مهزلة في الأمم المتحدة: «إسرائيل» عضواً في لجنة مكافحة الاستعمار!
علي البقاعي
في حين تبذل المجموعة العربية في مجلس الأمن ومعها حليفتها تركيا جهوداً مضنية لتعليق عضوية سورية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي حين يشن «الدواعش الجدد» من أعراب وأتراك وشيشان وأفغان وسعوديين وليبيين و»إسرائيليين» حربهم الهمجية على سورية والعراق تحقيقاً لنبوءة «الربيع العربي»، يتم اختيار «إسرائيل» وبدعم خفي من المجموعة الخليجية وحليفتهم تركيا عضواّ في لجنة مكافحة الاستعمار في الأمم المتحدة. والأنكى من ذلك أنها ستكون نائباً لرئيس اللجنة.
لمن لا يعلم، يشمل دور هذه اللجنة التحقيق في احتلال «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية ومتابعة القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية والتحقيق في انتهاكات «إسرائيل» للقانون الدولي ولحقوق الإنسان.
قرار الأمم المتحدة المهزلة هو تتمة للمؤامرة الدولية على أمتنا، بدءاً بوعد بلفور عام 1917 وإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين توّج بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947.
قناة «الميادين» التي رفعت منذ تأسيسها شعار «فلسطين هي البوصلة»، و»المنار» الملتزمة أيضاً بقضايا الأمة، أبرزتا هذا الخبر في نشراتهما، بينما تجاهلته الكثير من قنوات «الربيع العربي» بما فيها «الجزيرة» و»العربية» وحليفتهما قناة «المستقبل» إذ انشغلت بجمع أخبار «انتصارات الدواعش» في سورية والعراق وفي بث بذور الفتنة المذهبية، كأن أحداً ما طمأنهم إلى أنهم سيكونون في مأمن من الظلام «الداعشي»!
قرار وقح واعتداء صارخ من الأمم المتحدة على حقوق الشعب الفلسطيني الذي يناضل لأجل الحرية والاستقلال منذ أكثر من 70 عاماً، إذ تصبح الدولة التي قامت على الحروب والمجازر والاغتصاب مدافعاً عن حق الشعوب في تقرير المصير!
عار على هذه الجمعية الأممية التي أنشئت للدفاع عن حقوق الأمم المستضعفة والتائقة إلى الحرية والاستقلال أن تمنح راية الدفاع عن حقوق هذه الشعوب للدولة التي عُرفت منذ تأسيسها بأنها الأكثر عنصرية في تاريخ البشرية، والعار الأكبر على مدعي الحرية وحقوق الإنسان أن يختاروا مجرم الحروب بنيامين نتنياهو حامياً للحرية ودرعاً ومبشراً بحقوق الشعوب في تقرير المصير.
كيف لسارق ومغتصب وسفاك دماء أن يعترف بأن أجداده ارتكبوا أكبر سرقة في التاريخ ؟ كيف يتم تكليف المغتصب بالتحقيق في قضية اغتصاب قام بها أقرانه المستوطنون لقرى فلسطين وجبالها ومدنها؟ وكيف لقاتل أن يعترف بعشرات آلاف جرائم القتل التي ارتكبها هو وأجداده في دير ياسين وكفرقاسم وحيفا والقدس وغزة وبيروت وقانا وصبرا وشاتيلا والجولان والعراق وتونس ومصر؟
أليس من العار أن يحدّد نتنياهو ما إذا كانت «إسرائيل» دولة إحتلال أم لا، وأن يتولى مجرم حرب التحقيق في المعاملة غير الإنسانية التي يلقاها أكثر من عشرة آلاف سجين فلسطيني في معتقلات «إسرائيل» العلنية والمخفية؟
أليس من العار أن يتولى نتنياهو التحقيق في عملية سرقة تاريخ فلسطين وجغرافيتها وحضارتها وتغيير معالم مدنها وقراها وزواريبها وحاراتها وأسماء شوارعها وسرقة بساتين برتقالها وزيتونها وسهول قمحها وكروم عنبها وبياراتها ومياه ينابيعها؟
أليس من العار أن تعيّن الأمم المتحدة من سرق آثار فلسطين وحجارة بيوتها القديمة وتراثها وموسيقى شعبها وأغانيه ورقصاته الوطنية وألوان ثيابه وأسماء أزهاره وحتى أكلات الفلافل والحمص والفول قيّماً على تاريخ هذا الشعب ومستقبله؟
في ظل االأزمات التي تشهدها الأمة، هل الخيار الأممي هذا مقدمة فعلية للبدء في تنفيذ مشروع الدولة اليهودية فيكمل نتنياهو حرب «الإبادة المقدسة» ضد الفلسطينيين ويكملها بطرد من تبقى منهم في كامل فلسطين التاريخية وينفذ الوعد التوراتي بإقامة هيكل سليمان في القدس بعد هدم ما تبقى من المسجد الأقصى الذي يدعي حكماء بني «إسرائيل» زوراً أنه أقيم على أنقاض الهيكل؟
استشرف أنطون سعاده هذه المرحلة فكتب عام 1938: «لا ينحصر خطر اليهود في فلسطين، بل هو يتناول لبنان والعراق أيضاً، إنه خطر على الشعب السوري كلّه، لا، لن يكتفي اليهود بالاستيلاء على فلسطين، ففلسطين لا تكفي لإسكان ملايين اليهود … إن الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن أن يكون فقط في فلسطين بل في كل مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة بفضة من اليهود. إن مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الاجانب».