ثالوث النفاق وعنق الزجاجة…!
علي قاسم
رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية
بين محاربة فرنسا للإرهاب بالإعلانات، ومحاربة بريطانيا له عبر الإنترنت، كانت أميركا تتفوّق عليهما مجتمعتين، حين باشرته بتدمير محطات الكهرباء استكمالاً لثالوث التحالف الغربي المعتمد سياسياً وعملياً، حيث تتكشّف الحقائق خلف كرة تتدحرج، ومن دون توقف وهي تميط اللثام عمّا تبقى من نتف دعائية مكرورة لتحالف لم يقدّم سوى مزيد من الوهم والاستطالة المَرَضية المتراكمة على المستوى الإقليمي، كما هي على النطاق الغربي.
على المسار ذاته، كانت الانتقادات تطفح من صفحات الإعلام الفرنسي والبريطاني، كما هو الحال لدى الأميركي، في وقت بدت المقاربة الأميركية على لسان الرئيس أوباما أشبه بإعلان توبة مسبق، مما نضحت به ترّهات أدواته وحالة التورّم والاستطالة المَرَضية التي تتدفق على ألسنة أدمنت الاعوجاج السياسي.
الفارق بين الاتجاهين، وحتى بين الاحتمالين القائمين في سياق المقاربة للسياسة الغربية ومتطلبات ما تنتجه من حوامل نفاق وكذب وادّعاء، أنها في شقّها الأول تدرك عبثية المحاولة اليائسة لتبييض ما اسودّ بعد فضائحهم، جماعة وفرادى، بينما الثاني يتحرّك أمام افتراضات خادعة ومضللة، لا تكلّ عن بيع الوهم إقليمياً وإبقاء حالة الاستلاب على شعوبها غربياً في «بروباغندا» دعائية جوفاء حول محاربة الإرهاب.
ربما لم يكن مفاجئاً أن يكون هناك توزيع للأدوار بين ثالوث الحراب الأميركية البريطانية الفرنسية، لكنه في نهاية المطاف يعكس كوميديا سياسية سوداء مغرقة في محاولاتها تسطيح العقل البشري، حين تمّ رفض كلّ الأدلة والقرائن والوقائع على أنّ ما تقوم به أميركا ومَن معها، سواء أكانوا أدوات أم «حلفاء» تابعين وخانعين، كان بساطاً إضافياً ليتوسّع «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى، المشتقة أو الرديفة أو الوليدة من الرحم ذاتها…
محاولة التذاكي المفضوحة، البينيّة منها أو على الشعوب، هي عملة أميركية دارجة منذ عقود طويلة، ولم تكن فرنسا وبريطانيا بتاريخهما الطويل والمديد من الاستعمار والاستغلال بعيدتين عن ذلك النهج، وإنْ جاء في نسخته الحديثة ممجوجاً ومستفزاً إلى الحدّ الذي يدفع بكلتيهما لخلع جلدة وجهه، ومن دون أيّ حرج وليضيفا على مسرح الهزل الأميركي المزيد من عوامل الإقصاء والمداورة السياسية التي تدفع إلى الجزم بأنّ عهداً بائداً من الخطاب الغربي الذي لا يكتفي هذه المرة بالنفاق الفاضح والمكشوف، بل يضيف إليه مفردات من الكذب الممجوج.
والأمر في نهاية المطاف لا يحتاج إلى الكثير من الوقائع، حيث حبل الكذب الأميركي القصير، ومعه الغربي، كان واضحاً منذ البداية، ويدركون سلفاً أنه ليس بمقدورهم أن يجعلوه أطول مما بدا حتى لو توهّموا غير ذلك، أو تهيّأ لبعضهم أنّ بالإمكان تجاهل هذه الحقيقة، لكن هناك من يكابر ويصرّ على بيع الوَهْم للكثير من الأدوات الإقليمية طلباً لمزيد من الصفقات الممهورة.
هذا يأتي في وقت لا يخفي فيه الرئيس أوباما رغبته بالتملّص من تبعات ما يلحق بتحالفه من فضائح مدوية، حين اعتبر أنّ الفشل القائم يعود لاستراتيجية أدواته الإقليمية وحلفائه خارج الإقليم، أكثر مما يلحق بالاستراتيجية الأميركية، وأنّ ما قامت به أميركا لم يكن أكثر من دعم لتلك الاستراتيجيات، وهو في حِلّ مما قد يترتب على ذلك، ولن يتردّد في إدارة ظهره لذلك المجون المقبل من أتباع موغلين بعقلية الانتقام الأعمى، أو من حلفاء يفتقدون للحدود الدنيا من الأهلية السياسية التي يعكسها تدنٍّ غير مسبوق في شعبيتهم داخل بلدانهم.
التملّص الأميركي من التداعيات لم يكن مجرد إشارة واضحة وصريحة إلى حسابات ومعادلات أميركية، تدرك مسبقاً أنّ المآل الذي تسير فيه الأدوات، كما هم الحلفاء، ينتهي إلى حيث لا تستطيع أميركا أن تجاريه، وهي التي لم تتردّد يوماً في رفع الغطاء السياسي عن كثير من الأدوات، حين تصبح حمايتها أكثر تكلفة مما قد تتطلبه مقتضيات الهيمنة، أو مما تحققه متطلبات الأطماع.
في الحصيلة تبدو حراب الثالوث الراعي والمنظم للإرهاب وأدواته وحماته ومموّليه الإقليميين، وهي تتبرّم داخل عنق الزجاجة أكثر تأزّماً في لعبة تتدحرج أحجارها، وتعلن من حيث بدأت نهاية فصل كان مخيّباً، ولا تمتلك من ضمانات ألا يكون فصل النفاق المقبل لمحاربة الإرهاب أقل خيبة من سابقيه.
تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية