أميركا تعيد تصنيع الإرهاب…

جمال العفلق

لا يحتاج الباحث في الإرهاب الأميركي إلى جهد كبير لكي يجد الإجابات الشافية التي تجيب عن الدور الأميركي في تطوير وصناعة الإرهاب العالمي هذا الإرهاب الذي تدعي أميركا أنها حاربته وتحاربه، ولكن واقع الحال يقول عكس ذلك تماماً، فأي بقعة في العالم تدّعي أميركا أنها هاجمت الإرهاب فيها نجده يتمدّد ويتطور ويصبح أكثر شراسة، استطاع الأميركيون تطويره في العراق بعد أن دخلت جيوشهم بغداد، ولعب الأميركيون على وتر طائفي أنتج مجموعات متشدّدة في الظاهر ولكن الواقع إن هذه المجموعات تعمل وفق برنامج استخباراتي محدّد، مهمته بدأت بالفعل مع انطلاق ما يسمى الربيع العربي.

فالادّعاء الأميركي والذي تعبّر عنه الإدارة الأميركية بعبارات القلق من تنامي هذه الجماعات هو ادّعاء كاذب لا يقترب من الواقع أو الحقيقة. وتاريخ تعاون الولايات المتحدة مع الجماعات الأصولية ليس بالسرّ أو الاتهام، فهي بعد محاربتها الإرهاب كما ادّعت في افغانستان أعادت فتح مكتب لجماعة طالبان في الدوحة، لتعطي لهذه الجماعة صفة الشرعية السياسية وتفرضها على الواقع الأفغاني، أما في العراق فقد عطّلت الدوائر الأميركية طلبات الدعم العسكري لرئيس الوزراء العراقي الشرعي بحجة القلق على الجماعات الأخرى، وطلبت ضمانات تؤكد عدم المساس بهذه المجموعات كما طلبت من قيادة الجيش العراقي عدم ضرب مواقع لداعش من دون الرجوع إلى الولايات المتحدة كما سرّبت بعض الصحف العراقية، وإذا كان هذا التسريب حقيقياً، والأرجح أنه كذلك، فإن الولايات المتحدة تصرّ على فرض ما يسمّى داعش على واقع المنطقة لتطورها لاحقاً، وتصبح طالبان الشرق الجديد لها شرعية الوجود السياسي.

ولكن الإرهاب الجديد الذي تصنعه الولايات المتحدة اليوم جاء على لسان وزير خارجية قطر الذي هدّد بالتدخل العسكري المباشر في سورية، ولا يحتاج الأمر إلى محللين عسكريين ولا استراتيجيين لاستغراب هذا التهديد المباشر، فماذا تملك قطر لتهدّد سورية عسكرياً؟ وكيف ستصل قطر الى الأراضي السورية لتنفذ تهديدها الذي جاء بعد توقيع الاتفاق الأمني مع إيران؟ بالتأكيد قطر لا تتوقع دعماًَ إيرانيا في محاربة سورية، ولا يمكن أن تعلن مثل هذا التهديد إلا بالاتفاق مع أميركا التي ستزوّد قطر بالسلاح، وهي بدورها ستقوم بتوزيعه على فصائل المرتزقة التي ستخصّص لها مبالغ كبيرة من المال، أما الاحتمال الثاني، فقد جاء من خلال التسريبات التي تتحدث عن لقاء ثلاثي يجمع قطر والسعودية وتركيا لبحث الأوضاع الميدانية في سورية، ولا يخفى على أحد أن لهذه الدول فصائل تقاتل بالنيابة عنها، وقد تكون الفكرة دمج هذه الفصائل لتصبح جبهة واحدة سيتمّ لاحقاً تسميتها أو اطلاق صفة عليها، ويبقى هذا في إطار الاحتمالات والتصورات المبنية على التطورات اليومية للحرب على سورية، حيث رسمت الولايات المتحدة الأدوار للدول التابعة لها بدقة متناهية، فكل ما يحدث اليوم في سورية يصبّ في مصلحة أميركا وأمن ما يسمى «إسرائيل»، فنتائج الحرب على سورية اليوم ليست كارثية فقط على السوريين بل على شعوب المنطقة، فإذا كان السوريون على خط النار الأول فشعوب المنطقة هم من يدفعون الثمن، لقد وجدت أميركا في إشغال الدول النفطية بهذه الحروب وتمويلها مصدراً مهماً لإنعاش الاقتصاد الأميركي وتفعيل طلبات السلاح الفورية والآجلة سوف يوفر للصناعات العسكرية الأميركية دخلاً منتظماً لسنوات، وبهذا تكون الولايات المتحدة فتحت حروباً خارج حدودها كما العادة، ولكن هذه المرة لم تستخدم جنودها، بل استخدمت المرتزقة من مشارق الأرض ومغاربها لتزجهم بالحرب نيابة عنها.

فالولايات المتحده الحريصة دائماً على السلم والأمن الدوليين هي التي تشعل النزاعات وتصدر الأوامر للتابعين لتمويلها، ولن يتوقف المشروع الأميركي إلا إذا اقتلع هذا الإرهاب وجففت مصادر تمويله، فالاعتراض الأميركي على قصف الطيران الروسي للتنظيمات الإرهابية كان جدياً وواضحاً، حيث ادّعت الولايات المتحدة أنّ الطيران الروسي يقصف المعارضة المعتدلة، تلك المعارضة التي ترفع رايات داعش وتتبع لتنظيم القاعدة إما باعلانها البيعة أو من خلال تبنهيا فكر القاعدة.

واليوم رمى الروس كرة جديدة في الملعب الأميركي، حيث أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعداد موسكو لدعم الجيش الحر جوياً في محاربة داعش على اعتبار أن أميركا تدعم الفصائل المسلحة المعتدلة وتدّعي محاربة الإرهاب، ليأتي الردّ سريعاً برفض هذا الطرح، وهذا إنْ دلّ على شيء فهو دليل واضح على أنّ الجيش الحر إذا كان بالفعل موجوداً ويمثل قوة على الأرض لا يختلف عن الفصائل المسلحة الأخرى، ولا يهمّ القائمين عليه محاربة الإرهاب ولا تطهير سورية من المرتزقة، إن ما يعنيهم فقط استمرار الحرب.

فالتعليمات الأميركية لم تتغيّر… بدأت عندما أعلنت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة للولايات المتحده الأميركية أمام وسائل الإعلام أنها نصحت المسلحين بعدم رمي السلاح والجلوس إلى طاولة المفاوضات. وهذا ما حدث بالفعل.

إن العمليات الإرهابية التي تديرها أميركا من خلال دول الجوار لسورية ومن خلال الدعم العربي لهذا الإرهاب ستجد طريقها إلى الفشل بالنهاية وعدم فهم البعض وبعد هذه السنوات من الحرب للمروع الأميركي ليس لضعف في المشروع ،إنما يعود لعدم قدرة هؤلاء على الفهم أصلاً، فأميركا بواقع الحال تعتمد على هذه العقول المتحجرة والواهمة أنها ستكون شيئاً ما في يوم من الأيام.

ويبقى الحسم على الأرض بيد الجيش السوري والمقاومة المعركة اليوم هي معركة وجود لا معركة حدود وتحرير العقل العربي من الصورة الهوليودية للولايات المتحدة الأميركية قد يحتاج بعض الوقت ولكنه سيتمّ، فبعض الذين سيطر عليهم الإعلام الأميركي الناطق بالعربية سيكتشفون أن رهانهم خاسر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى