خيارات واشنطن في العراق كلها سيئة ومحاولاتها تعويض خسارتها بتغيير المالكي غير قابلة للتنفيذ وتصطدم بالتبدلات الحاصلة في غير مصلحتها
حسن حردان
على رغم قرار إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إرسال مستشارين إلى العراق لمساعدة الجيش العراقي في مواجهة تنظيم داعش الارهابي والاستعداد لتوجيه ضربات جوية إذا لزم الأمر، فإنه تسود قناعة في واشنطن بأن الخيارات أمامها باتت كلها سيئة، وهذه الخيارات محصورة بثلاثة هي: توجيه ضربات جوية من دون مشاركة جنود أميركيين في القتال على الأرض، أوالتحالف مع إيران، أو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، حسبما اقترح نائب الرئيس جو بايدين خلال فترة احتلال العراق.
وهذا يعني أن أوباما أمام ورطة، فهو يواجه تحدياً في منتصف ولايته الثانية مشابهاً للتحدي الذي واجه سلفه جورج بوش الذي صنع كارثة العراق بعد أن أمر بغزوها، من دون تأمين القوات الكافية لاحتلاله، و من دون خطة مدروسة لإعادة إعماره، في حين حل الجيش العراقي والحكومة من دون أن يحل أحد مكانهما حتى بات العراق بحلول 2006 على شفا حرب شاملة، وعلى رغم ذلك لم يقبل الاعتراف بالهزيمة.
وها هو أوباما يسعى للخروج من المأزق الذي وجدت واشنطن نفسها فيه، عبر محاولة تعويض خسارتها بتوظيف تقدم داعش على الأرض لاعادة تعزيز النفوذ الأميركي في العراق، غير أن هذه المحاولة تبدو صعبة التحقق في ظل التبدلات الحاصلة في المشهد الحالي في العراق والمنطقة والعالم، والتي لا تصب في مصلحة السياسة الأميركية. ولهذا فإن سعي إدارة أوباما لمقايضة دعم العراق ضد داعش بإيجاد بديل لرئيس الوزراء نوري المالكي وحكومته، لا تلقى آذاناً صاغية من قبل المالكي والأطراف العراقية الوازنة، التي سارعت إلى طي خلافاتها جانباً، وتشكيل وحدة وطنية للتصدي لخطر داعش كأولويّة تتصدر جدول الأعمال على أي أولوية أخرى. هذا المناخ يجعل المناورات السياسية التي تقوم بها واشنطن لتغيير المالكي عبر شخصيات سياسية موالية لها غير قابلة للتنفيذ، ما يكشف أن تستّر أميركا ومعها السعودية خلف إدعاء الحرص على تمثيل السنّة العراقيين في الحكومة لا يعدو في حقيقته محاولة للاتيان ببعض الشخصيات التابعة لهما، والتي لا تملك وزناً تمثيلياً في الشارع، فهي من صنيعة الاحتلال وعمدت إلى توفير الغطاء له عندما كانت المقاومة العراقية تخوض حرب تحرير العراق من وجود قوات الاحتلال الأميركية.
في ظل هذه المعطيات يُطل خطر تقسيم العراق من البوابة الكردية، حيث الأحزاب الكردية التي شكلت حصان طروادة للولايات المتحدة في السيطرة على العراق، وتوفير الغطاء لاحتلالها له إلى جانب قوى عراقية أخرى مقابل وعد أميركي بمساعدتها على اقامة دولة كردية، وهذا ما يفسر حرص الحاكم الأميركي في زمن الاحتلال بول بريمر على جعل محافظة كركوك منطقة متنازع عليها، في الدستور العراقي الجديد، لتغذية فكرة تقسيم العراق.
هذا التوجه الأميركي هو المسؤول اليوم عن محاولة وضع العراق أمام خيارين: الدفع به نحو التقسيم أو القبول بالشروط السياسية لواشنطن التي تستهدف إعادة انتاج نفوذها للتأثير في سياسة العراق بما يحول دون استمرار تراصفه إلى جانب الحلف السوري – الإيراني المقاوم لمشاريع الهيمنة الأميركية.
على صعيد آخر، تزداد الوقائع والمعطيات التي ئؤشر إلى أن مصر دخلت في مرحلة الانشغال في معالجة الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور في البلاد، والحكم الجديد قرر في ما يبدو قبول مساعدات خليجية وخبرات إماراتية لإجراء إصلاحات اقتصادية لتطوير القطاع الخاص وإدارة ملف الديون، ومن ضمنها رفع الدعم عن الوقود، الأمر الذي يطرح التساؤل عما إذا كان ذلك يندرج في سياق الاستجابة لشروط الامارات والسعودية والكويت لتقديم مساعدات مالية تقدر بـ16 مليار دولار؟. فمن المعروف أن رفع الدعم أحد الشروط التي يضعها صندوق النقد الدولي للموافقة على تقديم القروض للدول. وهو ما شكل أساساً لاحتجاجات شعبية ضد حكومة الرئيس المعزول مرسي، وكان مرفوضاً من قبل الحكومة الانتقالية التي تسلمت مقاليد الحكم بعد ثورة 30 حزيران.
إلى ذلك، يبدو أن حزب النهضة التونسي قد أخذ العِبر والدروس من تجربة الأخوان المسلمين في مصر وليبيا، وقرر عدم سلوك الطريق الذي أدى إلى تنفير المصريين من حكم الإخوان والثورة ضدهم، فقرر اعتماد استراتيجية تقوم على عدم التفرد بالحكم حتى ولو امتلك حزبه غالبية 51 في المئة من المقاعد في البرلمان واعتماد بدلاً من ذلك صيغة تسوية مع الأطراف السياسية الأخرى حتى لا يصل إلى مرحلة يفقد فيها كل شيئ.