قالت له

قالت له: أريدك حبّاً بلا شروط ولا أسئلة، وأن ترضى حبّي الفوضوي والمتقلّب والمتغيّر على إيقاع الفوضى التي تحياني وتختزل أيامي، وأن توقف مواعظك لتربيتي على قواعد الانتظام، وألّا تسمح لخيالك بتصوير كلّ خطواتي البريئة أو العملية لاعتبارات تعرفها وتعرف صدقها مع سواك، كاعتداء عليك. وأن تتوقف عن وضع كرامتك وقيمتك معبراً لكل كلمة بيننا وجداراً يصدّ كلّ دفء القلب، ليتفحص العقل ويدقّق في جواز السفر. وأن تتذكر أنني قلت لك مئة مرة في لحظة صفاء أنك حبّي الوحيد، ومرات قليلة في لحظات غضب قلت كلاماً قاسياً توّجته بأنني أريد الرحيل منك والابتعاد عنك. فتميّز بقلبك حقيقة مشاعري لا بقولك ما أضمر المرء شيئاً غلا وظهر في فلتات لسانه. هذا مشروع اتفاق فهل توقّع؟

فقال لها: وإن لم أفعل؟

قالت: الأفضل عندئذٍ أن تتوقف حرب لا فائدة منها نسمّيها حبّاً، وهي محاولة استنساخ دائمة لأنثى على شاكلتك لن تنجح، وستفشل كل ما هو جميل بيننا قبل أن تعلن فشلها.

فقال لها: كل تلاقح في الطباع بين البشر قبل أن يصير حبّاً لرجل وامراة هو محاولات استنساخ تتسلل في خلايانا، نتلقى خلالها من طباع الغير ويتلقون من طباعنا. وحتى تاريخ حضارة البشر هو حاصل هذا التلاقح الذي يبدأ بقسوة الاستنساخ ويتحوّل إلى تبادل مهما تفاوتت نِسَب الأخذ والعطاء. وها أنا أجد نفسي تغيّرت بتأثيرك ولا أعترض أو أضع الشروط. لكنني أظن أنها الحرّية لا التبادلية. فلو تقرئين ما كان منك شروطاً كأنها منّي وتقبلين، لقبلت.

فقالت: أمرنا مختلف.

فقال لها: في كل علاقة صداقة أو حبّ مقدار قيود نحبّها ونأوي إليها، ولا نحسّها قيوداً إنما روابط بخيط من حرير. وفي مراحل من حياتنا نحسّ الحرّية تنادينا وخيوط الحرير قد صارت سلاسل من حديد. فعندئذ يكون فكّ العقد وتحرير اليدين قد حان وقته، ولو لتنفس يعيد الحسابات، علّ تنشق الحرّية يعيدنا برضى القبول والإدراك أننا عندما نقول للآخر قد تغيّرت، يكون كلانا قد تغيّر، وأن كل ما نقوله للآخر لو نرضاه لأنفسنا أولاً قاعدة ذهبية في الحياة، وأن التأثر والتغير بفعل الآخر سنّة لا مناص منها في مسيرة الإنسان. فأنا أنتظر أن تأتي لتغيّريني واستدار ليمضي.

فقالت: إن كان الخيار بين قيودك والحرّية مع سواك فقد ارتضيتك سجناً أبدياً… وتعانقا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى