روسيا وكيري والاجتماع الخماسي: سلّم نجاة أم ربط نزاع أم مفاوضات؟
ناصر قنديل
– أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري دعوة روسيا إلى اجتماع مشترك مع أميركا يضمّ السعودية والأردن وتركيا ويكون مخصّصاً للتباحث في الحلّ السياسي للأزمة السورية، منطلقاً من أنّ «الوضع لم يعد يحتمل في سورية، وأنّ الضرر والخطر يطالان بلداناً كثيرة في المنطقة والعالم من جراء ما يحدث في هذا البلد»، من دون أن يُخبرنا كيري ما هو المستجدّ الذي جعله متحمّساً لهذا الاجتماع بداعي تفاقم الخطر والضرر، ولم يكن قائماً أثناء الاجتماعات التي جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما وجمعت كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف مرتين قبل ثلاثة أسابيع على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى تفتقت العبقرية الدبلوماسية الأميركية الآن عن هذا المقترح؟
– الشيء الوحيد المستجدّ هو التموضع الروسي عسكرياً بصورة قلبت الموازين في الحرب على العصابات الإرهابية المسلحة التي تحظى بـ»بركة» التغطية من الدول التي يرى كيري ضرورة شراكتها في الاجتماع بروسيا بحضور حكومته، على مستوى وزراء خارجية أو أيّ مستوى لاحق للتنسيق، والشيء الوحيد الذي سيستجدّ هو الانتخابات التركية التي تطرح فرضية قوية لفشل محكم يصيب حزب العدالة والتنمية التركي الذي يريده كيري شريكاً في الاجتماع قبل رحيله المتوقع، وهو الرحيل الذي سيطيح الحكومة التي قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أمام أساتذة وطلاب جامعة هارفرد، أنها المأوى الأول للجماعات الإرهابية وأنها الحكومة التي أعماها الحقد للتخلص من الرئيس السوري حتى وصل بها الأمر قصداً وعمداً وبوعي تام، بالتعاون مع حكومات الخليج التي تتقدّمها السعودية وفقاً لقول بايدن، في إنفاق مئات ملايين الدولارات لتسليح هذه الجماعات فأيّ القلقين يساور كيري لتفاقم الخطر والضرر من هذا البلد، القلق من التطوّر الناشئ بعد التموضع الروسي وما أعقبه من بدء الهجوم المعاكس برياً للجيش السوري؟ أم القلق من سقوط الحاضنة التي شكلت الملاذ والسند والمشغّل للجماعات الإرهابية من «داعش» إلى «جبهة النصرة» و«جيش الفتح» و«أحرار الشام» و«جيش الإسلام»، وسواها من المسمّيات المتفرّعة من تنظيم «القاعدة»؟
– يستبعد كيري عن المدعوّين فرنسا من بين حلفائه، ربما عقوبة على تجرّؤ حكومتها على طرح مشروع نشر مراقبين دوليين في المسجد الأقصى، لكنه يستبعد إيران ومصر الدولتين الفاعلتين والمعنيتين بسورية أكثر من سواهما، ويتجاهل أنّ روسيا كانت بلسان نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف قد أعلنت العزم على إطلاق ما تسمّيه «مجموعة التواصل حول سورية»، وهي تضمّ جميع المدعوّين الذين سماهم كيري باستثناء الأردن، إضافة إلى إيران ومصر وروسيا لا مشكلة لديها مع الأردن ضمن مفهوم حلف إقليمي ضدّ الإرهاب، فالرئيس بوتين كان قد سمّى الأردن والسعودية وتركيا للحلف مع سورية في وجه الإرهاب، لكن كيري يتحدث عن الحلّ السياسي، فما هو دور الأردن، سوى استضافته لعدد من اللاجئين السوريين يعادل الذين يستقبلهم لبنان من دون أن يكون هذا سبباً لدعوة لبنان، ما يعني أنّ الدول الثلاث التي اختارها كيري لها توصيف متشابه، كدول تتولى تجميع الإرهابيين وتدريبهم وتسليحهم واستضافة مستودعاتهم وغرف عملياتهم، وها هي روسيا تستهدفهم وها هو الجيش السوري ينقضّ على مواقعهم، وها هم يتلاشون، فاستباقاً لحلول الكارثة يقول كيري إنه مستعدّ لرعاية اجتماع تفاوضي بين هذه الدول الراعية وبين روسيا للوصول إلى حلول، يسمّيها ويحسبها كيري على الحلّ السياسي في سورية، وقصده الضمني تعالوا نقايض تسليح هذه الجماعات بضمان مقعدها في الحلّ السياسي، وإغرائها بإلغاء توصيفها ضمن الجماعات الإرهابية، مقابل وقف الاستهداف الروسي واستطراداً السوري لها.
– مبدئياً، لا تستطيع موسكو رفض تلبية دعوة كهذه، وهي التي تتبنّى الدعوة الدائمة لأوسع تشاور مع دول المنطقة للتعاون في مواجهة الإرهاب والتعاون لحلّ سياسي في سورية يقوم على الحوار بين السوريين، وفي المقابل فإنّ موسكو لا تستطيع التغاضي عن محاولة استبدال دعوتها لتشكيل لجنة التواصل حول سورية تمهيداً لمؤتمر جنيف الثالث بصيغة بتراء تستبعد دولاً فاعلة وصديقة وذات موقف إيجابي من الحرب على الإرهاب، هي إيران ومصر، وترتضي بالتالي تشكيل مرجعية إقليمية تستثنيهما وتتولى متابعة الحرب على الإرهاب ورعاية الحلّ السياسي في سورية، فالمنطقي أنّ ترحّب موسكو بالدعوة وتعتبرها أحد أمرين، فرصة للتمهيد لاجتماع مجموعة التواصل فتلبّي الدعوة، أو خطوة نحو مجموعة التواصل فتردّ بالدعوة للتوسيع ولا مانع من بقاء الأردن كدولة جوار وإضافة العراق ولبنان بالقياس ذاته بالإضافة لإيران ومصر بالتأكيد.
– المهم أنّ الحركة الأميركية الالتفافية واضحة، في توقيتها وأهدافها، وهي مثلثة الرؤوس، الأول إيجاد منصة تفاوضية حول سورية لبحث مصير «جبهة النصرة» وأخواتها ومحاولة إيجاد صيغة تعرض على التنظيمات التي يسمّيها الأميركيون ضمناً ومعهم حلفاؤهم، بالملتبسة، ليجري التفاوض معهم حولها ومنحهم فرصة تنفّس قبل البت بتصنيفها على لوائح استهداف التنظيمات الإرهابية، وهذا سيكون مرفوضاً بالمطلق من روسيا، والثاني هو إيجاد سلّم نجاة للسعودية، تحديداً في حال فشل حزب العدالة والتنمية بالعودة إلى احتكار تشكيل الحكومة ورسم السياسات التركية عبر دعوتها للانخراط في الحوار المباشر مع روسيا ليكون للتنازل منصته الجاهزة، كما هو حال منصة التفاوض اليمني في مسقط، والثالث ربط نزاع بين واشنطن وموسكو حول القضية الأعقد المسماة المرحلة الانتقالية في سورية، للبتّ بها بعد نتائج الانتخابات التركية.
– الدعوة الأميركية هي ضمناً محاولة لتجميد العمل العسكري النوعي الجاري شمال سورية، والذي قد يلاقي الانتخابات التركية بمفاجأة اسمها حلب، ستعرف موسكو كيف تدير التعامل مع هذه الدعوة من جهة، وتعرف كيفية إفقادها مفاعيلها المسمومة من جهة مقابلة.