«حكومة الوحدة الوطنية» الانقلاب الناعم في العراق

عامر نعيم الياس

قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إن «الأمر الوحيد الذي استبعده الرئيس باراك أوباما هو إرسال قوات أميركية إلى العراق، لكنه يواصل بحث خيارات أخرى»، جاء ذلك عقب اجتماع الرئيس الأميركي مع فريقه للأمن القومي وأعضاء في الكونغرس لدراسة الموقف في العراق. من جهة أخرى قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي خلال لجنة استماع عقدتها لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ الأميركي: «إن القوات المسلحة العراقية ألقت سلاحها في الموصل لأنها كانت متيقنة من أن الحكومة غير منصفة في تعاملها مع أهالي المدينة»، مؤكداً أن الحكومة العراقية طلبت دعماً جوياً أمركياً للتصدي لداعش، وهو أمر «من مصلحة الأمن القومي الأميركي». جاء ذلك في وقت أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني «استعداد الشعب الإيراني للدفاع عن الأماكن المقدسة في العراق» بعد إعلان رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية الجنرال حسن فيروز أبادي أن بلاده «لن ترسل قوات إلى العراق إطلاقاً».

في المقابل ونسجاً على الموقف الأميركي، حذّر وزير الخارجية السعودي من «حرب أهلية في العراق لا يمكن التكهن باتجاهها وانعكاساتها على المنطقة»، متهماً الحكومة العراقية «باعتماد أسلوب طائفي»، عبارة لاقتها كل من مصر والإمارات، فقد دعا وزير الخارجية المصري الجديد سامح شكري إلى «توافق جميع الأطياف السياسية العراقية»، فيما سحبت الإمارات سفيرها للتشاور معبّرةً عن «قلقها البالغ من استمرار السياسات الإقصائية والطائفية»، وداعيةً إلى تشكيل «حكومة وطنية جامعة وشاملة لا تستثني أحداً من مكونات الشعب العراقي».

من الواضح من كل ما سبق أن الأمور في العراق والأزمة القائمة في البلاد تتجه إلى مزيد من التعقيد يشابه في تضاربه واستدراكاته المتأخرة وأسلوب إدارته ما يجري في سورية، فالموقف الأميركي من الأزمة العراقية يقوم على الآتي:

ابتزاز الحكومة العراقية تحت ستار إشراك مكونات الشعب العراقي في الحكم، بهدف تكبيل سياسات الحكومة العراقية التي شهدت تحوّلاً في العامين الماضيين لا يناسب السياسات الأميركية العامة في المنطقة سواء لجهة الأحداث في سورية، أو لجهة تحالفات الحكومة العراقية الإقليمية والدولية. بمعنى آخر ما يحدث في العراق ورد الفعل حوله هو محاولة انقلاب سياسي على حكومة بغداد بشكلها وتوجهاتها الحالية.

تبادل الأدوار بين واشنطن وحلفائها الخليجيين، ففي وقت تشترط واشنطن إقامة حكومة وحدة وطنية في العراق، وتستبعد التدخل العسكري المباشر على أراضيه لمواجهة داعش، تلتقط حكومات الخليج «الديمقراطية التشاركية الطائفية» وتوجهها لخدمة «ربيع الإعلام العربي» على قناتي العربية والجزيرة، اللتين تصفان ما يجري في العراق «بالثورة»، وهو ما يؤدي إلى خلط المفاهيم والأوراق وزيادة حدة الاستقطاب في المنطقة بما يساعد في بقاء الفوضى على حالها.

المواقف الأميركية الأخيرة معطوفة على تلك الخليجية تصب في خانة إرباك إيران وحلفائها عبر فتح جبهة استنزاف جديدة في العراق، وإعلان انضمامه إعلامياً وسياسياً لدول الربيع العربي بما يضمن تخفيف الضغط عن الجبهة السورية على أمل إحراز بعض النقاط فيها، وهنا يبرز تركيز الصحافة الغربية في ملف انسحاب المجموعات التي تقاتل إلى جانب القوات المسلحة السورية إلى العراق لتعزيز تماسك جبهته الداخلية في مواجهة داعش، مع ما يحمله ذلك من أمر عمليات غير مباشر لتغيير التوازنات على الأرض السورية.

إعلان الولايات المتحدة أن دخولها إلى العراق مصلحة استراتيجية، لكن مع رفض التدخل العسكري على الأرض، يحمل رسالة إلى إيران أولاً بضرورة عدم الاندفاع في العراق لوحدها خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة للرئيس حسن روحاني، كما أنه يصب في خانة طمأنة حلفائها الخليجيين والأتراك لرعايتها مصالحهم في المنطقة، من دون أن نسقط من حساباتنا أن تجربة القصف الجوي والطائرات من دون طيار لم تجد نفعاً في حل الأزمات في أفغانستان واليمن بل أبقت من خطوط التماس بين القوى المتحاربة على حالها، هذا في أحسن الأحوال.

إن التضارب الحاصل في تصريحات الإدارة الأميركية من الملف العراقي بين طرح الخيارات كافة على الطاولة في اليوم الأول لانفلاش داعش واحتلالها الموصل، وبين التلميح إلى ضرورة توحّد الطبقة السياسية العراقية كشرط للتدخل والدعم الأميركيين، والعودة لاحقاً للحديث عن التعاون مع إيران على لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ومن ثم القيام بحملة ممنهجة الآن تشكل موضوع المشاركة في الحكم وإعادة صوغ صورة المشهد السياسي العراقي رأس الحربة فيها، هذه الأمور مجتمعة تشير إلى توجه ممنهج لتعقيد صورة المشهد العراقي، والدخول في لعبة كسر عظم مع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي وحلفائه على أرض الرافدين أقله في المدى المنظور، توجه من شأنه أن يجعل من المعركة مع داعش فصلاً من فصول حرب المشاريع في المنطقة تحت ستار الاستقطاب الطائفي الحاد.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى