تقرير

كتب ديفيد إغناتيوس في «واشنطن بوست» الأميركية:

الميليشيا الكردية السورية التي كان ينظر إليها قادة الولايات المتحدة على أنها ضعيفة، ظهرت الآن باعتبارها أقوى فصيل يحظى بدعم أميركا ضدّ «داعش»ـ وذلك بعد إعادة التقييم الذي خضعت له استراتيجية الولايات المتحدة بعد انهيار برنامج تدريب المتمردين السوريين الذي وصلت موزانته إلى 500 مليون دولار أميركي.

ينصح القادة الأميركيون الآن باعتماد استراتيجية «سورية أولاً» التي تعتمد على المقاتلين الأكراد وقوة عربية صغيرة للتحرك بصورة تدريجية نحو «عاصمة داعش» في الرقة، التي لا تبعد سوى حوالى 25 ميلاً إلى الجنوب من مواقع الأكراد. معركة الرقة الحاسمة يمكن أن تقع في الربيع. الحملة المتوقفة في العراق وأجزاء أخرى من سورية ربما تؤجل إلى وقت آخر.

يأتي المقاتلون الأكراد من جماعات مختلفة ومختلطة. القوة الرئيسة التي تتكون من 25.000 مقاتل تسمى وحدات حماية الشعب أو «واي بي جي». هذه الجماعة شكلت تحالفاً مع قوة عربية مكونة من حوالى 5000 مقاتل من العشائر العربية المنحدرة من الرقة والحكسة شمال شرق سورية. وقد أطق على هذه القوة الناشئة اسم «القوات الديمقراطية السورية»، أو «أس دي أف».

تدخل روسيا عقد من شراكة الولايات المتحدة مع الأكراد وحلفاؤهم العرب. وردت تقارير عن رؤية قادة عسكريين روس مؤخراً في الحسكة للحوار حول إمكانية عقد تحالف عسكري مع الأكراد. الجرأة الروسية في التحدث مع المقاتلين المفضلين للولايات المتحدة مؤشر آخر على أن موسكو تسعى إلى قيادة شاملة في قتال التطرّف من دون وجود أي نكسة أو تراجع أميركيين.

التعقيد الآخر أمام الاستراتيجية الكردية هي تركيا، التي تخشى من أن المساعدات الأميركية يمكن أن تشجع حلفاء «واي بي جي» في حزب العمال الكردستاني «بي كي كي» الذي تعتبره تركيا جماعة إرهابية. وجّه وزير الخارجية التركي توبيخاً إلى السفير الأميركي في أنقرة بعدما ألقت الولايات المتحدة حوالى 100 حقيبة تحوي مساعدات عسكرية للسوريين الأكراد والعرب، وتشمل ذخائر وأسلحة وصواريخ وقذائف هاون وقذائف صاروخية.

ولكن قبل أن يبدأ التحالف العربي ـ الكردي الجديد الدخول في موكب النصر، فإنه من المهم تقييم «الدروس المستفادة» من فشل المهمة الأولى لبناء «قوة معارضة معتدلة». هذه القوة فشلت هذا الصيف لأسباب عدّة وهي:

ـ متطلبات التدقيق التي فرضتها الولايات المتحدة كانت صارمة جدّاً. طلب من كل مجند أن يتعهد بأنه سيقاتل «داعش» لا نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وهذا الشرط جعل الآلاف من المقاتلين غير مؤهلين للانخراط في البرنامج. مع وجود القوة الكردية ـ العربية، فإن القادة فقط هم من خضعوا للتدقيق 20 قائداً عربياً أحضروا إلى كردستان العراق في آب للخضوع لتقييمات واسعة النطاق، وقد تخطوها بنجاح.

ـ تفتقر الولايات المتحدة إلى الكثير من المعلومات الاستخبارية حول «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، والتي تسيطر على الموقف في الشمال. وقع «المتمرّدون المعتدلون» في الشرك في نهاية تمّوز لأنهم لم يتوقّعوا أن يتعرضوا للهجوم من قبل مقاتلي «جبهة النصرة». كان يجب توقع حصول ذلك الهجوم، وربما تشكل هذه الجماعة ذات الشعبية الكبيرة مشكلة على المدى الطويل ربما تكون أكبر من مشكلة «داعش» بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

ـ لا يمكن للولايات المتحدة أن تمنع باقي القوى ـ مثل تركيا وقطر والسعودية ـ من خوض حروبهم التوكيلية الأنانية الخاصة في سورية، والتي شلّت حركة «المعارضة المعتدلة». هذه المشكلة ستكون أكثر تعقيداً مع التدخل العسكري الروسي الآن.

ـ يحتاج التدريب إلى نقل المقاتلين المحليين إلى معسكرات في تركيا والأردن. عدد من المقاتلين كانوا يخشون ترك عائلاتهم في القرى السورية الخاضعة للحصار. ولكن هذه المشكلة يجب أن تكون أقل في حالة التحالف الكردي ـ العربي الجديد، الذين يقولون إنهم جاهزون للمعركة وإنهم يقاتلون على أرضهم.

تحالف الولايات المتحدة مع الأكراد السوريين كان أمراً غير اعتيادي لأنه كان إلى حدّ كبير ناتجاً عن صدفة لا عن سابق تخطيط. نُظِر إلى الأمر في البداية على أنه إجراء سيؤدّي إلى المزيد من التأخير، بينما كانت الولايات المتحدة في انتظار قوة مدرّبة ومسلّحة أكبر بكثير كان من المفترض أن تكون جاهزة.

قبل سنة من الآن، طلب الأكراد من الولايات المتحدة شنّ غارات جوّية لتحرير مدينة كوباني قرب الحدود التركية. خسر «داعش» 3000 إلى 4000 مقاتل في تلك الحملة. ثمّ اقتحمت القوات الكردية تل حميس وتل أبيض شمال شرق سورية، وسيطرت على أكثر من 65.000 ميل مربّع. وحصل ذلك النصر بمحض الصدفة تماماً.

وقد جاء تواصل الولايات المتحدة مع «واي بي جي» عن طريق أشخاص من حزب كردي ـ عراقي يعرف بِاسم «الاتحاد الوطني الكردستاني»، أو «بي يو كي». ولتعقيد الأمور أكثر، فإن لديه علاقات قريبة مع إيران . تنسّق الولايات المتحدة دعمها الجوي لـ«واي بي جي» من خلال غرفة سيطرة في السليمانية في منطقة كردستان العراق، حيث تقع مقرّات حزب «بي يو كي».

عند النظر إلى التحوّل المفاجئ في استراتيجية الولايات المتحدة، فإن المتفائل يمكن أن يقتبس من فرقة «رولنغ ستون» أغنيتهم: «لا يمكنك دائماً الحصول على ما تريد، لكنك في بعض الأحيان تحصل على ما تحتاج إليه». أما المتشائم، فإنه يمكن أن يتوقع مصيراً مثل مصير قصة فيلم «جيمي شتلر».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى