«داعش» و«النصرة»: الاستراتيجية الأميركية المضادّة

عامر نعيم الياس

قطع تنظيما «داعش» و«النصرة» في هجمات متناسقة ومنسّقة طريق إثريا ـ خناصر، استولى «داعش»، الذي توّلى هذه الجبهة، السيطرة على الطريق الذي يمدّ عاصمة الشمال بالمواد الغذائية والذي يعدّ الطريق الوحيد الذي يؤمّن حركة المرور البشري والسلعي من المدينة شبه المحاصرة وإليها. فيما توّلت «النصرة» شنّ هجمات منسّقة هي وبعض الفصائل المنضوية في غرفة «فتح حلب» في محيط الريف الجنوبي والجنوبي الغربي من المدينة لتعطيل الإنجاز المعنوي المنتظر في مطار كويرس شرق حلب، فضلاً عن الهجوم على محور «جمعية الزهراء» عند جامع الرسول الأعظم في مدينة حلب، وهو ما نقل الجيش السوري بعد أقل من أسبوعين على هجومه المدروس والمندفع في ريف حلب الجنوبي والطريق الدولية حماة ـ حلب بإسناد جوّي روسي، على الاستعاضة بالدفاع بدلاً من الهجوم، ومحاولة استرجاع النقاط الني خسرها على إثر حشد تنظيم «داعش» الإرهابي مئات المقاتلين من الرقة للتحضير للهجوم لذي لم يأتِ وليد الصدفة، بل كان ثمرةً للإدارة التركية بالوكالة عن الأطلسي لمعركة حلب منذ سنوات أربع.

إن الحديث عن اتحّاد «داعش» و«النصرة» في حلب وفي جبهة قتال واحدة، ووجود تنسيق عالي المستوى، أفضى إلى نتائج ميدانية سريعة لكن موقتة بكل تأكيد. خصوصاً في ضوء استعادة الجيش حوالى عشرين كيلومتراً من طريق إثريا ـ خناصر، يعكس جملة أمور أهمها، القيادة التركية لمعركة الشمال السوري بالوكالة عن الغرب، وإصرار التركي على الاستمرار في القتال على هذه الجبهة تحديداً حتى النهاية ووفق ما تمليه مصالحه طالما سمحت واشنطن بذلك ضمن «لا قرارها» في الملف السوري. كما أن ما جرى في حلب المدينة وريفها الجنوبي يشير بوضوح إلى الاستراتيجية الأميركية في سورية في مواجهة تداعيات التدخل الروسي والتي تقوم على القاعدتين التاليتين:

ـ انكفاء تحالف واشنطن عن الفعل بحده الأدنى الذي كان قائماً خلال السنة الماضية قبل التدخل العسكري الروسي الجوي في سورية، فعلى رغم أن الغارات الجوية لتحالف أوباما خلال سنة كاملة لم تمنع تمدد «داعش»، إلا أن مستوى الغارات وكثافتها بعد التدخل الروسي تراجع إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.

ـ دعم الميليشيات الإسلامية المرتبطة بالغرب في سورية وفق التقييم التركي السعودي لها، لا وفق الضوابط التي كانت واشنطن قد وضعتها لانتقاء المجموعات التي يجب دعمها، وذلك بهدف امتصاص الهجوم البري للجيش السوري والقوات الرديفة ما أمكن واستغلال ذلك في العملية التفاوضية حول سورية.

يضاف إلى ما سبق أهمية معركة حلب ومركزيتها بالنسبة لكافة القوى المنخرطة في الحرب السورية، فالجميع يعي أن السيطرة على مدينة حلب أو على الأقل استتاب حصار طرف لطرف آخر سيؤدي إلى استمرار الرهان على حدوث نقلة نوعية في ميزان القوى عبر الحصار والاستنزاف.

لقد أثبت تحالف «داعش» و«النصرة» أن الإرهاب في سورية واحد وأن غرفة العمليات التي تقود الجهد الحربي قادرة على توحيد الأعداء اللدودين وما بينهما من بحور للدماء، طالما توافقت القوى الإقليمية المشغّلة بغطاء ورعاية ومباركة من أميركا. وبالتالي، فإن تحالف «داعش» و«النصرة» يلخّص استراتيجية واشنطن والأطلسي، وأنقرة والرياض ضمناً، لمواجهة الهجوم الروسي في سورية وامتصاصه بهدف التهرّب من الاستحقاق السياسي الذي يفرضه التقدّم الميداني للجيش السوري والقوات الرديفة في البر.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى