محور المقاومة… ومشروع بايدن
رنا معايطه
تُؤكد المعطيات والمؤشرات كافة المتداولة في المطبخ والتحليل السياسي، في ظلّ الحوادث الاخيرة، على نحو لا يقبل الشك أنّ العراق اليوم يتعرّض لأخطر وأشرس مؤامرة تستهدف النيل من وجوده أرضاً وشعباً وحضارة وماضياً ومستقبلاً. قد وُضعت الرقاب على السكين بأيدٍ دولية وإقليمية ومحلية، تشارك بشكل أو بآخر في هذة المؤامرة، التي ما هي الا جزء أساسي من مشروع بايدن، السيّئ الصيت، لتقسيم العراق ثلاث دويلات على أسس طائفية ومذهبية وإتنية كرديه، سنّية، شيعية ورسم خريطة جديدة للمنطقة على نحو يتطابق مع الحلم والرغبة والمصلحة الصهيونية… وخلق وجه جديد للمنطقه يخلو من أي مقاومة، فالصراع العربي ـ «الإسرائيلي» أصبح بات من قصص جدتي!
البداية كانت مع إعلان استقلال إقليم كردستان، فالأكراد وبخطى متسارعة، وبدعم تركي، استكملوا كافة أركان دولة مهابادا الكردية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وبشرياً. وتوافر هذا الدعم التركي الخطير لتتمكن تركيا من وضع اليد على أكبر موارد النفط العراقي وأغناها، وتحويل الشمال العراقي قاعدة اقتصادية متينة بمدّ خط أنبوب لتصدير النفط العراقي عبر أراضيها إلى أوروبا، وبذلك تصبح تركيا البوابة الكردية نحو العالم…
في المقابل، حصلت تركيا على ضمانات من الجانب الكردي بحلّ مشكلة عناصر حزب العمال الكردستاني واحتوائهم وإسكانهم في شمال العراق، كي يصبحوا جزءاً من المكوّن الكردي وتأمين واقع سكاني يتلاءم مع المعادلة الجديدة لدولة العراق. وما يحدث الآن في المحافظات العراقية ذات الغالبية السنية وتحت مُسمّى «الانتفاضة السنية والربيع العربي العراقي» ما هو إلاّ تحضير لإعلان الدولة الثانية بحسب المشروع، هي الدولة السنية. وما تبقى من الأرض سيكون للدولة الثالثة، الدولة الشيعية، بالإضافة الى العاصمة بغداد ذات المصير المجهول إلى الآن، وقد تكون الأقرب إلى الدولة الشيعية…
المشروع المدعوم أميركياً و»إسرائيلياً»، لا بدّ من أن يُواجَه بشكل سريع وحاسم جداً، فالأكذوبة الأميركية حول ضرورة المحافظة على وحدة الأراضي العراقية، ليست سوى شعارات رنانة ومحاولة لكسب الوقت ومنح أكبر قدر منه لأدواتها كي تنفذ المشروع. قد يكون إصدار الفتوى المرجعية على هذا النحو الواضح والسريع خير مثال على بداية التحرك لمحور المقاومة.
يأتي هذا التحرك من قبل أهم ضلع من مثلث محور المقاومة ايران ، فإصدار فتوى مرجعية بهذة السرعة وبهذه الطريقة لا يتمّ إلاّ في الحالات القصوى والضرورية جداً، فآخر فتوى مرجعية من هذا النوع صدرت عام 1918 للتصدي للاستعمار البريطاني. وها نحن نشهد فتوى أخرى وصريحة بالتصدي لاستعمار جديد بوجه عربي وفكر تكفيري.
إنّ تصريحات السيد حسن نصر الله الأخيرة حول أن زمن تدنيس المقدسات قد ولى هو بمثابة تحرّك للضلع الثاني من مثلث محور المقاومة للتصدي. هنا قد يظهر أحد الأصوات الخبيثة التي تريد الاصطياد في الماء العكر. إذن هو تصدّ عقائدي وطائفي شيعي وسني وليس تصدّياً من قبل المقاومة؟ ونردّ ونتساءل بالخبث نفسه: ألم تترافق فتوى المرجعية الدينية وتصريحات السيد مع احتلال محافظات عراقية ذات غالبية السنية؟ وهل إعلان «داعش» إقامه إمارة إسلامية في محافظه نينوى أو كما اسموها «إمارة نينوى» لهو إعلان طائفي يُمثل فكرهم التكفيري! ولعلّ البعض نسي أو تناسى أن الفكر التكفيري الذي يحمله «داعش» يكفر الشيعة والسنة على حدّ سواء، فمن ليس على مذهبهم فهو كافر. العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري على حدوده مع العراق يندرج أيضاً في تحرك الضلع الثالث للمثلث، للحدّ من تمدّد تلك الميليشيات والعودة مرة أخرى إلى الداخل السوري… إنّ تحرك الأضلاع الثلاثة في مثلث محور المقاومة، كلّ على طريقته والهدف واحد، وضع داعش الى حد ما بين فكي الكماشة. المرحلة المقبلة مفصلية بين محور المقاومة وأصحاب مشروع بايدن. وباتت القضية قضية وجود لكلا الطرفين، فهل ستجمع الحوادث العراقية الاخيرة بين قطب الممانعة والمقاومة إيران وقطب مشروع بايدن أميركا للتعاون ووضع اليد باليد لكبح الهجوم «الجهادي الداعشي»، والحيلولة دون قيام دولة «جهادية» في قلب الشرق الأوسط التي تكون بمثابه كرة نارية لا تبقي ولا تذرّ! جميعنا مسؤولون، كلّ بحسب موقعه، والتاريخ لن يرحم من باع الوطن وجعله لقمة سائغة في أفواه المتآمرين. وليعلم الجميع أنّ الوطن لا يقبل القسمة إلاّ على نفسه.