مشروع كيري ـ نتنياهو ـ عبدالله لإجهاض الانتفاضة بـ«اتفاق الأقصى» الجبير يفشل في تطويق روسيا مصرياً حول مبادرة «انتخابات مبكرة»

كتب المحرّر السياسي

جاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة مستعجلاً بطلب نجدة «إسرائيلي» ورد على لسان بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال، الذي قال مع بدء الانتفاضة إن ّاتفاقاً أردنياً «إسرائيلياً» وحده يبرّئ ساحة «إسرائيل»، فحطّ كيري رحاله في عمّان وهندس النصوص التي تتناسب مع المصالح «الإسرائيلية»، بإجهاض الانتفاضة والحصول على عون عربي لـ«إسرائيل» بتغطية جرائمها بحق الفلسطينيين والقدس والمقدسات.

كشف نتنياهو الاتفاق المُهين والمذلّ للأردن، بمقدّمة تربط تنظيم وضع المسجد الأقصى باتفاقية وادي عربة الموقعة العام 1994 بين عمّان وتل أبيب، لكن نتنياهو أصرّ على عدم لفظ اسم المسجد الأقصى فبقي يتحدث عن جبل الهيكل، وقال إنّ حكومته ملتزمة بمواصلة السماح للمصلين المسلمين «المسالمين»، تاركاً لشرطته تحديد معايير المصلي المسالم من غير المسالم، مضيفاً «وتمكين غير المسلمين من الزوار من القيام بزيارة جبل الهيكل»، أيّ تمكين المستوطنين والمتطرفين الصهاينة من تدنيس المسجد الأقصى.

ما فعله كيري بعدما نجحت قوات الاحتلال في إخراج المرابطين من المسجد الأقصى ولم يبقَ فيه إلا حراسه، هو بيع الفلسطينيين نظرية المراقبة بالكاميرات على مدار الساعة كأنها إنجاز وطني فلسطيني يستحق وقف الانتفاضة من دون أيّ كلمة عن تهويد القدس ونهش الاستيطان جسدَها شبراً شبراً.

وقْعُ الاتفاق كان صفراً على نشطاء الانتفاضة، الذين واصلوا نشاطهم الكفاحي في وجه الاحتلال بالتظاهرات وعمليات الطعن، ووصفوا على صفحات انتفاضتهم «الخيانة الملكية الأردنية بصفحة سوداء جديدة لنظام حكم وقف دائماً لنجدة الاحتلال من كلّ مأزق».

كيري الذي يريد طمأنة «إسرائيل» إلى أنّ الاهتمام بالحلّ السياسي في سورية لا يصرفه عن الاهتمام بالمصالح «الإسرائيلية» العليا، خصوصاً مع تنامي الانتفاضة وبدء نجاحها في جعل شعار الحماية الدولية للقدس يدق أبواب مجلس الأمن بعد المشروع الفرنسي الذي وقفت واشنطن ضدّه بقوة، يريد من حكومة نتنياهو تذكر حاجتها للمعونة الأميركية في أمنها والتزامها وعدم التهوّر في الخيارات غير المدروسة في زمن ليست أميركا بوضع يتيح لها التورّط في الحروب.

على المسار السياسي السوري أرهقت موسكو خصومها بتسارع عسكري سياسي متزامن فتركتهم يلهثون وراءها ووراء حليفها الرئيس السوري بشار الأسد والجيش السوري في ميادين القتال. ففي الوقت الذي تتسارع فيه الخطوات العسكرية قبل أن يمضي الشهر الأول من عمر الصيغة التشاركية للحرب التي يخوضها حلف الأربعة زائداً واحداً، أي روسيا وإيران وسورية والعراق ومعها حزب الله، تبدو ساحات المواجهة في سورية والعراق على موعد مع انقلاب حاسم في كفة الميزان، في سورية بوجه «جبهة النصرة» وحلفائها شمالاً وجنوباً وصولاً إلى الحدود السورية مع تركيا والأردن والجولان المحتلّ، وفي العراق بتحرير الرمادي عاصمة الأنبار بعد ما تمّ تحرير كامل قضاء بيجي وتوجيه ضربات قاسية لتنظيم «داعش».

سياسياً طرحت روسيا في التداول استعدادها للتنسيق مع «الجيش السوري الحرّ» في حال وجود عنوان لوجوده في الحرب ضدّ «داعش»، وأتبعتها بلسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف عن أن لا صفقات سياسية، بل حلّ سياسي يقوم على الانتخابات، ليعرض الرئيس السوري على وفد برلماني روسي، صرّح بعد اللقاء، أنّ الرئيس الأسد جاهز لعرض انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة، ومستعدّ لخوضها والترشح لها والاحتكام لإرادة الشعب السوري، لكن الأولوية هي للحرب على الإرهاب والفوز فيها وبعدها يمكن البدء بإجراءات الحلّ السياسي.

مثلما سارع كيري مهرولاً إلى عمّان لشراء بوليصة تأمين لنتنياهو، هرع وزير الخارجية السعودية عادل الجبير إلى القاهرة، لاستباق اللقاء الدولي الإقليمي الذي ترعاه روسيا وأميركا حول سورية، بعد لقاء فيينا والذي صارت دعوة مصر وإيران لحضوره مؤكدة، وجهد الجبير لإزالة أجواء التوتر التي تشوب علاقات الرياض والقاهرة سواء بسبب التفاهمات السعودية التركية التي لا تعير اهتماماً للمصالح المصرية الحيوية، أو بسبب اعتماد السعودية على تنظيم «الإخوان المسلمين» في اليمن، محاولاً ضمان موقف مصري مساند للموقف السعودي من الرئيس السوري، ليكشف المؤتمر الصحافي المشترك لوزيري الخارجية المصري سامح شكري والسعودي عادل الجبير، عن سعي متقن من الوزير المصري لتفادي التلفظ بكلمة واحدة عن الرئيس السوري، والاكتفاء بإعلان السعي المشترك لكلّ ما من شأنه أن يضمن حلاً سياسياً يحفظ وحدة سورية وحماية مؤسساتها بينما قالت مصادر إعلامية مصرية قريبة من وزارة الخارجية في القاهرة إنّ الوزير شكري قال للجبير هل لديكم وصفة يمكن عبرها ضمان وحدة سورية وإنهاء الإرهاب وضمان بقاء مؤسسات الدولة، عن غير طريق الحوار مع الرئيس السوري؟ وما هي هذه الوصفة؟ وعن الإصرار على رحيل الرئيس السوري، قالت المصادر إنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شرح للجبير ما قاله له الأميركيون من أنه ليست لديهم خارطة طريق للتغيير في سورية، منهياً بسؤال عما إذا كانت لدى السعودية هذه الخارطة. وقالت المصادر إنّ الجبير فشل في الحصول على أيّ تعهّد مصري بتبنّي موقف سلبي من الرئيس السوري في أيّ مباحثات دولية أو إقليمية تشارك فيها مصر حول سورية.

لبنانياً، بينما كانت السيول المحمّلة بالنفايات تجوب شوارع العاصمة بيروت، وتكاد تهدّد بجرف الحكومة التي ترنّحت بلا حول ولا طول للتقدّم خطوة نحو حلّ أزمة النفايات، بقي الحوار بجناحَيْه البرلماني والسياسي الذي يضمّ تيار المستقبل وحزب الله، علامة الحياة السياسية، بينما طغت خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على المشهد السياسي.

نصرالله: لا بديل من طاولة الحوار

أسبوع جديد من الانتظار في الشأن الحكومي ومعالجة الملفات الداخلية العالقة من خلال الاتصالات الجارية لحل أزمة النفايات التي ربط رئيس الحكومة تمّام سلام بقاء حكومته بها، فيما يعاود المتحاورون اليوم البحث في بقية جدول أعمال طاولة الحوار الوطني بعد أن عرضت في الجلسات السابقة مواصفات رئيس الجمهورية من دون التقدم على هذا الصعيد، كما يستأنف غداً الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة.

ومرة جديدة خرقت مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الجمود السياسي، لترسم صورة للمشهد السياسي على الساحتين الإقليمية والمحلية، وبعد إطلالته في ليلة العاشر من محرم في مجمع سيد الشهداء، خرق السيد نصرالله مجدداً المخاطر الأمنية المحدقة وتحدّى كل التهديدات «الإسرائيلية» والإرهابية في كلمة له خلال إطلالة شخصية بين الحشود الغفيرة في ملعب الراية بالضاحية الجنوبية لبيروت إحياءً ليوم العاشر من محرّم. ودعا السيد نصرالله الفريق الآخر في لبنان لعدم المراهنة على التطورات الإقليمية، مشدداً على أن لا بديل آخر عن طاولة الحوار الوطني القائمة الآن في مجلس النواب، وأوضح أن لبنان خارج اهتمامات الدول وهو متروك لزعمائه ولا أحد في العالم يفرض علينا أي قرار.

وتوجّه السيد نصرالله إلى الفريق الآخر بالقول: «أنتم تمنعون انتخابات الرئاسة، لأنكم تمنعون الممثل الحقيقي للشعب، داعياً إياهم إلى الذهاب للحوار الجدي من دون انتظار أي حوار سعودي – إيراني».

وأعلن الاستمرار في الجهاد ضدّ الحرب الأميركية، وقال: «لا نتنياهو ولا جدّ جدّه سيمنع المقاومة من امتلاك السلاح لمواجهة أي حماقة من اسرائيل». وأضاف «نقول للتكفيريين ولإسرائيل وآل سعود وأميركا: لا نعطيكم بيدنا إعطاء الذليل فنحن أهل الجهاد والمقاومة ولن تهزّنا لا تهديدات إسرائيل ولا التكفيريين». وتوجه إلى البعض بالقول: «نحن حزب ولاية الفقيه سادة عند الوليّ الفقيه».

المعركة الوجودية

وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أن «خطابَيْ السيد نصرالله في ليلة العاشر ويوم العاشر من محرم، يحملان رسائل وأبعاداً متعددة، أولاً الحجم الكبير للعنفوان والتفاعل بين جمهور المقاومة والسيد الذي أثبت أنه قائد من طراز كاريزمي نادر في العصر الحديث، نظراً لقدرته العالية على التفاعل مع جمهوره لا سيما في الخطابين الأخيرين، كما أن العلاقة بين السيد وجمهور المقاومة تحاكي مشهدية من التاريخ للزعماء الكبار مثل تشي غيفارا والرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فضلاً عن أن الإطلالة المباشرة أضفت نوعاً من حيوية استثنائية».

وأضافت المصادر: «ثانياً، لحظة العاشر من محرم جاءت هذا العام مثقلة بالدفء والدماء والتضحية وبذل الشهداء في المعركة ضد الإرهاب والمشروع الاميركي وتكاملت كل الأبعاد لتجعل منها معركة وجودية وحاسمة يقودها حلف المقاومة مدعوماً من روسيا. والأهم أن السيد طمأن جماهير المقاومة على مستوى لبنان والمنطقة بأن الأفق المحتم في هذه المعركة هو الانتصار، وأنه كما هزمنا إسرائيل سنهزم المشروع التكفيري».

وأوضح المصدر أن «العنوان الأهم الذي ميّز الإطلالة، هو شعار الموت لآل سعود، ما يعني أن العلاقة بين حزب الله والسعودية أصبحت في مصاف العلاقة بين حزب الله وأميركا وإسرائيل والإرهاب على المستوى الإيديولوجي كما السياسي، وبالتالي إن نهاية المعركة مع السعودية ستكون إما الهزيمة أو النصر».

أما على المستوى المحلي، فأضافت المصادر: «نصح السيد نصرالله الطرف الآخر بعدم الرهان على أوهام ورهانات، لا على اتفاق سعودي – إيراني ولا مبادرة أميركية أو غربية ولا على إسقاط سورية أو انتصار للسعودية في حرب اليمن، بل إن الاعتبار المحلي هو الحاكم وبالحسابات الداخلية يصنع الحلّ وليس بحسابات الأوهام والرهانات الخاطئة، فالسيد لا يزال يعتبر الطرف الآخر شريكاً في الوطن حتى الآن، وحسم السيد بأن لا تراجع عن العماد ميشال عون كمرشح أقوى لرئاسة الجمهورية وبالتالي أسقط أي رهانات خارجية على فرض حلول على لبنان، بل إن الحوار هو قناة التواصل الأخيرة لصناعة الحلول».

لا مبادرة مصرية

ونفت مصادر عليمة لـ«البناء» ما تردّد في الأوساط السياسية والإعلامية عن مبادرة مصرية لحل الأزمة في لبنان، لكنها أشارت إلى أن هناك متابعة مصرية دائمة للوضع في لبنان، كما استبعدت المصادر أي حل للأزمة في لبنان في الوقت الحالي، بل إن الحل مؤجل، في ظل وصول الحوار الداخلي إلى طريق مسدود وانسداد أفق الحوار الإيراني السعودي».

وأضافت المصادر: «أن روسيا نصحت إيران والسعودية بالحوار والتفاهم، لكن لا مبادرة روسية على هذا الصعيد، لأن الأولوية لدى روسيا اليوم ليست الوضع في اليمن ولا أي مكان آخر بل الأولوية هي الأزمة السورية».

الحكومة تنتظر النفايات وإلا…

حكومياً، لا جديد بانتظار الانتهاء من خطة النفايات التي تتأرجح بين النجاح والفشل بعد ظهور عقبات جديدة أمام اعتماد مطمر في البقاع، بينما الذي حصل كان متوقعاً، فقد عامت بيروت أمس على أنهار من النفايات نتيجة الهطول الكثيف للأمطار التي اختلطت بأشلاء النفايات المكدسة على الطرقات، ما يهدد بكوارث بيئية وصحية.

وإثر ذلك، توجّه ناشطو الحراك المدني نحو منزل الرئيس سلام في وطى المصيطبة بعدما نفذوا وقفة احتجاجية في رياض الصلح احتجاجاً على ما آل إليه ملف النفايات. وأعلن المعتصمون أن أمام الحكومة مهلة حتى نهار الخميس، لحل مشكلة النفايات، تحت طائلة التصعيد.

وعبر وزير الإعلام رمزي جريج لـ«البناء» عن تفهمه موقف الرئيس سلام ودعا القوى السياسية للمساعدة في حل أزمة النفايات وأبدى تخوفه من سقوط الحكومة، محذراً من أن استقالة الحكومة تطرح إشكالية دستورية جديدة تتعلق بدستورية تشريع الضرورة في ظل حكومة تصريف أعمال!».

وإذ أشار جريج إلى أن الحكومة حاجة ماسة في هذه المرحلة بالذات، اعتبر أن القوى السياسية لم تعُد تتحسس هذه الحاجة، لأنها فقدت المسؤولية الوطنية مجدداً التأكيد أن سلام لا يستطيع أن يقف متفرجاً على استفحال أزمة النفايات بل يجب إيجاد حل سريع لها وإلا سيتخذ سلام القرار الذي يراه مناسباً وفي الوقت المناسب».

ولفتت مصادر بقاعية لـ«البناء» إلى وجود عراقيل أمام اختيار موقع لمطمر في البقاع بسبب اعتراض الأهالي بعد اكتشافهم عدم مراعاة هذه المواقع الشروط الصحية والبيئية، وأشارت إلى أن هذا الامر من مسؤولية الدولة وليس مسؤولية القوى السياسية الموجودة في البقاع. ونصحت المصادر الحكومة باعتماد معامل فرز النفايات عوضاً عن المطامر، لأنها لا تؤثر سلباً على البيئة والمياه، فضلاً عن أنها أقل كلفة وتخلق فرص عمل للعشرات من أبناء المنطقة».

الحوار

وفي سياق آخر، تنعقد اليوم جلسة جديدة من الحوار الوطني في المجلس النيابي. وأكدت مصادر تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» أن «التكتل سيتمثل في طاولة الحوار بأحد من أعضاء التكتل مع احتمال حضور العماد عون شخصياً».

وأشارت إلى أن «الحوار بات للحوار وللحفاظ على الأجواء الإيجابية في البلد، ولكن لا نتائج ايجابية متوقعة منه»، ولفتت إلى أن «التكتل سيرى في جلسة اليوم المواضيع التي ستطرح وسيُبدي رأيه فيها».

وأضافت المصادر أن «التواصل بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر يأتي في سياق استمرار الحوار والحفاظ على التفاهمات القائمة وتنسيق المواقف حيال الجلسة التشريعية، ورجّحت أن يكون قانونا الانتخاب والجنسية ممراً إلزامياً لحضور التكتل الجلسة التشريعية المرتقبة، لكنها أشارت إلى أن التيار سيناقش جدول الأعمال في اجتماع التكتل غداً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى