كيف سيربح بوتين الحرب في سورية؟
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
كتب مايك ويتني لموقع: «Counter Punch»:
يكمن السبب الذي سيُكسب بوتين الحرب ضدّ «داعش» حيث فشلت الولايات المتحدة في تحقيق ذلك، في أن الضربات الجويّة الروسية على وشك أن تترافق مع عملية تمشيط هائلة تمكّنها من التغلب على الجماعات الجهادية في ساحات المعركة. وهذا ما يحدث فعلاً. فالقوات الروسية عملت منذ الأيام القليلة الماضية على قصف أهداف إرهابية في جميع أنحاء مقاطعة إدلب، وكذلك معاقل «داعش» في الشرق من رفاعة. ومنذ حوالى أسبوعين، ووفقاً لتقرير وثّقته الجبهة الجنوبية، فإن أكثر من 700 مقاتل استسلموا للواء الدبابات السوري رقم 147، بعد وقت قصير من بدء سقوط القاذفات على مناطق قريبة من معرّة النعمان، جسر الشغور، سراقب وسارمين. هذا هو الواقع الذي سنعاينه في الأسابيع القليلة المقبلة. فالقاذفات الروسية تتخلص تدريجياً من الأهداف المتحركة على الخطوط الأمامية للجبهات، جنباً إلى جنب مع تسجيل عمليات فرار واسعة في صفوف الإرهابيين، إضافة إلى عدد لا يُستهان من المستسلمين.
خلاصة القول: إن سورية لن تكون مستنقعاً للروس كما تنبأت وسائل الإعلام المختلفة. لا بل على العكس، فإن بوتين سوف يقوم يقطع الطريق على هؤلاء الرجال الحمقى.
ووفقاً للجبهة الجنوبية، يقول الجنرال أندري كارتابولوف، وهو رئيس مديرية العمليات الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوى المسلحة الروسية، أن الضربات قد خفّضت من القدرات القتالية للإرهابيين بشكل كبير. وبعبارة أخرى، فإن الهجوم الروسي قد أثمر نتائج إيجابية حقاً. لا يمكن لنا أن نعتبر ذلك مسألة عابرة، ومن أوجه عدّة، فإن الصراع قد تدهور إلى حيث لا عودة. روسيا أصبحت الآن ضمن المعادلة، واقعٌ سيغيّر الكثير الكثير، إذ من الواضح أن الدفة أخذت تميل ناحية سورية.
أيضاً، ووفقاً لتقرير سابق: فإن تمركز الطائرات الروسية في سورية يمنح الكرملين القدرة على الاطلاع والسيطرة على المجال الجوّي أو المعركة الجوّية في كلّ من سورية والعراق، وذلك قياساً على حجم القوة الروسية.
توفّر القاعدة الروسية الجوّية في اللاذقية غطاءً جوّياً لقصف الأهداف الإرهابية في جميع أنحاء البلاد. وقد عمل سلاح الجوّ الروسي على توفير كافة الجهود الممكنة لقطع خطوط الإمدادات وطرق الهرب حيث يتمّ تصفية أكبر عدد ممكن من الجهاديين داخل الحدود السورية. وهذا هو السبب الذي أفضى إلى تدمير مواقع «داعش» منذ أسابيع قليلة، على طول الطريق الرئيس المؤدّي إلى العراق. وسيُعطى هؤلاء الإرهابيون البلطجيون الفرصة كي يموتوا بشتى الطرق في ساحات المعارك، فنجاتهم من هذا المصير أمرٌ غير وارد البتة.
وكان لمقال نُشر في صحيفة «غارديان» البريطانية منذ أيام عدّة أن أحدث عاصفة بين المتابعين والمراقبين للأحداث الدائرة في سورية. وفي ما يلي مقتطفات من المقال:
«وجهت القوى الإقليمية في المنطقة بهدوء فعّال، الأموال والأسلحة وغيرها من أشكال الدعم للجماعات المتمردة، ما مكّنها من حصد عدد أكبر من النجاحات ضدّ القوات النظامية في دمشق… وبعد مرور أيام متتالية على قصف روسيا المتواصل لمواقع الإرهابيين هناك، تمسكت هذه القوى بالتزامها إزاحة الأسد، تماماً كما تتمسك روسيا بالإبقاء عليه».
«لا مستقبل للأسد في سورية»، يحذّر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قبل ساعات قليلة من بدء القصف الروسي هناك. وإذا لم يكن كلامه الفظّ مفهوماً بما فيه الكفاية، فإنه تابع مصرّاً على أن الأسد لن يكون جزءاً من المرحلة الانتقالية، وإلا، فإن بلاده قد تتبنى اتخاذ الخيار العسكري، «والذي قد ينتهي بإقصاء الأسد عن السلطة بالقوة». وفي التقرير الذي أشار إلى مقتل 39 مدنياً في جولة القصف الأولى، فإن احتمال تصاعد وتيرة هذه المواجهات بين مؤيدي الأسد ومعارضيه، ترجح إمكانية إزهاق المزيد من الأرواح البريئة والبائسة.
ومن المحتمل أيضاً أن يثير هذا التدخل الروسي ردود فعل قوية من قبل بعض الدول المعارضة له في المنطقة كقطر والسعودية وتركيا، والتي تنظر إلى هذا التدخل على أنه نكسة كبرى لها. هذا هو ما أوضحه جوليان بارنز دايسي، السياسي البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. في مقال لـ«غارديان» بعنوان: تخطيط دول الخليج لردّ عسكري مع تصاعد وتيرة الهجمات الروسية في سورية .
لا تشكل المملكة السعودية تهديداً حقيقياً لعملية بوتين في سورية. قد يظهر السعوديون فظاظةً في التصريحات، لكنهم منهمكون في قضية تدهور اقتصادهم بسبب انخفاض أسعار النفط، وعدم استطاعتهم كسب الحرب في اليمن. فمن المرجح جداً ألا يسمحوا لأنفسهم بالتورط في سورية.
ومع ذلك، فإنه من المحتمل أن تخطط إدارة أوباما لاستخدام السعوديين كغطاء لحشد تأييدهم للفصائل المعارِضة في الداخل السوري. وحتى في حال حدوث ذلك، ما من حدود ستقف أمام طموحات هؤلاء المرتزقة الحمقى الذي قد يقومون بأيّ شيء، كمثل مواجهة سلاح الجو الروسي مقابل مائتي دولار أسبوعياً. عملهم هذا لا يعدّ «عملاً للمستقبل». كما أنه علينا أن نبقي في ذاكرتنا، أن وكالات الإنتل قد استطاعت بالفعل جذب عدد كبير من هؤلاء الفاشلين التواقين للموت والقادمين من الشيشان، كوسوفو، الصومال، أفغانستان وغيرها من البلدان. وفي الوقت الذي أكد فيه مركز لانغلي البحثي احتفاظه بملفات طويلة من المرشحين المحتملين للتعيينات المستقبلية، فإنني متأكد أيضاً من وجود عدد محدود من الأشخاص الساعين إلى ملاقاة صانعهم عن طريق انتمائهم إلى هذه التنظيمات الإرهابية وملاقاة حتفهم في ساحات المعارك حاملين أسلحتهم. وفي الواقع، فإن لمن الممكن أن نكون قد بلغنا بالفعل مرحلة «الذروة الإرهابية» بعد الهبوط المطّرد والسريع للقوة الأميركية في الشرق الأوسط والعالم من حوله. وسوف نشهد في الأيام المقبلة أن سورية ستكون هي القشة التي ستقصم ظهر الإمبراطورية الأميركية.
وفي ما يلي بعض الآراء والتصريحات الواردة في «غارديان»:
«إن أفضل تفاعل قد يحدث نتيجة التدخل الروسي في سورية يكون في تجنيد المزيد من الثوار وتقديم دعم أقوى لهم وتمكينهم من مواجهة التصعيد وخلق نوع من توازن القوى على الأرض… فيتحقق الروس حينذاك أن إنجازاتهم فوق الأراضي السورية ستكون محدودة، ما قد يساهم في التعديل من مقارباتهم الوضع هناك… غير أن الصراع الإقليمي على النفوذ في المنطقة، والمستعر لهيبه بين السعودية وإيران، سيحتّم على الرياض عدم اتخاذ خيار الذهاب بعيداً، مهما كان الثمن الذي ستدفعه، باهظاً».
هل هذا هو رأيي الشخصي، أم أن كاتب هذه القطعة معجبٌ بفكرة نشوب حرب أكثر دموية؟
لكان سيكون مفيداً لو أنه تطرّق إلى الاعتراف بأن مسألة تسليح المنظمات الجهادية المختلفة وتمويلها وتدريبها لإحداث تغيير في النظام في أمة سيادية، هو انتهاك للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة. وبالطبع، فمن الممكن أن يكون الكاتب مؤمناً بأن هذه العبارات سوف تجعل مقالته متحذلقة وضاغطة للغاية؟ وفي أيّ حال، فإذا كان السعوديون الضعفاء يعتقدون أنهم قادرون على إفشال تحالف روسيا وإيران وسورية وحزب الله في سعيهم للقضاء على «داعش» والتنظيمات الأخرى التابعة لـ«القاعدة»، فنؤكد لهم أنها مجرد أضغاث أحلام. فالدولة الوحيدة التي تستطيع أن تحدث فرقاً في النتائج النهائية هي فقط الولايات المتحدة. والحقيقة أن المحافظين الجدد في واشنطن لا يمتلكون المؤهلات اللازمة لتولي زمام إفشال موسكو وثنيها عن محاولاتها، لذا، سيستمرّ بوتين في إنهاء جدول أعماله تماماً كما خطط له».
وبالمناسبة، فإن حسابات الناقدين جاءت خاطئة في احتسابهم لردود فعل الشعب الروسي حيال تدخل موسكو في سورية، أيضاً. فهم فخورون جداً من أسلوب قواتهم وتصرفاتها. طبعاً، ولمَ لا يكونوا كذلك؟ وفي ما يلي دليل أوردته شبكة «CBS» الإخبارية:
«مهما كانت التأثيرات التي ستتركها الضربات الجوّية الروسية على الأراضي السورية، فإن الانطباع في الداخل الروسي واحد: أثبت الروس لشعبهم أن بلادهم تستطيع منافسة الولايات المتحدة وتعيد إثبات مكانتها الحقيقية كقوة عالمية كونية…».
افتتحت القناة الأولى أخبارها المسائية السبت الماضي ببث شريط فيديو يُظهر القمرات القيادية في الطائرات الحربية الروسية أثناء قصفها معسكرات تدريب الإرهابيين ومخازن أسلحتهم. وقال متحدث عسكري أن القذيفة لم تكن تبعد عن الأخرى مسافة خمسة أمتار ما يُظهر القدرات المتطورة لهذه الطائرات.
وأُتبع ذلك بتقرير عن الغارة الجوية الكارثية التي استهدفت مدينة قندوز في الشمال الأفغاني والتي أتت على مستشفى هناك وأسفرت عن مقتل 19 مدنياً على الأقل، بمن فيهم الطاقم الطبي الدولي. لم تثبت مسؤولية الولايات المتحدة على هذه الغارة الجوّية، غير أنها تركت المسؤولون الروس أمام تساؤلات عدّة كمثل الشك في قدرتهم على لوم أولئك الذين يتمتعون بقدرات عسكرية هائلة. تأثير الضربات الجوّية الروسية في سورية على الداخل الروسي».
إذاً، يعبّر الشعب الروسي عن اعتزازه برئيسه في حربه على الإرهاب. وهل في هذا أي ضرر؟ قلّة قليلة من الأميركيين ما زالوا يتذكرون متى كانوا يشعرون بالفخر ببلادهم، عندما وقفت ثابتة في دفاعها عن المبادئ الأساسية التي تنصّ عليها مواثيقها. لكن هذا كان منذ فترة طويلة، قد تعود إلى حقبة «ما قبل غوانتنامو».
أمر واحد ينبغي علينا إضافته: مقال غير اعتياديّ من توقيع المؤلف أرون لوند من مؤسسة كارنيغي بعنوان «خطة بوتين: ما هي الأهداف التي ستقصفها روسيا في سورية؟»، والمثير للاهتمام في هذا المقال أنها نُشرت في 23 أيلول الفائت، أي قبل أسبوع واحد فقط على دخول روسيا الحرب، ومع ذلك، يبدو أن لوند كان يدرك بدقة تفاصيل مخطط بوتين. سيعشق المهووسون العسكريون هذه القطعة الفريدة التي تستحق القراءة والتحليل، وفي ما يلي مقطع قصير من نصها:
«إذا قرّر بوتين في مرحلة ما أن يقصف تنظيمات أخرى غير داعش، فإنه لن يتوقف عند جبهة النصرة فحسب، بل من المرجح أن يوسّع دائرة أهدافه لتشمل القاعدة وغيرها من التنظيمات المتمردة في كلّ من إدلب، حماه، واللاذقية، بحجة أنهم إرهابيون أو حلفاء الإرهابيين».
… للكرملين كلّ الأسباب الموجبة التي تمكنه من طمس كافة الخطوط الفاصلة بين «المتطرفين» و«الجماعات المعتدلة» التي تصرّ الولايات المتحدة والغرب على اعتبارها كذلك. وعلى رغم أن هذا التصنيف الذي يتراوح بين الأبيض والأسود للجماعات المتمردة في سورية يبدو غامضاً للغاية، غير أنها تبقى صيغة لا غنى للدول الغربية عنها في سعيها إلى تسليح الجماعات المناهضة للأسد. وهذا هو بالتحديد السبب الذي يكمن خلف تمييع هذا التمييز، من خلال توسيع عمليات القصف لتصيب جميع المتمردين من دون استثناء كجزء من الحملة ضدّ المجاهدين، ما قد يعود بالنفع على خطة بوتين في المدى البعيد.
إن الهجمات الواسعة التي تطاول المتمردين السوريين بحجة أنهم ينضوون جميعاً تحت عباءة «القاعدة»، سوف يقود إلى ردود فعل واسعة في وسائل الإعلام الغربية والخليجية. لكن بالنسبة إلى الرئيس الروسي الحكيم ـ المجنون، فإن هذا لا يشكل عثرة أمام تحقيق أهدافه. إذ لا يعنيه إطلاقاً اجتذاب المزيد من العقول والقلوب، أقلّه تلك الخاصة بالمتمردين السوريين ومن وراءهم. بل إنه يسعى إلى تغيير موازين القوى على الأرض سواء من خلال الأسلحة المستخدمة ام لجهة الخطاب السياسي الغربي. ومهما كان ما نعتقده ونراه، فإن الفكرة واضحة وجريئة في مثل هذا النوع من إنهاء الأمور العالقة.
ليس في مقدورنا الموافقة على الذهاب أبعد من ذلك. لن يتوقف بوتين لأي سبب أو لأيّ كان. سوف يصطاد أولئك الرجال ويظفر بهم طالما هم متواجدون في مجال بصره، حينذاك سيجمع عدّته وعتاده ويقفل عائداً إلى الديار. وفي الوقت الذي يلملم فيه طاقم أوباما أشلاءه مدركاً أن نظامه الهائل سيتحول إلى ريشة تطير في مهبّ الرايح الروسية، سنستمتع بالتفرّج على بوتين يقف فوق عوامته السائرة في ساحة موسكو الحمراء، يوزع التحيات القبلات على مناصريه، في أول شريط يبثّ استعراضاً عسكرياً بهذا الحجم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
من سورية إلى العراق
كتبت «ستراتفور» منذ أيام قليلة:
إن موقع روسيا الحالي في سورية، وأصولها البحرية في بحر قزوين، والقاذفات بعيدة المدى في جنوب روسيا بإمكانها تنفيذ عمليات ضد تنظيم «داعش» في العراق. ولكن يمكن توجيه ضربات أكثر فاعلية وأكثر وفرة باستخدام قواعد في العراق نفسه.
إنّ إقامة قواعد في العراق تكلف روسيا المزيد من المال والوقت والجهد كما أنها تخاطر باستعداء الولايات المتحدة. ومن خلال عملياتها في سورية، فإن روسيا تختبر قدرتها على قيادة حملات جوّية. هذه هي المرة الأولى التي تشنّ خلالها روسيا حملة جوية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
أعطت بداية الضربات الجوية الروسية في سورية أملاً جديداً للقوات الموالية للحكومة في معركتهم ضد مجموعة من الفصائل المتمردة، بما في ذلك «داعش». التعليقات التي تخرج الآن من بغداد وموسكو تشير إلى روسيا قد توسع نطاق هذه العمليات لتشمل العراق إذا طلب ذلك بشكل رسمي من قبل بغداد. في الواقع، من موقعها في اللاذقية، فإن روسيا لديها القدرة على ضرب مجموعة من أهداف «داعش» في العراق على رغم كونها بحاجة إلى نشر المزيد من الموارد للقيام بذلك بشكل فعال.
توسيع هذه العمليات إلى العراق من شأنه ـ مع ذلك ـ أن يضع القوات الروسية في أرض المعركة نفسها مع القوات الأميركية. هدف روسيا من عملياتها في سورية ومن تدخلها المحتمل في العراق الضغط على الموقف الأميركي وإجبار واشنطن على الدخول في مفاوضات ذات مستوى عال. هذا يضع بغداد، وكذلك إيران، أبرز اللاعبين الناشطين في المسرح العراقي، في موقع صعب. لدى بغداد في النهاية قرار صعب عليها أن تتخذه: إما رفض مساعدات موسكو واستمرار الاعتماد على الدعم العسكري الأميركي أو الترحيب بموسكو في أراضيها مع خطر إزعاج حليفها الغربي.
بالمعنى الدقيق للكلمة، تقع الأهداف في العراق بالفعل ضمن مدى القطع البحرية الروسية في بحر قزوين ومقتلات «سو ـ 24» و«سو ـ 34» ذات المدافع بعيدة المدى المتمركزة في قاعدة باسل الأسد الجوية في سورية. وعلى رغم أن هذه الطائرات سوف تحتاج إلى وقت أطول من أجل تنفيذ عملياً في العراق مقارنة بالوضع في سورية، فإن روسيا يمكن أن تقوم بعمليات تزود جوي بالوقود لمعالجة ذلك.
ومع ذلك، فإن عمليات التزود بالوقود هذه، وكذلك أزمنة الرحلات الطويلة، سوف ترفع متطلبات صيانة الطائرات وتجعل الحوادث أكثر احتمالاً. سوف يكون على الطائرات الروسية أن تحمل حمولات أقل وزناً كما أن تحويل الطائرات في العراق سيعني أيضاً التراجع في سورية. خلال الأسبوع الماضي، كانت روسيا قد حافظت في المتوسط على نحو عشرين طلعة جوية يومياً باستخدام طائراتها الـ32 المتمركزة في قاعدة باسل الأسد الجوية في سورية، تحديداً في اللاذقية.
إن إعادة تخصيص الموارد لتوجيه ضربات لمسافات طويلة في العراق سوف يبطئ من الوتيرة المعتدلة نسبياً للعمليات في سورية.
إلى الآن، تظهر روسيا بالفعل أنها قادرة على ضرب أهداف في جميع أنحاء الأراضي السورية والعراقية برمتها إذا لزم الأمر.
الطائرات القاذفة الروسية بعيدة المدى المنتشرة في القواعد الجوية الجنوبية في روسيا يمكن أن تطير جنوباً لضرب أهداف في الشرق الأوسط، على رغم أن موسكو قد امتنعت حتى الآن عن استخدامها في سورية. منصات صواريخ «كروز» البحرية التي استخدمتها روسيا بالفعل في سورية ربما تكون مفيدة أيضاً في العراق.
أطلقت السفن الروسية 26 من صواريخ «كروز» من بحر قزوين مستهدفة أهدافاً سورية بعدما مرت في الفضاءين الإيراني والعراقي. أربعة من هذه الصواريخ تحطمت في إيران قرب مدينة تكاب كشاهد على أنه من المرجح أن تجربة روسيا محدودة في الواقع في استخدام هذا النوع من السلاح في بيئة تشغيلية. لكن الضربات لا تزال تثبت أن الأصول البحرية الروسية لديها القدرة على ضرب أهداف في العراق.
ثمة بديل أكثر فعالية لبعثات الطيران بعيدة المدى، وهو إقامة قواعد جوية في العراق. وهناك بالفعل عدد من المدارج غير المستخدمة المتاحة للروس هناك.
وأظهرت التجربة الأخيرة في سورية أن روسيا قادرة تماماً على إنشاء قاعدة جوّية فعالة في نحو شهر. هذا يشمل استجلاب الروس لتشغيل القاعدة الجوّية ونشر أنظمة الدعم اللوجستي وتوفير قوة الحماية.
ومع ذلك، فإن هذا الخيار اللوجستي يرفع التكلفة، وبسبب العقوبات الاقتصادية وأسعار الطاقة المنخفضة فإنها تفرض بالفعل عبئاً كبيراً على روسيا ما قد يجعل الكرملين يتردّد طويلاً قبل الاستثمار في عمليات أمنية في العراق. إضافة إلى ذلك، فإن نشر الأصول الجوية الروسية في العراق سيجعل الروس قريبين جداً من الأصول ومواقع العمليات الأميركية ما يرفع من احتمالية وقوع حوادث، أو على الأقل فإنه سيفرض على روسيا والولايات المتحدة التنسيق والتعاون بشكل وثيق.
وجود القوات الأميركية في العراق من المرجح أنه سيردع روسيا عن إرسال قوات برية خاصة بها. من دون قوات على الأرض تعمل جنباً إلى جنب مع العراقيين، ستواجه روسيا صعوبات تكتيكية كبيرة في التنسيق مع الجيش العراقي والتي يمكن أن تجعل غاراتها الجوية أقل فعالية.
في سورية، تعمل القوات البرّية الروسية المحدودة المنتشرة بين الوحدات الموالية للحكومة بمثابة قنوات اتصال بين القوات والطائرات الروسية، كما تعمل في توفير المعلومات الاستخبارية.
في العراق، فإن هذا التفاعل مع قوات الأمن العراقية سيكون صعباً للغاية، ووضع القوات الروسية على أرض الواقع في المسرح حيث القوات الأميركية موجودة بالفعل يمكن أن يخلق الصراع. وبينما تتعاون روسيا بشكل وثيق مع القوات الإيرانية، ففي الواقع فإنه ليس هناك أعداد كبيرة منهم في العراق.
وإلى جانب التكاليف التي لا تعدّ ولا تحصى التي ستكون في مواجهة روسيا في حال قرّرت توسيع عملياتها إلى العراق، فإن العراق نفسه عليه أن يقرّر في نهاية المطاف إذا كان التماس المساعدة من موسكو أمر جدير بتوتير علاقته مع الولايات المتحدة.
وقد كرّست الولايات المتحدة جهودها في العراق أكثر بكثير من سورية. كي يخاطر بفقدان هذا الدعم، فإن العراق لا بدّ أن يرى فوائد هائلة للتدخل العسكري الروسي.
على عكس الجيش الأميركي، والذي يستخدم مجموعة واسعة من الأصول في مراقبة الاستخبارات والاستطلاع لضرب أهداف باستخدام الذخائر الموجهة بدقة، فإن الروس يستخدمون أسلحة غير موجهة لضرب نطاق أوسع من الأهداف من دون تمييز. كما أن روسيا لا تحكمها قواعد الاشتباك نفسها التي تقيد الولايات المتحدة. بموجب القانون، فإن عمليات الولايات المتحدة ملتزمة بالحدّ من مخاطر سقوط ضحايا من المدنيين والحدّ من الأضرار الجانبية.
العراق قد يقرر أن تهديد «داعش» يبرّر النهج الذي تستخدمه موسكو على رغم المخاطر التي يشكّلها على المدنيين.