أردوغان يقايض الغرب من أجل الفوز في الداخل
د. هدى رزق
تصرّف داوود أوغلو بصلف عندما صرّح بأنه كان على الأسد البقاء في روسيا وليس الرجوع الى سورية، في تعليقه على زيارة الأخير إلى موسكو.
يتناقض هذا التصريح مع الموقف الكلامي الذي أعلنته تركيا حول قبولها بقاء الأسد لفترة انتقالية مدتها ستة أشهر، الأمر الذي يعكس سياستها الحقيقية، لأنّ بقاء الرئيس الأسد في سدة الرئاسة يعني اعتراف تركيا بهزيمتها هي وشريكتها السعودية. من أجل ذلك يصرّ الاثنان على رحيل الأسد أو استمرار تغذية الحرب في سورية بالرجال والسلاح. لا تبدو أنقرة في وضع مريح بعد التدخل الروسي ومحاولة عزل الشمال السوري عن الحدود التركية التي ما زالت مفتوحة للمسلحين الذي يتسللون بكامل أسلحتهم.
يبدو أنّ السياسة التركية لم تتغيّر إلا كلامياً، إذ أتى موقف أوغلو متطابقاً مع موقف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والموقف الأميركي الذي يناور ويتلطى وراء مواقف حلفائه ويدّعي عدم القدرة على المونة عليهم. وفي الوقت الذي تعيش فيه تركيا أزمتها مع حزب العمال الكردستاني تشكو موقف واشنطن تجاه وحدات الحماية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره ذراع العمال الكردستاني الذي يتمركز في شمال العراق. فالاعتراض الرسمي الذي قدّمه وزير خارجيتها الى واشنطن حول المساعدات التي ألقيت من الجو الى وحدات الحماية لم يلق إذانا صاغية من واشنطن، مع أنه أشار إلى تسرّب هذه الأسلحة إلى حزب العمال، مع أنه ضمن الاعتراض وثائق تفيد صحة ادعاءاته.
أوحت واشنطن أن استخباراتها كانت على غير دراية بالأمر، لكنها عملياً بقيت على موقفها من تقديم الدعم إلى الأكراد في سورية، أما روسيا فهي شدّدت على أهمية الأكراد في محاربة الإرهاب واعتبرتهم عاملاً أساسياً في هذه الحرب.
لا تهدأ حركة أردوغان وأوغلو فهما عرفا كيف يستغلان اللاجئين السوريين على أكمل وجه، وإنْ لم يحققا المنطقة العازلة بالرغم من محاولات كان آخرها تغطية مافيات إرسال اللاجئين الى أوروبا عبر البحر، والتسبّب بأزمة خانقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي كان يسعى إلى التخلص من مسألة اللجوء بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي تعيشها دول الاتحاد من جهة، والاحتياط خوفاً من الإرهاب الإسلامي وانتقاله الى أوروبا من جهة أخرى. استدرجت أنقرة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لزيارة تركيا من أجل التعاون في مسألة اللاجئين، فأوروبا اليوم على أرضية هشّة وهي تتهم أنقرة بالتغاضي عن مرور اللاجئين عبر أراضيها. استطاع أوغلو أن يفرض شروطاً عليها كإعطاء تركيا مساعدات مالية فوعدت ميركل بدفع 3 مليارات يورو.
لا يثق الأتراك بوعود الاتحاد الأوروبي بشأن المفاوضات التي جرت بينهم وبين أنقرة في بروكسيل حول إعطاء الأتراك تأشيرة دخول دائمة إلى أوروبا، لكن ميركل وعدت بتسريع هذه العملية، كما أنّ أوغلو طالب بتسريع معاملات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لم توقّع أنقرة أيّ اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يمكن الدول الأعضاء من إعادة المهاجرين غير الشرعيين الى تركيا. تشك تركيا في وعود ميركل بفتح فصل جديد في مفاوضات الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، فأنقرة تريد فتح ملفات الطاقة والسياسة والاقتصاد والحقوق الأساسية والعدالة السياسية والأمنية، أما ميركل فتريد من تركيا أن تعلن أنها بلد آمن ويراعي حقوق الإنسان وأن يكون ديمقراطياً… وهذا لن يحصل. يريد أردوغان وأوغلو توظيف زيارة ميركل في الانتخابات، وأن يقول أردوغان للأتراك: أرايتم كيف يأتي الغرب إلينا صاغراً عندما يحتاج إلينا. يريد أن يجني ثمار هذه الزيارة لدى مؤيديه وإثارة الروح القومية العالية لدى الأتراك. لكنه حصل حسب زعيم المعارضة رئيس حزب الشعب على رشوة تفيد بسماح تركيا للسوريين البقاء في تركيا، وبذلك تأخذ المال من الاتحاد الأوروبي، بينما يرى أنه ينبغي إنهاء الحرب في سورية والبدء بإعادة البناء وإرجاع السوريين الى ديارهم.
توسّل أوغلو ميركل عدم الإفراج عن تقرير الاتحاد الأوروبي بشأن تركيا قبل الانتخابات، لأنّ التقرير يحمل نقداً حول عيوب الديمقراطية التركية والفساد وحقوق الإنسان وحرية الصحافة ووضع اليد على القضاء وإرهاب الشعب التركي، وفي آخر إحصاءات أعرب الأتراك عن خوفهم من تصرفات رئيسهم أردوغان ووضع يده على مفاصل السلطة. وبالرغم من نفي مسؤولي الاتحاد الأوروبي وجود صلة بين إرجاء التقرير الذي كان يخطط لإصداره في 14 تشرين الأول تم إرجاؤه بالفعل، الى موعد غير محدّد في المستقبل، وجرى تأليف لجنة لمناقشة تدفق اللاجئين.
يقايض الاتحاد الأوروبي التقرير بمسألة اللجوء ليربح أردوغان معركة القوة التي بدأها منذ تفجير سروش وفتح المعركة مع حزب العمال الكردستاني وادّعى الحرب على إرهاب داعش في الوقت الذي يضرب الأكراد لينال أصوات القوميين الأتراك في الانتخابات المقبلة، هو يتهم اليسار وحزب العمال الكردستاني وداعش بتفجير أنقرة الذي حصد المئات من الضحايا والجرحى، وكأنه يسخر من عقول النخب السياسية والإعلامية التركية، لا سيما أن الدلائل جميعها تثبت أن تنفيذ العملية الإرهابية كان من صنع داعش. يبدو أنّ اسلوب المقايضة قد نجح مرتين مرة عندما فتح معركته مع حزب العمال الكردستاني فصمتت الولايات المتحدة بعدما سمح لها باستعمال قاعدة «انجرليك» وقواعد أخرى، ومرة عندما قايض الاتحاد الأوروبي بمسألة اللاجئين ووظف زيارة ميركل في الانتخابات. هو أمسك الغرب من اليد التي تؤلمه.