هكذا يقتنص بوتين الفرص ويتحدّى الحزب الديمقراطي الأميركي
أول ما يخطر على البال عندما يعتزم أحد رؤساء الدول الكبرى القيام بعملية عسكرية خارج البلاد، هو الالتفات نحو موقف الرأي العام المحلي من هذا القرار ومصير شعبية هذا الرئيس أو الحزب الذي ينتمي إليه، إذا ما أقدم على تنفيذ قراره، على اعتبار انّ الدول الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها تأخذ بعين الجدية والدقة مواقف شعوبها وتحذر بشدة من محاسبتها في الانتخابات على أساس فشلها أو ربحها.
منذ أحداث «الربيع العربي» والمخاطر والمؤامرات تحاك لروسيا التي وقفت بوضوح إلى جانب حليفها الرئيس السوري بشار الأسد، فتعرّضت بداية إلى محاولات تحريك المعارضة الروسية في الداخل عبر تظاهرات شعبية معارضة لسياسات بوتين الداخلية والخارجية بأيادٍ أميركية اتهمت حينها السلطات الروسية واشنطن فيها، وصولاً إلى أحداث جزيرة القرم، وإلى محاولات سحب اليد الروسية من الشرق الأوسط تماماً بإبعادها عن الملف السوري وإضعاف النظام، خصوصاً بعد النجاح في سحبها من ليبيا.
عرفت القيادة الروسية أنّ استهدافها أيضاً هو أساس المخطط الغربي لإضعاف أيّ إمكانية لتطوير المنظمة الدولية الجديدة أو الظهور المقلق لمجموعة دول «بريكس» من اقتصادات متينة وسياسات موحّدة في وجه الدول الغربية التي بدأت تضعف قدرتها على الاتحاد، إنْ كان أطلسياً أو أوروبياً، وهنا فإنّ عين المواجهة الروسية لم تكن غافلة عن أنّ ما يجري في سورية والشرق الأوسط ليس إلا رسالة غير مباشرة لموسكو لتحجيم صعودها المتسارع كقطب نافذ في هذا العالم.
اللافت اليوم جاء في قرار الرئيس بوتين القيام بعملية عسكرية استباقية في سورية لمكافحة الإرهاب، وبالتالي مساعدة النظام على الثبات واختصار الوقت للانتصار على الإرهاب الذي أصبح يهدّد أوروبا، وذلك من دون أيّ قلق من قبل الرئيس بوتين على شعبيته أو حتى على الرأي العام الذي ربما يشكل عائقاً أمامه، وهذا يعود في جزء بسيط منه كتفاعل إلى أنّ بوتين كان قد اختبر الرأي العام الروسي بالعملية العسكرية التي قام بها في شبه جزيرة القرم، والتي سانده فيها شعبه إلى أن قرّر بوتين الدخول على خط مكافحة الإرهاب بحزم وقناعة غير مسبوقين، ليتبيّن أنّ شعبيته اليوم تصل إلى أقصاها بعدما أعلنت المؤسسة الروسية الرسمية للاستطلاع «فتسيوم» ارتفاع نسبة تأييد الرئيس فلاديمير بوتين بشكل قياسي بسبب قراره توجيه ضربات جوية لتنظيم «داعش» في سورية، كاشفة أنها بلغت 89.9 في المئة في تشرين الأول الحالي، بدلاً من 89.1 في المئة في حزيران، في حين كانت قد بلغت في وقت سابق 58.8 في المئة في كانون الثاني 2012.
شعبية بوتين آخذة بالتصاعد بقوة فيما الرئيس الأميركي باراك اوباما غارق في قلقه ومخاوفه من توريط الحزب الديمقراطي بحرب جدية مع الإرهاب تحرم «إسرائيل» من هدفها تفتيت المنطقة، فإذا ببوتين يقتنص فرص الشعبية وأوباما يضيّعها على حزبه بمكافحة الإرهاب الذي يكاد يتوّج بوتين بطلاً دولياً من دون منازع.
قصر النظر الاميركي وتفضيل المشاريع «الاسرائيلية» على الداخلية الاميركية لا تزال موجودة ومطلوبة، وهنا سيقف الحزبان الديمقراطي والجمهوري امام شعبية بوتين الآخذة بالتصاعد بذهول امام إمكانية ان ينقلب ما يُسمّى تورّطاً عسكرياً لروسيا ليصبح عرساً وطنياً لتتويج قائد تخلّده روسيا في تاريخها الحديث.
فلاديمير بوتين يتحدّى ويثبت للأميركيين انّ شعبية القائد تصنعها قراراته الجدية والحازمة، وليس القرارات المراوغة، ويثبت انّ الشعوب تستشعر الحق وتدعمه بحسّ الإنسانية التي ترفض إرهاب وإجرام «داعش» و»النصرة» وغيرهما، حيث لا يحتاج الأمر إلى جنسيات وحضارات.
فلاديمير بوتين قصة زعيم للتاريخ…
«توب نيوز»