عن التصعيد وخوف المثقفين على الشعب السوري

عامر نعيم الياس

في علم السياسة لا يمكن اعتماد تقدير حاسم لموقف باتجاه ترجيح نهائي لكفة احتمال على حساب كفة احتمالٍ آخر قائم بحكم العلاقة المتبادلة بين القوى والظروف الناظمة لأي أزمة على المستوى الدولي أو المحلي أو الإقليمي، أكانت توازناً أم عدم توازن. فالمفاجآت لها مكانها دائماً وهي إما أن تدفع بأحد الاحتمالات إلى أقصى حدود التحقق، أو تفرز احتمالاً جديداً لم يكن بحسبان إدارة أزمة ما أو التعامل معه. هذه هي حال الحرب على سورية، والتي لم يكن أحد يتوقع أن تأتي بتدخلٍ روسي على هذا المستوى، توّج بعد عشرين يوماً بمشهدٍ في أروقة الكرملين، حيث يتجوّل الرئيس ا سد ويلتقي سيد القصر ثلاث مرات ويتم توجيه شكر له على تلبيته الدعوة لزيارة موسكو.. فماذا بعد؟

أحد المسارات التي اعتمدها بعض المثقفين العرب والمحللين «الموضوعيين» في تقدير الموقف حول التدخل الروسي في سورية يقوم على أساس أن التدخل العسكري الروسي، سيستتبع رفعاً لمنسوب التصعيد في سورية على قاعدة المواجهة المفروضة على الحلف الإقليمي تحديداً، لصد محاولة قلب التوازن الميداني رأساً على عقب وفرض الحل السياسي بقوة الميدان فيما تتحول الدعوات لحل سياسي إلى مجرد لازمة يجب أن تتواجد في المشهد الإعلامي، حيث يفقد التفاوض أي مغزى إن استمر التدخل الروسي حراً من دون رد فعل عسكري مباشر أو غير مباشر، لكن السؤال الذي يغيب عن ذهن كلّ مَن يعتمد هذا الرأي: ما هو الفرق بالنسبة إلى سورية البشر والحجر قبل التدخل الروسي وبعده قياساً لهذا التوحّش التركي ــــ القطري ـــــ السعودي على الأرض السورية؟ هل سيُقتل المزيد، أم سيتم تدمير المزيد من البنى التحتية على شاكلة الضربة الأميركية الانتقامية لمحطة تحويل الرضوانية في حلب؟

على خلفية تمهيد الأرضية الذي تولاه بعض المحسوبين على محور المعارضة للهيمنة الأميركية والذين يمارسون دور عزمي بشارة اليوم، انبرى وزير خارجية قطر المدعو خالد العطية للحديث عن تدخّل عسكري «لدولته» مع التركي والسعودي في سورية «إلى جانب الشعب السوري لحمايته». وأردف القطري قائلاً «إن بلاده تريد التفاوض من موقع القوة» في سورية. كل ما سبق يأتي على خلفية دفاعٍ قطري علني عن حركة «أحرار الشام» السلفية الجهادية، يعتمد على حكمة وليد جنبلاط القائلة باعتبار «النصرة جزءاً من الثورة السورية لأن مقاتليها في غالبيتهم من السوريين». جملة أمور تطرح سؤالاً في ظل مخاوف بعض المثقفين العرب من التدخل الروسي في سورية وعلى الشعب السوري: ما هي إمكانات قطر والسعودية في مواجهة موسكو مباشرةً على الأرض السورية؟ وما هي سيناريوات التصعيد؟

لن نقيم وزناً للتدخل العسكري المباشر القطري في سورية، فهو ضربٌ من ضروب السخافة اللامتناهية، التي من الأفضل أن تغدو مادةً لمشهدٍ درامي ساخر في القريب العاجل أو لفاصلٍ إخباري مدروس بعناية، لكن السيناريو الأهم هو التصعيد بالوكالة في ضوء الحديث العلني عن تبني دول خليجية لتنظيمات جهادية بالاسم، وإرسال واشنطن لخمسين طناً من المساعدات العسكرية للفصائل المرتبطة بها اعتماداً على تقديرات الاستخبارات الأميركية والتركية، إن استثنينا الأكراد طبعاً. حيث تراهن القوى الإقليمية ومن ورائها واشنطن على زيادة التورط العسكري الروسي في سورية، وعرقلة تقدم الجيش السوري والقوات الرديفة عبر استخدام الصواريخ المضادة للدروع «تاو». وهو ما يوقف زحف القوات البرية ويفرغ العمليات الجوية من مضمونها، ويساهم في إطالة أمد الاستنزاف في سورية، وفي هذا الإطار اتضح من زيارة الرئيس السوري إلى موسكو أن العسكري يسبق السياسي، وإن تكن زيارة على هذا المستوى وما استتبعها من اتصالات للرئيس الروسي بزعماء المحور المعادي لسورية والإعلان عن اجتماع يضم وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية، يعكس وجود مبادرة سياسية اقتضت وجوداً مباشراً للرئيس السوري في الكرملين وعقد ثلاثة اجتماعات مع الرئيس الروسي في يومٍ واحد.

ويبقى الميداني وسير العمليات العسكرية محور العلاقة الروسية السورية حالياً وروح أي مبادرة لبوتين ترسخ صورته وصورة بلاده كدولة حاضرة وقطب في عالم متعدد الأقطاب. وبهذا المعنى فإن التفاوض من موقع قوة كما يريد القطري لن يتحقق، وخيارات تصعيده وحلفائه لا تخرج عن إطار ما سبق وعانته سورية في غياب التدخل الروسي الذي انتظر أعواماً ليتبلور وسيتطور في القريب العاجل وسيشهد الدفع بتجهيزات ومعدات عسكرية أكثر فعالية برياً على وجه الخصوص.

لن يأتي التدخل الروسي في سورية ليدفع باتجاه عملية تفاوضية تناسب قطر والسعودية وتركيا، بل جاء لمنع تحقيق ما يهدف إليه هؤلاء الثلاثة على وجه الخصوص.

.. وننتظر التدخل القطري الذي سيستنزف موسكو!

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى