استقرار العراق و«دستور بريمر»

حميدي العبدالله

الحرب الراهنة في العراق ليست كلّها نتيجة للردّ الأميركي الخليجي التركي على نتائج الانتخابات العراقية، بل يكمن جزء من دوافعها في الصراع على السلطة بين أطراف الطبقة السياسية العراقية. الصراع الذي بدأ في ظلّ الاحتلال واستمرّ بعد جلائه، لم تستطع ضغوط الاحتلال الأميركي وضع حدّ له طوال السنوات الثماني، وهي عمر الاحتلال الأميركي والغربي للعراق. ولا استطاعت تفجيرات الإرهابيين التي حصدت أرواح ألوف الضحايا من السنة والشيعة والأكراد وضع حد لهذا الصراع.

ثمة في دول العالم كافة صراع على السلطة، لكن هذا الصراع يتمّ عادة استناداً إلى اصطفافات سياسية، ولذلك مهما بلغت حدة هذا الصراع ومستواه فإنه لن يترك أثراً في الوحدة المجتمعية، ونادراً ما يهدّد الاستقرار إلاّ في مراحل الأزمات الكبرى.

ما جعل الصراع على السلطة في العراق مختلفاً عن غيره لناحية تأثيره في الوحدة المجتمعية الوحدة الوطنية وفي الاستقرار السياسي والأمني، هو الدستور الذي وضعه الحاكم الأميركي بول بريمر فور سيطرة قوات الاحتلال على العراق وعلى العاصمة بغداد، فالدستور كرّس تقاسم السلطة في العراق على أسس مذهبية وعرقية، مذهبياً بين الشيعة والسنة، وطائفياً بين طوائف المجتمع العراقي، وعرقياً بين العرب والأكراد، وكانت النتيجة الحتمية لهذا الدستور التي حذر منها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في حينه، أنه أضفى على الصراع السياسي بين مكوّنات الطبقة السياسية الطابع المذهبي والطائفي والعرقي، وأعيد إنتاج التجربة اللبنانية المتجسّدة في تقاسم المناصب الحكومية على أساس مذهبي وطائفي وعرقي.

هذا الدستور كان الخطوة الأولى على طريق تمزيق الوحدة الوطنية، والتأسيس لعدم الاستقرار السياسي والعسكري. ففي ظل هذا الدستور، إذا أدت صناديق الانتخاب إلى فوز ممثلي الأكثرية، فإنّ هذه الأكثرية هي من لون مذهبي وعرقي معين، في حالة العراق الشيعة العرب، عندئذ يشعر السنة العرب بأنهم مضطهدون ولا يشاركون في الحكم على قدم المساواة، كما يشعر الأكراد بأن دورهم في المرتبة الثانية، وإذا أدت أي معادلات أخرى إلى سيطرة الأقليات على الحكم، سواء كانت أقلية مذهبية أو عرقية، سوف تشعر الأكثرية بأنها مهمشة ومصادرة حقوقها، ويؤدي الشعور الدائم هذا بالغبن عند هذا الطرف أو ذاك إلى استمرار الصراع، إنما بخلفيات مذهبية وطائفية وعرقية، على السلطة، ما يؤدي إلى تعزيز الاصطفافات المذهبية والطائفية والعرقية وتقويض الاستقرار.

المواطنون في ظلّ «دستور بريمر» ليسوا أبناء شعب واحد تجمعهم رابطة المواطنة وتحدد علاقاتهم مع دولتهم ومؤسساتها المختلفة، بل هم جماعات مذهبية وطائفية وعرقية، وتلك الاصطفافات هي أساس علاقاتهم مع الدولة ومؤسساتها المتعددة، والطوائف والمذهب هي وسيلتهم للوصول إلى المناصب الحكومية الرفيعة والعادية. وبديهي أن هذه الاصطفافات تنتج وضعاً يقود إلى تمزيق الوحدة الوطنية وتوفير أسس نشوب الحروب والنـزاعات الدموية على غرار ما يشهده العراق الآن.

مسيرة تعافي العراق تبدأ بإلغاء «دستور بريمر» واستبداله بدستور يحلّ رابطة المواطنة مكان رابطة المذهب والطائفة والعرق في علاقة المواطن العراقي مع دولته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى