مختصر مفيد

مختصر مفيد

اللعبة الدولية والإقليمية وفي كل ساحة محلية من الساحات الساخنة، سرعان ما تتحول إلى لعبة إيرانية ـ أميركية، وفي قلب المواجهة والتفاوض كثنائية حاكمة للعلاقة بين واشنطن وطهران تقدمت المفاوضات لصوغ التفاهم الأهم بينهما وإعلان نهاية عقود القطيعة. والسؤال كيف تحقق هذا لإيران؟

المقارنة بين إيران وأميركا مقارنة بين ثقافة السجاد وحياكته، مقارنة بعقل البورصة الذي يفسر ثقافة السياسات الأميركية بين ثقافة السجاد القائمة على الدقة والإتقان والمثابرة والتعدّد في إدارة الملفات، والجمالية والشراكة بعقل الفريق وثقافة البورصة الفردية القائمة على فن التوقع وسرعة جني الأرباح. قلت إن العقل الغربي المنبثق من ثقافة البورصة عاجز عن مواجهة العقل الإيراني المنبثق من ثقافة السجاد.

لكنها أيضاً مقارنة بين لاعب الشطرنج ولاعب البوكر، وكثيرون لا ينتبهون أن الإيرانيين من اخترع لعبة الشطرنج، وأنهم يتقنونها وهم صغار، وأن اللعبة المفضلة لدى الأميركي البوكر.

في الشطرنج لا مكان للحظ ولا للفراسة بشخص المنافس وحالته النفسية، بل بقوة نقلاته وثباتها، وتقدير حساباته وخططه الافتراضية التي أملتها لملاقاتها بأمتن منها. ولا مجال للعب الشطرنج نقلة بنقلة من دون خطة وصولاً إلى نقطة النهاية وهي «كش ملك»، بينما في البوكر رهان على الحظ والمفاجآت التي لا يصنعها اللاعب بل أوراق خصمه وتركيز على حرفة قراءة الخصم ونمط سلوكه، لا حساب أوراقه التي تأتي بالصدف متفاوتة بين اللاعبين، ولا اكتشاف خططه. فلا خطة في البوكر بل لعبة بلعبة وورقة بورقة ودور للبروغاندا الناجمة عن خلق إيحاءات القوة في النظرات وعلامات الوجه، بأوراق مستورة لهزيمة الخصم ودفعه إلى الانسحاب ولو كانت بين يديه الأوراق الأقوى. بينما الشطرنج لعبة صامتة تستند إلى قوة الأوراق المكشوفة للجميع وأمام الجميع، لكن الفارق من يحسن استخدامها بفرص متكافئة بنوع الأحجار والمساحة للتنقلات.

قد ينجح لاعب البوكر كمفاوض فرد أو تاجر بورصة، وإذا جمعهما كخبرة وثقافة يجمع مالاً ويضيّع مالاً، والمصادفات تقرر مصيره. لكن صانع السجاد ولاعب الشطرنج مفاوض بارد ويستطيع ساعة يشاء أن يضع تاجر الفستق وتاجر السجاد مفاوضاً يتقدّمه وهو يتابع صنعته لسجادة جديدة ونقلة حاسمة على رقعة الشطرنج، وتاجر البازار هو هو يبيع الفستق والسجاد ويفاوض.

الشطـرنـج لعبــة العقــل العميـق والصمت والسجاد صنعة الأعصاب الباردة والأيادي المتعددة بينما البوكر لعبة الأعصاب والضجيج والبورصة مهنة الذكاء والبداهة وكليهما لعبة رجل واحد « وان مان وان شو « والفارق كبير بين إستهلاك الفوسفور و السكر في لعبة العقل وبرودة الأعصاب وإستهلاك ألأدرينالين في حرق الأعصاب وتوتر الجسد

إيران تنهي شوطها النووي أو تكاد، والسجادة تصبح جاهزة للنزول إلى السوق. ولاعب البوكر يهمه الربح السريع تاركاً وراءه المرابين والصيارفة والسقاة والطباخين الذين يقومون على خدمة طاولة القمار. بينما صانع السجاد لاعب شطرنج يتقن في كليهما لعبة شد الأعصاب والصبر الطويل والتفاوض متعدّد الأطراف، ولا يهمه أن يخرج التاجر خاسراً في لعبته معه. بينما لا يهتم لاعب البوكر أو تاجر البورصة إلا لربحه قياساً برأسماله. والخاسر يبقى دائماً المراهن على لاعب بوكر أو من يسير على مراهنات لاعب بورصة محترف، فيخسر ولا يشعر بخسارته قياساً بحجم ثروته. لكن خسائره تأتي مدمرة وقاتلة، وهذه هي حال السعودية وتركيا والائتلاف السوري المعارض والرابع عشر من آذار في لبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى