انتصار الإرادات في قمة الأسد ـ بوتين
جمال رابعة
منذ بداية الحرب على سورية حرصت روسيا الاتحادية على تصدير موقف ثابت حيال ما حدث في المنطقة وذلك لأنها أدركت الأهداف المبطنة واليد الأميركية المتغلغلة في الحراك الشعبي الذي تمّ تأطيره بعناوين براقة لاستقطاب الشارع العربي وصولاً إلى الفوضى التي لم تكن غائبة عن الأجندات الأميركية لجهة ما كان يُسمّى أميركياً فوضى خلاقة ومشروع شرق أوسط جديد.
صحيح أنّ المصالح الاقتصادية حاضرة في العلاقات الروسية ـ السورية وهذا ما عبّر عنه الروس أكثر من مرة، لكن جوهر هذا التحالف وأساس تلك العلاقة يستند بشكل مباشر وينطلق من إيمان روسيا الاتحادية بأن ثمة محاولات ومخططات أميركية لا تهدأ لإسقاط النظام في روسيا، فكانت سورية البوابة الثانية… على إثر سقوط جدار برلين. إذ وقع الجانب الأميركي اتفاقاً مع الرئيس الأخير للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف ينص على وقف الزحف الغربي نحو الحدود الروسية على خلفية انضمام عشر دول من الاتحاد السوفياتي السابق الى حلف شمال الأطلسي خلال السنوات العشرين سنة التي مضت.
ما حصل في أوكرانيا اليوم هو نقض لذاك الاتفاق والمضيّ قدماً في تنفيذ مخططاتهم العدوانية على روسيا الاتحادية وما يؤكد ذلك تصريحات المسؤولين الأميركيين المتكرّرة بأنّ روسيا العدو الأساسي لأميركا كانت البوابة الأولى… ومن هنا وبعد تنامي الإرهاب واستثمار الأميركي لأكثر من أربع سنوات في ذلك الإرهاب جاءت المشاركة الروسية العسكرية في سورية، بعد طلب الدولة السورية، لتصبّ في نقطتين الأولى تنطلق من أنّ المحافظة على سلامة الدولة السورية بنظامها ومؤسساتها هي هدف روسي استراتيجي لضمان صلابة البوابة السورية التي يشتغل عليها الأميركي، كثيراً للضغط على روسيا. والثانية فضح الكذب الأميركي في طريقة تعاطيه مع الإرهاب.
وبعد مرور أكثر من عشرين يوماً على العمليات العسكرية وتغييرها لمجرى الميدان السوري، أتت زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو ليس لتظهير استراتيجية التحالف بين البلدين وبحسب بل لإرسال أكثر من رسالة.
الأولى استمرارية العمليات العسكرية قدماً في ضرب الإرهاب وصولاً إلى تصفيته كاملاً، ومن هنا تأتي الرسالة للغرب لتغيير استراتيجيته في هذا الإطار والتعاون الجدي للقضاء على الإرهاب الذي لن يجد إلا ساحات حلفاء أميركا ليهرول إليها وبالتالي ما يشكله من خطر داهم.
الثانية، تتعلق بالحلّ السياسي الذي سيكون نتيجة مباشرة لحيثيات الميدان التي تحضر فيه روسيا بقوة، وبالتالي هي رسالة للأطراف المنخرطة في الحرب السورية للانخراط في جبهة جدية موحدة لمحاربة الإرهاب في سورية، وبالتالي المشاركة في صياغة حلّ سياسي يشترك فيه الجميع وبالطبع برئاسة الأسد، وهذا مدلول الزيارة وبخاصة في هذا التوقيت، ومن هنا نفهم الاتصالات التي أجراها بوتين بعد اللقاء مباشرة.
الثالثة ذات أبعاد جيوسياسية تتجاوز الجغرافية السورية وما يمكن أن تحمله المشاركة العسكرية الروسية من تداعيات عسكرية وأمنية واقتصادية في المنطقة لاتخاذ التدابير والقرار المناسب.
لا بدّ من القول إننا نحن اليوم في عصر جيوسياسي جديد تتجاوز أهميته الجغرافيا السورية، وهذا كان دائماً وأبداً موجود في عقل وذهن الرئيس الدكتور بشار الأسد، وتجلى ذلك بطرحه ربط البحار الخمسة، وتالياً إنه ولأول مرة في تاريخ القوات الروسية تنشأ قاعدة عسكرية خارج البحر الأسود تستعرض روسيا فيها قوتها العسكرية والناتو وواشنطن تنظر بعين الريبة لهذا التحرك.
المؤكد أنّ روسيا تمدّ يد التعاون والتنسيق لشركائها بضوابط روسية سورية، وإلا فالقافلة الروسية ومعها كلّ الحلفاء، مستمرة في مكافحة الإرهاب والتأسيس لحلّ سياسي وفق كيفية القيادة السورية الشرعية وإنْ لم يعجب ذلك أميركا وحلفاءها.
عضو مجلس الشعب السوري