دبلوماسية موسكو: الانتخابات… احتواء دول الجوار… التعامل مع الجميع
عامر نعيم الياس
منذ مفاجأة استقبال الرئيس السوري بشار الأسد في الكرملين في العشرين من الشهر الجاري، انقلب الموقف الدبلوماسي الخاص بمستوى التحرك الروسي سياسياً في ما يخص الأزمة السورية رأساً على عقب، فرغم إقرار النخب الغربية بمركزية دور موسكو في الأزمة السورية سياسياً وعسكرياً وتحديداً بعد التدخل العسكري الروسي الجوّي بناءً على طلب الدولة السورية، إلا أن ما قبل زيارة الرئيس السوري ليس كما بعده، حيث أطلقت موسكو حملةً سياسية وهجوماً دبلوماسياً لا سابق له على هذا المستوى.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدّم رؤيةً متكاملة للعالم ومشاكله في منتدى فالداي في سوتشي، لم تكن بهذا الوضوح والتأثير من قبل، وفي ما يخص الأزمة في سورية قال الرئيس الروسي ما لا يريد الغرب سماعه، سواء من حيث المضمون، أو من حيث الشكل الذي يقتبس من الخطاب الغربي بمفرداته التقليدية حول حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وكل ما يتعلق بمفردات الديمقراطية وحقوق الإنسان، إذ قال «لا يقع على عاتقنا القرار ما إن كان الأسد سيرحل أم لا. الشعب السوري هو الذي يتخذ هذا القرار على أساس إجراءات ديمقراطية وشفافة وبعض رقابة دولية على هذه الإجراءات بما في ذلك الانتخابات»، أمّن الرئيس الروسي مرتكزات حشر الدول المعادية لسورية في الزاوية، فالمشاركة في الحكم على قاعدة التعددية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، أمرٌ لا يستطيع أي أحد مواكبته إلا بالموافقة عليه مباشرةً ، أو بالرهان على وضع العراقيل عبر التصعيد الميداني تارةً، وتبادل الأدوار تارةً أخرى، لكن الحل بمجمله لا يمكن الالتفاف عليه أو رفضه علناً، كما أن الرئيس الروسي، وفي سياق عالم متعدد الأقطاب، ركّز في ما يخص تفصيل الرقابة الدولية التي لا تزال موضع تشكيك من الدولة السورية على ضرورة أن «تكون الرقابة موضوعية، حيث يجب ألا تكون مفصّلة على قياس دولة واحدة»، وفقاً لما نقلته مراسلة صحيفة «لوموند» الفرنسية في موسكو.
ما سبق يفسّر اتصال الرئيس الروسي مع زعماء الدول المعنية والمساهمة بشكل مباشر في سفك الدم السوري، كما يفسّر في جزء منه الاجتماع الرباعي في فيينا الذي ضم وزراء خارجية دول المحور المعادي لموسكو ودمشق. هنا لا بد من الإشارة إلى أنه ورغم عدم خروج الاجتماع بنتائج سياسية ولو حتى توافق بالحد الأدنى، إلا أنه عكس في انعقاده أمرين: الأول، الدور المركزي لروسيا الذي كرّسه التدخل العسكري الروسي الشرعي في سورية. والثاني، أن الحل يمر من موسكو وليس من واشنطن، فالعاصمة الروسية هي الجهة الوحيدة القادرة على التخاطب مع كل أطراف النزاع من دون استثناء مع «تغاضيها عن التصريحات المتناقضة»، بحسب «لوموند» الفرنسية، التي تشير أيضاً إلى أن الكرملين «ليس في وارد التخلي عن هذا الموقع المتميّز».
البيادق الروسية في سورية لا تتوقف عند هذا الحد، فالعمل مع دول جوار سورية واحتواؤها يشكلان هدفاً من أهداف السياسة الروسية في الحرب السورية، ولعل ما تمّ الإعلان عنه من إنشاء غرفة تنسيق أردنية ـــــ روسية في عمان من أجل تنسيق الأنشطة العسكرية في جنوب سورية، ما يشكل نصف مفأجاة، تفسّر النصف الآخر المتعلّق بالتقدم الميداني الذي يحققه الجيش السوري في القنيطرة على مثلث الحدود السورية الأردنية الفلسطينية. من دون أن نغفل هنا التنسيق الروسي مع الكيان الصهيوني المحتل والذي حيّد الدور التدميري للكيان في سورية ورسم خطاً أحمر تجلى بمنطقة عمليات مفتوحة للطيران الروسي في كل البلاد ومنها تلك المتاخمة للجولان السوري المحتل.
الهجوم الدبلوماسي لموسكو مستمرّ، وإجبار الدول المتعنتة على المضي في طريق الحل السياسي والانتخابات، وسط تجاوبِ الرئيس السوري الواثق من نفسه وشعبه وجيشه، لا يزال مرهوناً بالميدان وأولوية العسكري على السياسي.
كاتب ومترجم سوري