العقل الدمشقيّ صنع العاصفة ووضع اللجام في فمها بمساعدة الروسي
محمد أحمد الروسان
هنا اللحظة الروسية: سقوط دمشق يعني سقوط موسكو، ويعني سقوط طشقند في آسيا الوسطى، وسقوط غروزني في القوقاز بيد دواعش الماما الأميركية، وفي الذاكرة الروسيّة الحيّة: ذكرى مدرسة بيسلان وذكرى مسرح موسكو حاضرتان، وموسكو وبلغة عسكرية متدرّجة جديدة جديّة هذه المرة ومباشرة قالت: تعالوا نضع قواعد النظام العالمي الجديد، وأي خيار آخر يعني دوّامة الوهم التي تبتلع الكلّ في الكلّ بالكلّ، وفي لحظة الضياع الأميركي التواطؤ الأميركي الروس قالوا كلمتهم صراحةً كالشمس والقمر، وتبعهم جلّ الأوروبيين، فمتى يلحق بهم البعض العربي المتردّد؟
يبدو أنّ العالم ذاهب إلى الصراع عبر الحدث السوري، الأصولية تنتشر كالنار في الهشيم في كلّ المذاهب والايديولوجيات وتغزو العالم، وثمة هلال سلفي تبدأ ملامحه من مشيخات الخليج وصولاً الى شمال أفريقيا، الإنسان يريد أن يقتل أخيه الإنسان لأنه ملّ دعوات المحبة والأخوة والمساواة في الخلق، ويريد أن يعود إلى طباع جدّه الأول قابيل القاتل المنتصر على أخيه هابيل، فما يشهده عالمنا اليوم من قتل وانتهاك واستعداء وكراهية يدلّ على ذلك، في حين أنّ هذه الأشياء تعتبر الغذاء الأشهى للنزعات الأصولية، لتتقوّى ويشتدّ عودها في كلّ الأديان والمجتمعات، والمتابع اللمّاح يدرك هذا جيداً، حيث أنّ انحباس الأحقاد وكبت الكره أصبح ظاهرة خطيرة تهدّد العالم، أكثر من ظاهرة الاحتباس الحراري، ويمكن تلمّس آثارها بدءاً من شمال العالم، مروراً بالشرق الأوسط، وصولاً إلى جنوب الكرة الأرضية. وأميركا تعود بقوّة إلى سلفيتها وأصوليتها المعهودة، وتخصّصها في مجال الإبادات الجماعية وإراقة الدماء، إنهم مولعون بإشعال فتيل الحروب، قاموا بإبادة الهنود الحمر معلنين بداية جديدة، واليوم يسعون وراء إبادة جماعية أخرى لشعب ما، علهم يعلنون بداية عالم جديد بدأوا يتحسّسون أنه يخرج عن سيطرتهم، أجدادهم الأوربيون حدّث ولا حرج، يلهثون اليوم لخوض أيّ حرب تحفظهم من التشتت والتفتت وضياع دولهم، لذلك هم يصرّون بقوّة على تخريب سورية قلب الشرق وتاجه، ودعم الأصوليين والسلفيين مشابهيهم في الطباع والصفات.
واشنطن تعاني من HOMESICK لماضيها الدموي شوقاً وحنيناً، وروسيّا تتمسك بالشرعية الدولية وقواعد القانون الأممي، وتعرف أنّ الهدف النهائي هو في الأساس ومعها الصين وإيران، وتردّ هنا وهناك وفي كلّ الساحات وعلى كافة المسارات سرّاً وعلناً، وتحظى بإسنادات صينية تتعاظم إلى درجة تموضعات صينية عسكرية جديدة ولكن بهدوء، مع تكامل روسي إيراني في الدور والهدف والفعل والتفاعل في سورية، والأخيرة تحاول التأقلم مع المتغيّر الجديد في المنطقة، عبر استراتيجيات الغموض المشترك انْ لجهة المقصود منه، وانْ لجهة غير المقصود سوري، روسي، صيني، إيراني، حزب الله فماذا يجري؟ فلا أحد يعرف كيف تفكر دمشق؟ حيث العقل الدمشقي صنع العاصفة ووضع اللجام في فمها.
قلب وتقليب مفردات التاريخ ولغات وحقائق الجغرافيا من جديد من قبل الماما الأميركية وحلفائها وأدواتها من البنات والذكور إزاء الفدرالية الروسية وعبر سورية وأوكرانيا، بمثابة صراع مباشر وحرب سياسية ساخنة وديبلوماسية متفجّرة في طور التحوّل والتمحور والتبلور وبكلّ اللغات، الى انفجار أمني وعسكري واقتصادي حيث نواة هذا الانفجار سورية، كون الحرب الأميركية المزعومة على عروق الإرهاب في الداخل السوري عبر التحالف، هي من ستشعل النواة الأولى لانطلاق هذا الانفجار الأمني والعسكري الشامل المتوقع بين موسكو والغرب. الحرب على عروق الإرهاب في سورية بشكل خاص ومن الزاوية الأميركيّة، هي لإسقاط سورية كمدخل لإسقاط روسيّا وتقويض توسع مناطق النفوذ الروسيّة في المشرق العربي، والعبث بأمن إيران عبر التطبيع الناعم، والعبث الأعظم سيكون بأمن الصين ومنظومات وهياكل أمنها ومجالاتها الحيوية، بل كلّ آسيا وديمغرافيتها أيضاً، مع الاعتراف بأنّ الداخل الروسي يستشعر ومنذ الحدث السوري وبشكل كبير الآن، بأنّ ملامح الفوضى الأميركية ونسخ استراتيجيات توحشها تحرك بعض مَن في الداخل الروسي للمطالبة بالانفصال عن الجمهورية الاتحادية الروسية.
«وعد أوباما»!
عقد من زمن الحروب قد ولّى… أليس هذا وعدك لشعبك مستر باراك أوباما عشية فوزك للمرة الثانية برئاسة الولايات المتحدة الأميركية؟ نعم لقد تمكنت من استبدال جيشك بآلات الإرهاب القديم الجديد، عبر اعتمادك وحلفائك وأدواتك على نسخ قاعدية تكفيرية إرهابية متوحشة، وزومبيات دينية فكرية أنتجتها بمساعدة من الوهابية السياسية والعسكرية بغلاف ديني، ودفعت بها الى منطقتنا العربية والى أوكرانيا الآن من خلال استثماراتك ومجتمعات مخابراتك ونظيراتها من حلفائك من بعض عرب وبعض غرب، في فكر ابن تيمية والشيخ محمد عبد الوهاب كفكر إلغائي إقصائي، واستثمارات في ديمغرافيات شعوب الدول المستقلة المُراد استهدافها لإشباع غرائز الطاقة لدى خلايا البلدربيرغ الأميركي.
باراك حسين أوباما: روسيّا ليست مجرد بلد وكفى، ولا تقوم بدور ذكر أو زكر النحل وكفى، انّها حضارة كاملة وقصّة أكثر من ألف عام وبوتقة ثقافية ذات قوّة هائلة، لا بل انّها أيقونة ثقافية مجتمعية متنوّعة كاملة، والروس هم أقرب الى الشرق منهم الى الغرب لا بل هم شرقيون على الأغلب الأعمّ. انظروا يا سادة يا كرام يا قرّاء، كيف وصف جون ماكين حبيب بعض العرب والعربان و»المصطفى» لهم ورجلهم في تلة الكابيتول، حيث اعتبر وبحماقة عميقة أنّ الجنرالات الروس صاروا أشبه ما يكونون براقصات البولشوي بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي! ونقول هنا لهذا الماكين جون تاج بعض العرب: هل من ينتشر الآن في الداخل السوري وفي الساحل يشبه راقصات البولشوي؟ هذا السؤال نحتاج الى إجابات عليه من كتّاب «سي أي آي» و»أم أي 6» في الدواخل العربية ومن رموز مجموعة الأيام المعدودة للرئيس الأسد وتحوّلها الى مجموعة زعماء لا بدّ من قبول الأسد ولو في المرحلة الأنتقالية هذا أولاً، ومن هم على شاكلة حذاء أبو القاسم الطنبوري أجلّكم الله في بعض الدواخل العربية ثانياً، وقصة حذاء أبو القاسم الطنبوري معروفة وأقصّها لصغاري وهم على مشارف البلوغ مريم والتوأم: شهد وهناء، والذكران لا الزكران : شهم وشجاع، بين الفينة والأخرى وأقصّها لنفسي كثيراً لحظة التجلي الفكري، حيث أحسّ حيال كتبة «سي أي آي» و»أم أي 6» في بعض دواخلنا وساحاتنا العربية، كما أحسّ أبو القاسم الطنبوري تجاه حذائه، وأعيش تجاههم نفس مشاعر أبي القاسم الطنبوري كلما عاد حذاؤه اليه.
باراك أوباما الآن أراد إعادة التموضع وتجنّب المزيد من الخسائر، فادّعى محاربته لصنيعته وبدعته الدولة الإسلامية في العراق والشام، عصابة داعش على أرض سورية وبعيداً عن الشرعية الدولية، دون أن ينتبه وحكومته الأتوقراطية حكومة الأثرياء في الداخل الأميركي، بأنّ هذه سورية قلب الشرق ومركز المسيحيّة العالمية والضرب فيها وهم على وهم، فلا يستطيع أيّ أحد أيّاً كان أن يدافع عن شرعية الضربات الجويّة والصاروخية للولايات المتحدة الأميركية في الداخل السوري إزاء مجتمعات الإرهاب المُدخَل الى الداخل السوري من قبلها ودول تحالفها المزعوم، كونها خارج قرارات الشرعية الأممية ومجلس الأمن الدولي، سواءً كانت بعلم الحكومة السورية أو بدونها أو حتّى على مستويات التنسيق السري أو العلني المختلفة، وعبر طرف ثالث انْ لجهة الزمن الحاضر، وانْ لجهة المستقبل، خاصةً أنّ القيد الزمني للغزو سيطول ويطول سنوات، ناهيك عن القيد الموضوعي والذي قد يتطوّر الى ضرب مواقع الجيش العربي السوري وحتّى مقرات الرئاسة السورية، فهي مدانة وغير شرعية وبكلّ اللغات وخارج قرارات الشرعية الدولية، وتخالف صراحةَ قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واحترام سيادة دولة عضو بل مؤسّس للأمم المتحدة.
لوثة فكرية وايديولوجية عميقة
الولايات المتحدة الأميركية يبدو أنّه أصاب عقول كوادرها السياسية والاستخبارية ومفكريها، لا أقول فقط الجمود والعطب، بل لوثة فكرية وايديولوجية عميقة، وتخلّت عن فنّ الممكن وفقدت أهلية الحوار ولم تعد ترى وتسمع، الاّ عن طريق فوهات المدافع ومنصات الصواريخ، صواريخ الكروز والتوماهوك، لتنشر ديمقراطيات الكروز والتوماهوك. لقد تخلّت عن السياسة وأساليبها وآليات العمل السياسي، وتحوّلت الى دولة محاربة مقاتلة وبشكل مستمرّ ومتواصل وصارت القوّة العسكرية الطريقة الوحيدة المتبعة لتأمين المصالح وتحقيق الأهداف، وأميركا ها هي تقود العالم عبر بدعة الفوضى الخلاّقة وإدارة التوحش المستولدة من الأولى، بالاعتماد على تكريس الإرهاب ودعمه والاستثمار فيه عن طريق تمدّده وانتشاره، أميركا تعاني من HOMESICK الى الماضي الدموي الذي أتاح لها سبل نشوئها، وما تحاول تقديمه من نموذج حضاري ما هو إلاّ ادّعاء مزيّف وخديعة جديدة، أميركا صانعة الإرهاب والمستثمر الأكبر فيه وحلفاؤها من بعض العرب من بعض دول الدمى، وتحاربه وصارت المنقذ لنا ولأدواتها من بعض العرب بعض دول الدمى.
الجيوش الأميركية الحربية أصبحت الجيوش التي لا تستريح ولا تتوقف، فحيث تكون مصالحها ترى قوّاتها العسكرية تسبقها إليه، فالضربات الجويّة لصنيعة الإرهاب الأميركي مجتمعات الدواعش انْ لجهة الداخل العراقي المُراد احتلاله وتقسيمه وإنشاء «اسرائيل» جديدة في شماله دولة كردستان، وانْ لجهة الداخل السوري المُراد إسقاط نسقه السياسي ونظامه وحكومته كبوّابة لإسقاط روسيّا لاحقاً، فهذه الضربات ترويض للوحش الداعشي وليس قتله وإعادة هيكلة وتوجيه جديد له، حيث الجانب السياسي في هذا الأمر وصل الى مرحلة الإشباع، انْ من حيث توصيف العلاقة الوثيقة لمجتمع المخابرات الأميركي بالدواعش وغيرها من الجماعات الإرهابية بما فيها تنظيم خوراسان، وانْ من حيث التعرّض لأبعاد وأهداف الضربات الأميركية في إعادة صياغة شكل جديد للتدخل في المنطقة ورسم قوانين صراع جديدة تتلاءم مع متطلبات السياسة الأميركيّة.
الجنرال جون ألن منسق العمليات العسكرية الأميركية على أبناء الماما الأميركية من الدواعش وجلابيبها استقال منذ أيام ، كان يعتمد بداية عمله على القوّات المحلية الصحوات الجديدة التي تم بعثها من جديد في العراق لمحاربة أبنائه الدواعش وعقوقهم لوالديهم، من خلال ما تملكه الأجهزة الأمنية الأردنية وعلى رأسها جهاز المخابرات الأردني من «داتا» معلومات وشبكات علاقات مع عشائر الأنبار، وبالتالي التأثير على فصلها عن الدواعش وتأسيس صحوات بنسخ مستحدثة، ومحاولاته عبر فك ارتباط العشائر السنيّة بداعش وجلابيبه فشلت فشلاً ذريعاً، لهذا السبب وأسباب أخرى استقال بذل وخنوع.
السفلة الأميركان يسعون الى بلورة وجهة الصراعات المقبلة في المنطقة وبعد إعلان واشنطن عن ائتلافها مضى على عمله أكثر من عام من زيف محاربة الإرهاب الى فكرة وصيغة مؤدّاها: ضرب المقاومات عبر الأحزمة الأمنية المستنزفة بين سورية والجولان المحتلّ، وقد يمتدّ الى ما بين سورية والأردن، والحال كما وصفناه سابقاً على الحدود السورية العراقية والحدود السورية التركية. نعم الاستراتيجيات الأميركية الجديدة في المنطقة تتمثل، في إقامة الأحزمة الأمنية الآمنة ومناطق حظر جوي مع ممرات إنسانية لاحقاً وبعيداً عن الشرعية الدولية وعبر توسيعات للقرار 1270 متلاقحاً مترافقاً للقرار 1278 مجلس أمن دولي، وانْ كان الأخير بلا آليات وجداول زمنية رغم إيجابيته. انّ رعاة البقر والكابوي عادوا الى المنطقة بغطاء عربي عسكري ووفر العرب فكرة مفادها: أنّ المعركة ليست بين واشنطن والسنّة في العراق وسورية، أو لدعم المحور الشيعي في المنطقة، انّها فكرة تضليليّة قاتمة، ومع ذلك تحاول دمشق النازفة التأقلم مع المتغيّر الجديد وفق حسابات خاصة بها فلا أحد يعرف كيف تفكر دمشق؟
الغزو كان في بداية هذا القرن في العراق تحت عنوان الإرهاب ويتكرّر من جديد بعيد عقد من الزمن تحت العنوان نفسه، بعد إعادة هيكلة فروع «القاعدة» من جديد، عبر عمليات هندرة حروب الوكالة الاستخباراتية، فكانت خوراسان وموراسان ولا ندري ماذا سيكون غداً. ولخلط الأمور ببعضها البعض، وعبر خلاّط «مولينيكس»، سعت وتسعى واشنطن الى زجّ إيران في معركتها الاستعراضية ضدّ دواعشها وجلابيبهم، لكن إيران لم تكن في عجلة من أمرها لسحب الكستناء من النار الأميركية، انّها العقلية الإيرانية الشهيرة القائمة على الصبر واتقان العمل حتى موعد الحصاد، والذي غالباً لا يظهر في السجّاد الإيراني قبل إتمام الحياكة، هي حنكة إيران ودهاؤها الديبلوماسي والأمني الذي أوصلها الى أن فرضت اعادة رسم خريطة التوازنات الأستراتيجية في المنطقة، على الرغم من أنّها تراجعت الى موقع الدفاع الذي يجبرها على أن تكون المتلقي للصدمات، الاّ أنّها اختارت الصدّ عبر الهجوم هذه المرة، فدعمت الحراك اليمني من جهة، وأفشلت المخططات في العراق والشام، لقد طوّقت الدول التي تآمرت، وأثبتت أنّها قادرة على الإمساك بالمنطقة دون الحاجة الى احتلال دول أو ضربها وعبر لعبة المعابر والمضائق، من هرمز الى باب المندب، لتوجه ضربة قاصمة للوجود الصهيوني في البحر الأحمر وفي القرن الأفريقي وخاصة في أثيوبيا.
صحيح أنّه ثمة حراك قاد الى شيء وازن على طول خطوط العلاقات الإيرانية الأميركية وخاصة بعد الاتفاق النووي، ولكنّ العلاقات بين واشنطن وإيران ما زالت طويلة وتحتاج الى وقت ووقت طويل كما وصفها الرئيس روحاني مؤخراً حتّى تنضج وتتقدّم، حيث ما زال الخلاف قائماً بين الاستراتيجيين ونحن منهم حول الاتفاق النووي: هل هو حدث سياسي أم حدث استراتيجي؟ فهل العلاقات الأميركية الإيرانية في هذه المرحلة بالذات، توصف بأنّها مثل المتزوج الذي دعا عشيقته ذات القوام الممشوق والأرداف المكتنزة وذات الوجه الملائكي، الى عشاء بشموع حمراء بالخارج ولا يريد لأحد أن يراه فيفضح سرّه؟
الولايات المتحدة الأميركية تواجه الآن عواقب ألاعيبها الماكرة ضمن ظروف يصعب السيطرة عليها، الاّ بتحالف شبيه بتحالف بوش الابن وشنّ حرب جديدة على أبنائها من الدواعش يأجوج ومأجوج العصر والبرابرة الجدد، فهي خلقت فيروس «داعش» ونسخته المتقدمة خوراسان الآن لإنشاء دولة كوردوستان اسرائيل الجديدة وتقسيم العراق وسورية ولاحقاً تركيا، ومحاولاتها المستمرة للإطاحة بالأسد وحكومته ونظامه وبالنسق السياسي السوري كلّه، كانت السبب بغض الطرف عن الإسلاميين ونشوء ما سُمّي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» عصابة داعش .
أميركا عندما خلقت «الداعشية» العسكرية عبر توجيه أسباب إنتاج ظروف بيئتها في المنطقة خلقت «الداعشية» السياسية، والأخيرة ضرورة لاستمرارية الأولى في فعلها وتفاعلاتها ومفاعيلها. والإرهاب الخيار الأستراتيجي لنواة الدولة الأميركية، والإدارة الأميركية كحكومة بلوتوقراطية في الداخل الأميركي حكومة الأثرياء، هي صدى المجمّع الصناعي الحربي الأميركي، وهي التي تمارس فن الإقناع بالإرهاب بالمعنى الرأسي وبالمعنى العرضي، انْ لجهة الداخل الأميركي، وانْ لجهة الخارج الأميركي.
وتعتقد الولايات المتحدة الأميركية ومعها بعض جهات عربية، بأنّ فلاديمير بوتين غارق في الأزمة الأوكرانية، والإيرانيين في حال تقهقر بالرغم من توقيع الاتفاق النووي والى حدّ اتخاذ مواقف هي أقرب ما تكون الى الدفاع عن النفس، وعلى هذا الأساس فالطريق الى دمشق آمن أكثر من أيّ وقت مضى عبر الدواعش ومحاربتهم، كما تعمل واشنطن هذا الآوان، على إعادة توجيه الإرهاب الى موسكو وشمال القوقاز عبر مجتمعات الدواعش والزواحف والقوارض، فهي أي واشنطن تملك شيفرة تركيبها التنظيمي وانتشارها من أجل إعادة توجيهها، وسيكون لتركيا المخفر المتقدم للناتو في المنطقة أدوار في ذلك.
روسيا لديه رؤيتها
الفدرالية الروسية لديها تصوراتها ورؤيتها حول الأهداف الأميركية إزاء القارة الأوروبية العجوز، حيث واشنطن تسعى الى تقسيم أوروبا عبر خلق الإرهاب ثم محاربته بشكل جماعي أو فردي، والأميركان هم المسؤولون عمّا يجري في أوكرانيا، وتضخيم خطر مجتمعات الدواعش والزواحف والقوارض أميركيّاً وبريطانيّاً، لدفع كثير من الدول الى المظلة الأميركية من جديد ابتعاداً عن المظلة الروسية، ثم يصار الى توزيع مساحات النفوذ بينهما بحيث لا يتحوّل التنافس بين لندن وواشنطن، الى صراع عميق يستنزف أولوياتهما وقواهما الحيّة وأدواتهما، فالروسي موجود ويتربص بهما المنون كما تعتقد واشنطن ولندن.
في السياسة الكونية تعتبر لندن وواشنطن بأنهما قوّة بحرية، أمّا روسيّا والصين والهند وحتّى ألمانيا قوّة بريّة، والهدف الرئيس للندن وواشنطن من الحرب العالمية الأولى والثانية كان السيطرة على كافة الطرق البحرية في العالم، وعلى الشواطئ البريّة القريبة من هذه الطرق، وقد نجحتا في ذلك لفترات زمنية محدودة، فمشروع الناتو الذي كان من أهدافه الانتشار في آسيا وشق القوى العظمى فشل فشلاً ذريعاً، فمثلاً أفغانستان التي أريد لها أن تكون المحطة الأولى لهذا المشروع في نهايات العام 2014، ستخرج من السيطرة الأميركية وتدخل ضمن نطاق التأثير الروسي الصيني، ومنظمة شانغهاي المعادل العسكري للناتو بدأت بالمناورات المبكرة من أجل ذلك، قد تتبعها مناورات بالأسلحة الأستراتيجية لجلّ دول بريكس المعادل المدني والعسكري للاتحاد الأوروبي، من هنا استطاع الجنرال البحري جو دانفورد رئيس أركان الجيوش الأميركية الجديد، والذي كان قائداً للقوّات الأميركية في أفغانستان، أن يقنع أوباما في حينه بضرورة إبقاء عشرة الاف جندي أميركي في أفغانستان، لمواجهة الاستراتيجية الروسية في شبه القارة الهنديّة، بعد إعادة الأنتشار العسكري الأميركي هناك، ولا أقول انسحابات، لذلك أوباما يثق كثيراً بالمقاتل جو دانفورد .
الشرق الأوسط يشكل قلب الحروب الاستراتيجية الدولية، وروسيا تعلم وتعي أنّ القاعدة وجلّ مشتقاتها ومجتمعات الدواعش والزواحف والقوارض، تخضع للحماية الأميركية وتشكلت في مصانع الاستخبارات الأميركية لمواجهة الفدرالية الروسية والصين. من جهة ثانية، تتجلّى صور الصراعات الدولية الخفية في جيوب جغرافية مختلفة في العالم، لصناعة أرخبيلات اثنية وطائفية مختلفة عبر بؤر ومسارب سياسية وعسكرية بالوكالة، ألمانيا مثلاً تعتبر العرق الكردي جزءاً من العرق الألماني الآري، فإيران وروسيا لعبت دوراً في معارضة ألمانيا ورغبتها في تأسيس دولة كردية مستقلة في العراق، فإيران وروسيّا نجحتا في إجلاس الحليف الثاني الكرد لأميركا بعد «اسرائيل» على طاولة الحوار الديبلوماسي.
خطاب استغاثة سعودي
وموسكو مثلاً وجدت في الخطاب السعودي قبل عام من الأن، حول خطر وصول الدواعش خلال شهر الى أوروبا وشهرين لأميركا الفتح والضرب بالمندل السياسي ، هو خطاب استغاثة أكبر مما هو تعبير عن خطر وشيك، وفي نفس الوقت هناك تقديرات روسية بحق دواعش الماما الأميركية، أنّ هناك خطين متوازيين لا يلتقيان، يتمدّد داعش الماما أحياناً وينكمش أو ينكفئ أحياناً كثيرة، على وقع خط يدفع دول المنطقة بما فيها إيران وسورية الى معمارية استراتيجية محددة، بعد إعادة النظر بالبنى التي شاخت أو تخلخلت أو تداعت.
موسكو تعلم أنّ واشنطن دي سي توظف مجتمعات الدواعش والزواحف والقوارض لحروب جديدة، وخدمة لمصالحها عبر ضرب قوى المقاومة الشاملة في المنطقة، عبر صناعة الكذبة في سورية…
محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
WWW.ROUSSANLEGAL.0PI.COM
MOHD AHAMD2003 YAHOO.COM