الشيخ النمر على طريق إمامه الحسين عليه السلام
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
من الحسين نبدأ الذي أصبح قِبلة الثوار والمصلحين.. ونداء المظلومين على مرّ السنين، وهو الذي حطّم بدمائه حاجز الخوف وجعل الناس يواجهون حكام الباطل وسلاطين الجور بكل جرأة وبسالة. كان الحسين عليه السلام نور الله الذي يكشف الحقائق، فهو الجمال الذي يفضح كل قبيح، والإيمان الذي يفضح كل زيف، والحق الذي يفضح كل باطل.. لقد تربّع الحسين على قمة الأخلاق كما تربّع على قمة الشهادة. فهو مدرسة في الأخلاق كما هو مدرسة في الثورة على الظلم حتى تجسدت في كربلاء كل لوحات الجمال من الإيمان والعشق والشهادة والمعرفة والبصيرة والتضحية والفداء والسموّ والثبات والشجاعة والكرم والعطاء والصلاح والإصلاح.. كيف لا؟! والحسين مشروع حضارة، ومنهج انتصار، وراية رسالة، تصدح بالقيم والمبادئ وتعاليم الأنبياء والرسل.
وفي كربلاء كانت المواجهة بين الحق والباطل. بين نفوس أعلى عليِّين مع نفوس أسفل سافلين . فالتقابل فيها كان بين كل الفضائل مع كل الرذائل، وكل الإيمان مع كل النفاق.. لقد كان الحسين عليه السلام رسول الحياة في زمن الموت، ورسول المحبة في زمن الكراهية، ورسول الشهامة في زمن الخذلان، فالفضائل في عصره سُحقت والمكارم مُسخت لذلك قال عليه السلام: «ألا ترون أنّ الحق لا يُعمَل به، وأنَّ الباطل لا يُتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّاً: فإنّي لا أرى الموت إِلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إِلاّ برماً». ولولا قيامة الحسين لظل موت الفضائل والمكارم حاكماً على الناس إلى يوم القيامة.
وعندما يطالبنا الحسين عليه السلام أن ننصره فهو يجيز لنا أن نلبس عمامته وأن نمتشق حسامه وأن نمتطي جواده لنقاوم كل حاكم يجلس على مسند يزيد ونقاتل كل زعيم يركب حصان عمر بن سعد ونواجه كل مسؤول يحمل خنجر شمر بن ذي الجوشن. وقد خطب عليه السلام ذات يوم فقال: «من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يُغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله».
من هنا نأتي إلى قضية سماحة الشيخ نمر باقر النمر الذي صدرت بحقه أحكام إعدام ويُنتظر تصديقها من قبل الملك السعودي. فما الذي فعله الشيخ النمر سوى أنه اهتدى بالإمام الحسين وبثورة كربلاء ووقف في وجه طغاة آل سعود الذين عاثوا في شبه الجزيرة والعالم الإسلامي فساداً ونشروا الفتن والخراب والدمار وما يحصل في سورية واليمن من جرائم أكبر دليل على عَسَف هذه المملكة وطغيانها وإفسادها. وقف الشيخ النمر متحدياً الباطل والجور في بلده. البلد الذي تُمنَع فيه الحريات السياسية والدينية ويُعامَل فيه الناس كعبيد والنساء كجَوارٍ. وقف ليقول للعائلة الحاكمة إن من حقنا أن نعيش أحراراً ومن حقنا أن نحاسب السرَّاق ونكشف الفاسدين. من حقنا أن نطالب بإصلاحات سياسية وبدولة ترعى شؤون مواطنيها على أساس العدل لا أن تستأثر قلة حاكمة بكل الفيء وتصرفه في ملاذّاتها وشهواتها. صرخ الشيخ النمر لأنّه رأى السلطان السعودي مستحلاً لحرام الله والظلم يعم كل المجتمع والقانون لا يطبق إلا على الضعفاء والمساكين فيما الأمراء في حصانة ومنعة من أي مساءلة قانونية وقضائية. استفز كلامه هؤلاء الذي لا يسمعون من أتباعهم سوى المديح فعمدوا إلى اعتقاله وإلصاق التهم بالتحريض الطائفي وهي تهم زائفة باطلة.
السعودية التي مارست صنوف الاضطهاد بحق معارضيها تحاول اليوم إنزال عقوبة الإعدام بحق الشيخ النمر لكن الإعدام لن يكون إلا أسفيناً في نعش هذه المملكة المتهالكة !