زيارة الأسد موسكو أجابت على أسئلة ووجّهت رسائل

العميد د. أمين محمد حطيط

بعد أسابيع ثلاثة على بدء العمليات العسكرية الروسية في سورية مع ما حققته من نتائج ميدانية هامة، قام الرئيس بشار الأسد بزيارة موسكو للاجتماع بالرئيس فلاديمير بوتين في قمة قد يكون لها من الدلالات وقد تكون وجّهت من الرسائل ما يجعل المتابع ينظر اليها بحق على أساس أنها حدث تاريخي مفصلي ستترتب عليه او سيكون بعدها مسار جديد للحرب الكونية التي تشنّ على سورية منذ ما بات يقترب من السنوات الخمس، مع ما حفلت به المواجهة خلالها من عمليات كرّ وفرّ وتهديد وتصعيد.

فقد أكدت الزيارة بمجرد تنفيذها حالة معنوية عالية المستوى لدى الرئيس الأسد وطمأنينة لديه بأنّ تماسك الوضع الميداني والإمساك به من قبل الدولة، يمكّنه من مغادرة البلاد مطمئناً والعودة إليها واثقاً من سير العمل والمواجهة في الطريق السليم والصحيح. كما أنّ الزيارة لا يمكن إلا أن تكون محضّرة لاتخاذ قرارات عالية المستوى تستوجب لقاء القمة بين الرئيسين، وإلا لما كان الرئيس بحاجة إلى الانتقال ومواجهة مخاطرة ما، انْ لم يكن الحصاد المؤمل يعادل الخطر والمغامرة المرتكبة. أما الدلالة الثالثة فتتعلق بثقة الرئيس وثقة القيادة الروسية بمستوى الأمن والقدرة على مفاجأة مخابرات الخصم والعدو الذي يتربّص بالرئيس الأسد، الرئيس الذي بات وجوده يشكل كابوساً يرهق ويقلق كلّ أعداء سورية، الذين باتوا ينظرون إلى مجرد بقاء الأسد في موقعه دلالة على هزيمتهم في العدوان. وطبعاً لا يمكن إلا التأكيد على شجاعة الرئيس في اتخاذ القرار وشجاعة في التنفيذ على حدّ سواء.

والآن وأبعد من الدلالات ستتركّز الأسئلة على مسار الحرب على الإرهاب التي انضمّت روسيا إلى محور المقاومة في خوضها على الأرض السورية، لأنّ الدخول الروسي والحجم والثقل الذي تمّ فيه أعطى للحرب تلك أبعاداً هامة لا يمكن تجاهلها. ومن الطبيعي أن تكون الزيارة سمحت بتقييم نتائج المساعدة الروسية العسكرية حتى الآن، كما سمحت بتخطيط وجهتها ووجهة العمليات العسكرية المستقبلية ما سيؤدي إلى إثارة أسئلة كبرى حولها منها:

1 ــــ ما يتعلق بمدى المساعدة الروسية العسكرية ومدّتها، هنا يبدو واضحاً بأن روسيا باتت على حسم من أمرها، بأنها لم تدخل سورية من اجل تقديم مساعدة عرضية عابرة، وأنها لم تأت إلى الميدان السوري لتقوم بعمليات استعراضية ظرفية موقتة، بل إنها جاءت بناء لطلب رسمي شرعي من أجل تحقيق هدف محدّد ذي شقين، شق عسكري موجّه ضدّ إرهاب يتفشى وتجد من مصلحتها منع تناميه ومنع انتقاله إلى أراضيها، وبالتالي فإنها ستتابع العمل العسكري في مؤازرة الجيش العربي السوري حتى الوصول إلى حال الطمأنينة بتعطيل خطر الإرهاب وخلع أنيابه، أما الشق الثاني فهو متصل بمنع إسقاط الدولة السورية ومنع أيّ كان من مصادرة قرار الشعب السوري وتنصيب الحكام عليه. وبالتالي فإنّ روسيا باقية في سورية لتقديم المساعدة العسكرية حتى تحقيق هذين الهدفين.

2 ــــ ما يتعلق بطبيعة المساعدة العسكرية الروسية، وهنا تجب قراءة المواقف الروسية بعناية، حيث يبدو أنّ هذه المساعدة ستكون ذات شقين أيضاً… شق يتعلق بقدرات الجيش العربي السوري تسليحاً وتدريباً، ما يعني استعداد روسيا لزيادة هذه المساعدة وفقاً لمقتضى الحال وتنفيذ العقود القائمة وتوقيع عقود جديدة لتتمكن من توريد السلاح والذخيرة، فضلاً عن الخبراء، لرفع مستوى التأهيل لدى الجيش العربي السوري بعد 5 سنوات من المواجهة القاسية. والثاني وهو بالغ الأهمية ويتصل بالعمل العسكري المباشر جواً وبحراً عبر تقديم النار على أصنافها الثلاثة: النار التدميرية، والنار التعطيلية، ونار المؤازرة. كل ذلك من اجل حرمان الإرهابيين من قدراتهم عامة ومن قدراتهم الهجومية بخاصة، ثم من أجل تمكين الجيش العربي السوري وحلفائه من السير قدماً في عمليات التطهير السريعة التي تنفذ وفقاً لاستخراجية الحرب الشاملة والجبهات المتعددة.

ما يتعلق بردود فعل الغرب المحتملة. هذا أحد أهمّ الأسئلة التي تدور في خلد المتابعين، ومن الطبيعي أن يطرح مثل هذا السؤال بعدما تسبّبت به المساعدة الروسية مع اعتماد استراتيجية جديدة للمواجهة الدفاعية ما تسبّبت به من رجحان بارز وكبير لكفة الدولة السورية وحلفائها، وأظهرت أنّ انتصار العدوان على سورية بات أمراً مستبعَداً جداً، إنْ لم يكن مستحيلاً بعد المتغيّرات الأخيرة. وهنا نقول بأنّ هناك امام الغرب المعتدي طريقين للردّ: الأول المواجهة العسكرية المباشرة لإجبار روسيا على التوقف عن مساعدتها والخروج من الميدان، او المواجهة غير المباشرة عبر تقديم مساعدات عينية وبشرية للإرهابيين تمكنهم من الصمود وتعطيل أهداف العمليات الروسية.

ـــــ في الاحتمال الأول نرى أن استبعاده مرجح، لأنّ اعتماده سيقود بدون شك إلى مواجهة شاملة بين روسيا وحلفائها الإقليميين والدوليين، وبين الحلف الأطلسي بقيادة أميركية وأتباعه الإقليميين وأنّ مثل هذه المواجهة لن تكون لمصلحة المصالح الغربية، بل العكس تماماً فضلاً عن انّ الحلف الأطلسي اعتمد في مفهومه الاستراتيجي النافذ حالياً سياسة إقفال الجبهات وابتداع الأزمات لإلهاء الآخرين والحرب إنْ اندلعت فستناقض هذه السياسة، ولن يقدّر للغرب الانتصار فيها، لذا نستبعدها أو نسقطها.

ـــــ أما الاحتمال الثاني أيّ مساعدة الإرهابيين، وهو أمر ليس بجديد، وقد تلقى الإرهابيون شتى أنواع المساعدات حتى الآن من الغرب وأتباعه الإقليميين وبقي فقط تزويدهم بمنظومات مضادّة للطيران. وهنا نذكر بالتهديد الروسي المتصل بهذه المسألة ونرى أنّ الأردن انكفأ كما يبدو عن الخوض في هذه المغامرة. ويبقى الجسر التركي والكلّ يعلم أيّ حال تتخبّط فيه تركيا التي عليها أن تعلم مخاطره إنْ فعلت.

وبالنتيجة لا نرى أنّ ردّ الفعل الغربي سيكون بالحجم الذي يمنع روسيا من متابعة مساعداتها وتفعليها لمصلحة سورية والجيش العربي السوري. وهو أمر سيكون صداه واضحاً في الميدان إنجازات ضدّ الإرهاب، ومؤكداً في الأروقة السياسية تقريباً للمعالجة السياسية للأزمة، بشكل يؤكد أنّ العدوان على سورية أخفق في تحقيق أهدافه، وصمدت سورية مع حلفائها، وفتح الطريق واسعاً لتأكيد نشأة النظام العالمي الجديد البعيد عن الأحادية القطبية.

أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى