوصاية السعودية على لبنان تحت رعاية الإمبراطورية العالمية قد ولّى بانحسار هذا الدور، ووضعها الآن في «الشرق الأوسط» من سيّئ إلى أسوأ، حسب أقوال مراكز الدراسات ووسائل الإعلام الأميركية نفسها، بل أكثر من ذلك إعلان هذه المؤسسات بأنّ ليس للولايات المتحدة أيّ مصلحة في سورية. زِدْ على ذلك، بل على النقيض، يعلن الروسي أنه يدافع عن أمنه القومي في سورية.

14 آذار برمّتها، بعجرها وبجرها، كانت بروباغندا إعلامية للإعلان عن سيطرة الحوت الأميركي المطلق. أما وقد سقط هذا الحوت، فمن الطبيعي أن تسقط أدواته الإعلامية وأدواته السياسية وأدواته المالية خاصة الإقليمية منها. عندما كانت السعودية متفرّغة للساحة السورية والساحة اللبنانية، وعندما كانت تركيا تدفع بكلّ قوتها لاسترجاع أمجادها الخوالي. وعندما كانت الولايات المتحدة موجودة بقوة في العراق، لم يتمكّن هذا المحور من تحقيق مشاريعه التي تستهدف وضع اليد بالكامل على هذه المنطقة. مع التأكيد الظاهر للعيان على فراغ المنطقة من أية قوة غير قواها الذاتية.

أما وقد تغيّر الوضع، والسعودية مستنزَفة مالياً وعسكرياً في اليمن. وتركيا المشغولة بنفسها عن نفسها في ما يتعلّق بالمسألة الكردية الداخلية. والولايات المتحدة تتحضّر لمعركة انتخاب رئيس جمهورية يرث فشل الإدارة السابقة والإدارة الأسبق منها، فهل تتوقع يا سيد سعيد أن تهتمّ أميركا بـ«مي شدياق فاونديشين»، أو تصغي لنصائح مروان حمادة مثلاً؟ أو يأتي خَلَف كيري ليسأل جنابكم الكريم عن الاقتراحات الواجب القيام بها من قبل القيادة الأميركية لإنجاح نائب في جبيل؟

أو أن تأتي قيادة المنطقة الأميركية الوسطى المتواجدة في قطر لتسألكم عن الطريقة الناجعة لإلقاء القبض على المطلوبين لمصلحة المحكمة الدولية في لاهاي؟

سنبشرك يا سيد سعيد، أنّ الكنس لصنيعكم الإرهاب في سورية جارٍ على قدمٍ وساقٍ. وأنّ المحور المضادّ لمحور النهب يتقدّم سريعاً في الشمال وحتى جبال طوروس، وأنّ السوخوي حلقت فوق بوابات كيليكيا، تماماً كما في العراق من تكريت حتى البوكمال، يقوم الحشد الشعبي بالتنظيف «زنكة زنكة». وأما في لبنان، فالمقاومة باقية بكلّ فصائلها وجاهزة للعدو، والجيش سيبقى مستعداً للدفاع عن الحدود والعروض ضدّ الانتهاكات «الإسرائيلية» البرية والبحرية والجوية.

وأبشّرك، كما أبشّر غيرك، أنّ إحياء 14 آذار التي تهاوت لا يمكن إحياؤها على الصيغة الأميركية الماضية نفسها، لأنّ هذا الإحياء قرار خارجي بامتياز. ولعلك تعرف أنّ انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان أيضاً قرار خارجي، لن يكون حلم إحياء 14 آذار عاملاً مساعداً في هذا الانتخاب، بل على العكس سيكون سداً في وجه هذا الانتخاب.

وفي الختام نقول: عجزُ العجوز في الحلم أن يعود طفلاً معجزة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى