أميركا في العراق وسورية: فخّ أو انعدام رادع؟

هلا دواي

يستمرّ المشروع الأميركي في الزحف عبر أدواته في المنطقة، مستنزفاً الدول العربية الواحدة تلو الأخرى، مسترخصاً أرواح المواطنين العرب بذرائع لا منطق فيها ولا تفسير، فتارة بذريعة نشر الديمقراطية، وتارة أخرى بذريعة نزع السلاح الكيماوي المزعوم، وطوراً بذريعة نشر الحرية، أو حتى تحت عنوان «نشر الإسلام الجديد»!

فشلت أميركا في لبنان سابقاً عبر محكمة الحريري التي قلبت الرأي العالمي على سورية وحزب الله، وفشلت لاحقاً في حرب تموز، وفشلت في العراق بخروجها منه، وفشلت في سورية بإسقاط النظام والرئيس، فغيّرت حديثاً الطاقم الاستخباريّ عبر إزاحة بندر بن سلطان المسؤول الرسمي عن مشاريعها في المنطقة وظن البعض أن بإزاحته ستتبدل السياسات وستتغير الرؤى في الاتجاه نحو الحلّ، إلاّ أن ما حدث كان أعظم، كما ظن البعض سابقاً أنه بتغيير الأمير القطري وتسليم ابنه مكانه ستتغير السياسة القطرية وستنسحب من حربها ضدّ سورية، إلا أن ذلك ما كان سوى ذرّ للرماد في العيون وواجهة إعلامية ملغومة، فسياسة الدولة لا تتغير بتغير الأشخاص أو القياديين فيها، إنما بتغير أنظمتها وعلاقاتها وارتباطاتها الخارجية.

عاد المشروع اليوم الى العراق عبر النافذة السورية بالأسلوب نفسه والعناصر ذاتها. والأدوات هي «داعش» أو ما يمكن تسميته بتنظيم «القاعدة» ذي التمويل والتسليح السعوديين المعروفين في العالم أجمع، فالمخطط الذي بدأ في سورية لم ينتهِ فيها، ليس لأنه اكمل مهمته بنجاح بل لعدم توافر ظروف نجاحه وانعدام البيئة السياسية والاجتماعية والطائفية الحاضنة له، وانتقل عبر الطريق من سورية الى العراق ذي البيئة الأكثر ملائمة لهذا النوع من التنظيمات المسلحة والأكثر استغلالاً لفرص شقّ وحدة الصف العراقي بما يحويه من تشتت وفتنة طائفية وتفجيرات وسيارات مفخخة وآبار نفط مستباحة تجلب ملايين الدولارات لهذه التنظيمات الارهابية، بالإضافة إلى العمالة المستشرية لدى أصحاب النفوس الرخيصة التي ارتضت لنفسها أن تسلم أسلحتها ومناطق سيطرتها الى تنظيم «داعش». الى جانب هؤلاء يظهر عزت الدوري متحالفاً علنا مع «داعش» ومنقلباً على الفكر المقاوم العروبي الذي انتهجه لسنوات، لاحقاً بركب السياسات الأميركية الاستعمارية في المنطقة وربما كانت الأسباب الآتية سببا في انقلابه:

سياسة المالكي الحكومية المتبعة التي أثارت نقمة ضدّه في الأوساط الشعبية والطائفية وازدادت بعد فوزه في الانتخابات.

استطاعت السعودية وتركيا أن تشتري الدوري بالاموال من خلال اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي، في مقابل ما يسمونه بالمحور الشيعي الذي لعب دوراً في حوادث العراق.

استمرار التفجيرات وأنهار الدماء في المناطق العراقية وعدم قدرة المالكي على اتخاذ خطوات تمنع الفتنة وتوحّد الصف العراقي.

يبقى السؤال: لماذا لم يحد عزت الدوري او غيره مصلحته مع محور المقاومة؟ وما هو التقصير الذي أدى به في المقلب الآخر؟ وما هي الفرص التي لم يحسن محور المقاومة استغلالها لكسب المزيد من اتباع النظام السابق؟ فهل أخطأ بتركيزه على المنتمين إلى طائفة معينة دون سواها؟ وهل أخطأ المحور بدعمه للمالكي رغم جميع المآخذ العراقية عليه وعلى سياسته الحكومية؟

من ناحية أخرى، ما يثير القلق محاولة استمالة أكراد العراق إلى جانب المشروع الداعشي السعودي التركي لاستكمال السيطرة على بلاد الشام، بعدما كان الأكراد لفترة طويلة في صراع مع الأتراك وشكلوا خطراً حقيقياً على الداخل التركي، نستطلع اليوم وعوداً بدولة كردية لحزب العمال الكردستاني، فهل هي وعود حقيقية؟ وهل سترضى تركيا بالدولة الكردية على حدودها ام هي محاولة للتخلص من حزب العمال باصطدامه مع «داعش» وتركهما ينهيان أحدهما الآخر مستقبلا؟

تسعى أميركا اليوم من خلال تبادل الأدوار مع حلفائها تركيا والسعودية الى عودة الأميركي على نحو مباشر أو غير مباشر الى العراق كواجهة لإيقاف الحرب الطائفية المقبلة فيه بعدما أعلن النفير العام من قبل القيادات العراقية كافة لمواجهة تنظيم «داعش» الذي سيطر على عدة محافظات عراقية، أو بحجة منع «داعش» من الزحف في اتجاه باقي المناطق العراقية، وهذا ما تريده أميركا سراً وتحاربه علناً فتطرح نفسها بذلك بموقع المدير للعملية والداعي إلى إعادة السلام. المشهد السوري نفسه يعيد تكرار نفسه في العراق، لكن هذه المرة ستكون العاقبة وخيمة وأخطر بعد تصريحات إيرانية محذرة من أنها لن تسكت وسترد رداً قوياً حازماً على هذا التصعيد.

بالتالي، هل سيقابل تدخل الأميركي في العراق مرة أخرى رد إيراني بالدخول في مواجهة مباشرة؟ أعتقد أن الأمر سيقتصر على الحروب بالوكالة، فلا مصلحة لأحد في أن يحارب بجيوشه طالما هنالك ذوو نفوس رخيصة ترضى بأن تحارب بنفسها ودمائها ضد أشقائها العرب لمصلحة الأجنبي!

بعد هذه المخططات المستمرة التي توالت بعد كل خسارة للمشروع الأميركي، خاصة في آخر معاركهم أمام الصمود القوي للشعب السوري ميدانياً ودستورياً، لم يتعلم الأميركي شيئاً من درس الساحة السورية، بل انتقل بالمخطط نفسه إلى العراق، فهل تباطأ المشروع المقاوم في اتخاذ خطوات جدية؟ أم سعى إلى دفع الأميركي دفعاً نحو رمي أوراقه كلها في اللعبة؟ وهل كان على حلف المقاومة التفكير في نظرة استراتيجية مسبقة إلى المكان الذي سينتقل إليه الأميركي والقيام بخطوات احترازية للوقاية من آثار هذه النقلة؟ أم كان فخاً وضعه الإيراني للأميركي للغوص في الرمال العراقية وإنهاء حالة «داعش» التي عاثت فساداً وكفراً وترهيباً في المنطقة، وضرب عصفورين بحجر واحد؟

من ناحية أخرى، هل هدف الفخ الإيراني في العراق إلى الإفادة من نتائج الحرب على سورية لمواجهة حالة «داعش» بتوحيد الصف العراقي الداخلي المفكك طائفياً، خاصة بعدما لاقت هذه الحالة الإرهابية الهمجية تأييداً من المشيخات والحكام الخليجيين صانعيها؟ بالتالي هل تظن هذه الدول المتآمرة أنها في منأى عن وصول «داعش» إليها والتضحية بها في أي تسوية أميركية ـ إيرانية مقبلة؟ وهل ستدرك أخيراً أن العراقيل التي تضعها أمام التسوية بين الأميركي والإيراني ستجعل منها كبش الفداء وستجرّ عليها الويلات والخراب ويعود النفع في الحالات كلّها إلى الأميركي؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى