قصّة نتنياهو الخيّالية عن هتلر والحسيني… بين التصديق والسخرية!

ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق

ضجّت وسائل الإعلام الغربية والعبرية مؤخّراً، بتصريح رئيس وزراء كيان العدوّ الصهيوني بنيامين نتنياهو الذي أدلى به في كلمةٍ أمام المؤتمر الصهيوني، والذي تضمّن ادّعاءات مفادها أنّ مفتي القدس في أربعينات القرن الماضي أمين الحسيني، هو من أوحى لزعيم النازية أدولف هتلر بأن «يحرق اليهود» في أوروباً بدلاً من طردهم.

هذا التصريح أثار موجةً من السخرية، لا سيما في أوساط المؤرّخين، وفي أوساط معارضي نتنياهو. بينما ذهبت صحف غربية إلى السير في محاذاة الموضوع لا الغوص فيه، معتمدة في تحليلاتها على مصادر… عبرية.

لا شكّ أن نتنياهو، كغيره من الصهاينة، يتشبّث بأيّ أمرٍ من شأنه أن يدين الفلسطينيين ويصوّرهم مصدراً دائماً للإرهاب.

وهنا تحضرني حكاية الذئب والحمل للافونتين، والتي تقول إنّ ذئباً كان في أعلى تلّ ينحدر منه نهر صغير، فأبصر في أسفل التلّ حملاً يشرب. ذهب إليه وقال له: «لماذا عكّرت مياه النهر، ألم ترني أشرب في أعلى التلّ؟». فأجاب الحمل أن المياه تنحدر نزولاً لا صعوداً، وعليه، إن المياه العكرة لا يمكن أن تصل إلى الذئب في أعلى التلّ. فانبرى الذئب قائلاً: «إذاً، أنت تعارضني؟»، ووثب عليه وافترسه.

حتماً، يبقى الصهاينة كالذئب لدى لافونتين، يحتاجون إلى أيّ ذريعة لاحتلال فلسطين وقتل أهاليها. وحتماً، لن يكون الفلسيطينيون حملاناً ينتظرون ذبّاحيهم ليجدوا ذريعةً لقتلهم.

في هذا التقرير، مرور على مقالات عدّة نُشرت حول قصّة نتنياهو الخيالية، وفيها يتبيّن لنا مَن يكذّبه ويسخر منه، ومن يصدّقه

لا أدلّة قاطعة

كتبت صحيفة «إندبندنت» البريطانية:

يتعرّض نتنياهو لحملة انتقادات واسعة بعد ادّعائه أن «ملحمة الإباد»ة هي نتيجة إلهام فلسطينيّ.

في القدس، انضمّ كثيرون من المؤرخين والسياسيين المعارضين «الإسرائيليين» إلى الفلسطينيين في شجبهم تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي يقول فيها إن المفتي الفلسطيني ـ مفتي القدس ـ أثناء الانتداب البريطاني أمين الحسيني، هو من أوحى لهتلر بإبادة اليهود الأوروبيين خلال الحرب العالمية الثانية.

وقال نتنياهو في كلمته أمام المؤتمر الصهيوني: «إن هتلر لم يكن ليريد أن يبيد اليهود، بل كان يخطّط لطردهم فقط. فما كان من مفتي القدس الفلسطيني الحاج أمين الحسيني إلا أن اعترض على هتلر، محرّضاً إياه على إبادتهم لئلا يأتون إلينا هنا، أي إلى فلسطين».

«إذاً، ما الذي تقترحه في هذا الخصوص؟»، يقول نتنياهو إن هتلر سأل المفتي الحسيني الذي بادره مجيباً: «أحرقهم». ولم يصف نتنياهو ردّ فعل هتلر، لكن يمكننا أن نتخيل ردّه التالي: «واو!!! كيف لم أفكر بعد بهذا».

واعتبر البروفسور مائير ليتفاك، وهو مؤرخ في جامعة «تلّ أبيب» أن خطاب نتنياهو «كذبة» و«وصمة عار». أما البروفسور موشيه زيمرمان، وهو متخصّص في التاريخ الألماني في الجامعة العبرية، فيقول: «وبهذا، ينضمّ نتنياهو إلى طابور طويل ممّن نطلق عليهم صفة منكري المحرقة».

وكان إسحق هرتزوغ، زعيم المعارضة في البرلمان «الإسرائيلي»، يقول إنّ هذا يشكل تشويهاً تاريخياً خطيراً، وطالب نتنياهو بتصحيحه على الفور.

حتى أن موشيه يعالون، وزير الدفاع والعضو البارز في حزب نتنياهو «الليكود»، قال في مقابلة إذاعية: «التاريخ في الواقع واضح جداً جداً». وأضاف: «بدأ هتلر الأمر، ثمّ انضمّ اليه الحاج أمين الحسيني».

وقد ترافق هذا الجدل مع أسابيع مريرة من العنف المتصاعد إذ اتهم نتنياهو وغيره من القادة «الإسرائيليين»، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالكذب، تحديداً في ما يتعلق بالإجراءات «الإسرائيلية» المتخذة في المواقع المقدّسة المتنازع عليها في البلدة القديمة.

ويسعى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون إلى تهدئة الخواطر، وهو الذي زار كلاً من نتنياهو وعباس الأسبوع الماضي. وقال متحدثاً خلال مؤتمر صحافيّ في رام الله في الضفة الغربية: «إن التحدي الأكثر إلحاحاً لدينا وقف موجة العنف، وتجنّب خسارة المزيد من الأوراح».

وقد وُضع أداء الرئيس عباس تحت المجهر عندما ادّعى زوراً أن القوات «الإسرائيلية» أعدمت طفلاً فلسطينياً في الثالثة عشرة من عمره كان قد هاجم «الإسرائيليين» بسكين يحمله، وذلك بعد نقل هذا الطفل حيّاً إلى مستشفى «إسرائيلي» للعلاج.

وكان الرئيس عباس قد تعرّض لسيل من الشتائم باعتباره منكراً للمحرقة في كتاب أصدره يتضمّن تحدّياً صارخاً حول عدد القتلى اليهود، فضلاً عن اتهامه الصهاينة بالتواطؤ مع النازيين بهدف دفع المزيد والمزيد من اليهود إلى فلسطين حينذاك. لكن نتنياهو تغاضى عن التصريح الذي كان قد بدر عن عباس السنة الماضية، مؤكداً أن «الهولوكوست» أبشع جريمة ارتكبت ضدّ الإنسانية في العصر الحديث.

وكان صائب عريقات، أمين عام منظمة التحرير الفلسطينية قد قال الأسبوع الماضي: «إن تصريحات نتنياهو المؤسفة قد عمّقت جذور الانقسام»، وأضاف مستنكراً هذه الاتهامات بأنه لا يمكن الدفاع عنها أخلاقياً فنتنياهو يلوم الفلسطينيين على المحرقة والإبادة الجماعية البشعة التي قام بها هتلر بحق الشعب اليهوديّ. إنه ليوم محزن في التاريخ أن يكره رئيس الحكومة «الإسرائيلية» جيرانه بينما نراه مستعداً لتبرئة أكبر مجرم حرب عرفه التاريخ. ونتنياهو الذي كان قد اعتبر أن المفتي أحد القادة المهندسين «للحلّ النهائي»، دعا في تصريح له إلى اعتبار الانتقادات الموجهة إلى خطابه على أنها «سخيفة».

«لم أكن أنوي تبرئة هتلر وإعفائه من مسؤوليته تجاه هذه المأساة»، يقول نتنياهو بعد مغادرته «إسرائيل» إلى ألمانيا للقاء المستشارة آنجيلا ميركل. ويضيف: «إنما قصدتُ تبيان حقيقة أسلاف الشعب الفلسطيني، الذين قبل أن يدّعوا سرقة وطنهم منهم، وقبل حدوث ما يصفونه بالاحتلال، والحرمان من الأرض وبناء المستوطنات، هم قبل كلّ ذلك، كانوا يسعون إلى التحريض المنهجي لإبادة اليهود».

«كان هتلر مسؤولاً عن إبادة ستة ملايين يهوديّ هو من اتخذ القرار، لكن من السخف تجاهل الدور الذي لعبه المفتي الحاج أمين الحسيني الذي يُعتبر مجرم حرب، لتحريضه هتلر وتشجيعه على القيام بذلك»، يضيف نتنياهو.

ويصرّ نتنياهو على أنه يقول لوزير الخارجية الأميركية جون كيري الطلب من عباس الكفّ عن سياسة التحريض التي تعتبر مصدراً للكثير من الهجمات العنفية في الأراضي المقدّسة.

ووصف المؤرّخ «الإسرائيلي» والمعلق المعروف السابق في صحيفة «هاآرتس» العبرية، توم سيغيف، تصريحات رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو واتهاماته مفتي فلسطين العام أثناء الانتداب البريطاني الحاج أمين الحسيني بأنه من أقنع الزعيم النازي الألماني هتلر وأعطاه فكرة التخلص من اليهود بحرقهم، بأنها «حكاية خيالية وهي آخر ما نحتاج إليه».

حاول المؤرّخون ولسنوات طويلة تحديد الوقت والكيفية التي توصل فيها أدولف هتلر إلى اتخاذ قرار إبادة يهود أوروبا. ومن بين الألغاز التي رافقت تاريخ الحرب العالمية الثانية، كانت هذه واحدة من أكثر الأمور غموضاً.

وكان البريطانيون هم الذين عيّنوا الحاج أمين الحسيني عام 1921، وأعطوه لقب «المفتي»، وهي سلطة دينية وسياسية بين الفلسطينيين العرب. وبناءً على قاعدة «عدوّ عدوّي هو صديقي»، حاول المفتي الحصول على دعم من ألمانيا النازية، ومقابل ذلك دعم الحرب بما في ذلك إبادة اليهود.

ويذكر أن كل الحكومات «الإسرائيلية» استخدمت «الهولوكوست» في النقاش السياسي، وقورن كلّ القادة العرب منذ عام 1948 بهتلر. كما قارنت كل الدول العربية «إسرائيل» بالنازية. ورفض العرب دائماً الاعتراف بأن «الهولوكوست» جزء مهم في الهوية «الإسرائيلية». وهذا أمر مؤسف، إذ إن من لا يفهم حقيقة عدوّه، فلن يتمكن من عقد سلام معه.

واستخدم نتنياهو هذا الكلام الطنّان في خطاباته الملتهبة ضد الاتفاق النووي الإيراني، خصوصاً في خطابه أمام الكونغرس الأميركي وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقصة المفتي ليست جديدة عليه… «فإضافة إلى لقائه مع هتلر، جلس المفتي مع أيخمان وخرّب عملية لنقل الأطفال اليهود من شرق أوروبا إلى فلسطين. وكان من المفترض أن يقدم إلى المحكمة مع باقي مجرمي الحرب، فتصرّفه ما زال فصلا مثيراً للخزي في التاريخ الفلسطيني».

ومع كلّ ما تقدّم، لا أدلة قاطعة تقترح أن المفتي قد لعب فعلاً أي دور في قرار إبادة اليهود. فقد كتب برنارد لويس في كتابه: «الساميون والمعادون للسامية»: «يبدو أن النازيين لم يكونوا بحاجة إلى تشجيع إضافيّ من الخارج».

كما أنه من المشكوك فيه تنظيم زيارة للحسيني إلى غرف الغاز في أوشوفيتز أثناء عملية الحرق. وفي الحقيقة، فإن لقاءه بحسب ما تثبت المصادر العربية والألمانية لم يكن جيداً بالنسبة إلى المفتي الذي كان يريد تصريحاً واضحاً لدعم الحقوق الوطنية الفلسطينية: أي وعداً ألمانياً يشبه وعد بلفور «فقد رفض هتلر توقيع أيّ وثيقة. ووافق الحسيني بسذاجة على التقاط صورة له مع هتلر وهي التي ظلت تلاحق القضية الفلسطينية منذ ذلك الوقت».

ويقول سيغيف: أظهر دعم المفتي للنازيين الألمان شرور القومية المتطرفة. لكن العرب لم يكونوا هم وحدهم من تعامل مع النازية. ففي نهاية عام 1940 وقبل أن يصل «الهولوكوست» إلى ذروته في معسكرات الإبادة، اتصلت منظّمة صهيونية إرهابية هي «مقاتلون من أجل حرّية إسرائيل»، وعرفت أيضاً بِاسم عصابة «شتيرن» مع ممثل النازيين في بيروت، حيث أملت في الحصول على دعم في كفاحها ضد البريطانيين. وكان أحد أعضاء العصابة في السجن البريطاني وهو إسحق شامير، رئيس الوزراء «الإسرائيلي» لاحقاً.

ويختم سيغيف معلّقاً أن الحوار المختلق بين الحسيني وهتلر ـ والذي قدّمه نتنياهو ـ جاء في لحظة حسّاسة تندلع فيها موجة جديدة من الإرهاب الفلسطيني، وسط تزايد حالات الخوف والكراهية في «إسرائيل» والمناطق الفلسطينية. ولهذا فإن إدخال «الهولوكوست» مرة أخرى زاد الأمور تعقيداً، على رغم أن هذه اللحظة تستدعي قيادة مسؤولة ولغة منضبطة، وآخر ما يحتاجه الوضع الحالي حكاية خيالية ملفقة عن هتلر والمفتي.

حرب نتنياهو ضد الحقائق

كتب يوسي فيرتر في «هاآرتس» العبرية:

احتاج الأمر تعقيباً في «فايسبوك» من قبل نتنياهو. تصريح نصف معتذر ونصف مدافع، على متن الطائرة التي في طريقها إلى برلين ومقابلة سلبية تهجمية للبغاء عضو «الكنيست» تساحي هنغبي لتبرير السقوط المخزي للحقائق في الموضوع الاكثر أهمية بالنسبة إليه: الكارثة. وهذا لم يساعد فقط، إنما أضاف إلى الخجل والخزي، واضطر متحدّث حكومة نتنياهو إلى الاعتراف مرة أخرى بالمسؤولية عن دفع النازيين لقتل ستة ملايين يهودي، الأمر الذي أعطى الذخيرة لأعداء «إسرائيل» وكل من ينكر الكارثة.

إن آخِر من تعامل بجدّية مع أقوال نتنياهو، اجتماع مؤتمر الكونغرس الصهيوني. أما باقي العالم المتنوّر، فإن الكلمات ستُقبل كما هي: محاولة سخيفة لتشويه تاريخ الحرب العالمية الثانية من أجل الدعاية الشفافة وإظهار أبي مازن وكأنه يحب النظرية النازية لمفتي القدس. وإن كانت هذه المصلحة التي تتداخل مع ضائقة سياسية لحظية لنتنياهو أمام اليمين، فيجب تبييض حلم أدولف هتلر وتصميمه على تدمير يهود أوروبا.

بحسب رأي رئيس حكومة «إسرائيل»، وهو ابن مؤرخ، فإن ثمناً يجب دفعه. أمس في المؤتمر الصحافي الذي عقده نتنياهو مع آنجيلا ميركل، تراجع بشكل كبير وقام بتليين أقواله في السابق، إذ ظهر مضروباً وعليه علامات اللكمات.

حتى كتابة هذه السطور لم يظهر أيّ مؤرخ جدّي أو خبير معروف لكي يؤيد ما قاله نتنياهو إن الحاج أمين الحسيني هو الذي أقنع هتلر بفكرة القضاء على اليهود في أوروبا. يمكن أن يكون الحسيني قد أيّد أو شجّع أو أدّى التحية لهتلر، لكنه ليس المسؤول عن هذا الأمر. هذا ما يقوله كل الخبراء ويتفقون عليه، وليس واضحاً من الذي استهدفه نتنياهو بهذه الأقوال وما هو الإنجاز من وراء ذلك. العالم يؤيد الفلسطينيين بشكل كبير ويتعامل معهم على اعتبار أنهم الضحية. لكن من لا يؤيدهم سيعتبرهم مثل النازيين.

مكتب رئيس الحكومة قام بتوجيه كل من سأل لرؤية شهادة أحد قادة النازيين، نيري بيرغ ـ وكأن روايته لها مصداقية واستقامة ودقة في كل ما يتعلق بخطوات هتلر في بداية الاربعينات من القرن الماضي. وبحسب هذا المنطق المغلوط، يفترض أن نتفهم ما يقوله النازيون ومساعدوهم، إذ يعتبرون أنفسهم نفّذوا الأوامر عندما استخدموا ماكينة الحرق في المعسكرات في أوروبا.

سخرية الأمر تكمن في أن نتنياهو قال هذه الأقوال في خطاب اعتبره خطاب «الأكاذيب العشر» للفلسطينيين. وفي نهاية المطاف أشار إلى أن «إسرائيل» تحارب الإرهاب. «أعتقد أن الحرب الكبرى التي يجب علينا أن نخوضها هي الحرب على الحقائق». حول الحقائق أو بالحقائق.

نتنياهو هو الخطر الوجوديّ

كتب جابريئيل شتيرمان في «هاآرتس» العبرية:

الأمر الذي يقلق الرأس والقلب منذ عدّة سنوات، يبدو حقيقياً أكثر من أيّ وقت: الخطر الوجودي على دولة «إسرائيل» هو بنيامين نتنياهو. لا أقول هذا تهكماً أو بسبب ضعف الموقف. أمور كثيرة قالها نتنياهو في السنوات الأخيرة، وأرفق لها كلمات «خطر وجودي على دولة إسرائيل»، وبالذات الكلام الغبي حول المسؤولية عن الكارثة. هتلر أم مفتي القدس. وقال الحكماء إن أقوالاً كهذه يعاني أصحابها من توقف العقل وسهولة اللسان.

حتى وإن لم يخترع ذلك نتنياهو بل أحد مساعديه. كان من المتوقع من رئيس الحكومة ابن المؤرّخ المعروف، أن يدرك أنّ هناك شعوباً محيطة بنا قليلة المعرفة ولا تستند إلى الحقائق. وحديث نتنياهو عن المفتي يثبت حاجته إلى الحديث عن الكارثة كي يبرّر سياسته الخاطئة أمام العالم عموماً، والعالم العربي خصوصاً.

لم يحصل أن خرجت من فمه كلمات «خطر وجودي» عندما تحدّث عن سعي إيران إلى صنع القنبله النووية. صحيح أنه كان يجب المواظبة في الصراع ضدّ إيران وحلفائها ويجب الاستمرار بذلك اليوم أيضاً. ولكن ما علاقة هذا بالخطر الوجودي على «إسرائيل»؟ هل نحن نعيش في غيتو في الحرب العالمية الثانية؟ إنه الخطر الوجودي الذي يريد نتنياهو إخافتنا وإخافة العالم كله منه؟

عن أيّ خطر وجودي يتحدث رئيس الحكومة عندما يخيفنا صباحاً ومساءً. لأن الإيرانيين يسعون إلى الحصول على سلاح يوم الحساب. اليوم أو في المستقبل؟ ألا تكفي الصواريخ بعيدة المدى التي لدى إيران وحزب الله و«داعش». وغيرهم ممّن يحبونا في الشرق الأوسط. لتشكل خطراً علينا في حرب دموية صعبة ومليئة بالضحايا؟ عام 1948 كنا في خضمّ خطر وجودي والسلاح الذي كان في حينه بيد الجيش هو نكتة قياساً مع ما كان لدى العرب الذين هاجمونا. لكن رئيس الحكومة في حينه كان رجل الرجال ـ ديفيد بن غوريون. رجل صاحب حلم وعمل. ولم يعرف الشعب «الإسرائيلي» الخوف الوجودي وهذا بفضل قيادته إلى حدّ كبير.

في السنوات الأخيرة، يقف على رأس الحكومة «الإسرائيلية» شخص كان مقاتلاً في الجيش مثل أخيه الذي سقط في عملية عنتيبة، هذه العملية التي كانت فرص نجاحها قليلة على الورق. لكن من وقف في حينه على رأس الدولة لم يكن مثل نتنياهو في السنوات الأخيرة. لن أفاجأ لو اكتشفت أن الكثيرين اليوم يخافون على وجود دولة «إسرائيل»، ليس بسبب الصواريخ الإيرانية، ولا بسبب جنون هتلر أو اللاسامي المعروف المفتي الذي كل ما كان باستطاعته فعله التظاهرات في «أرض إسرائيل». إلى أن نفاه البريطانيين من هنا.

الخطر الوجودي على دولة «إسرائيل» يتمثل في عدم فعل شيء، العمل الحكيم لا القوة، من قبل نتنياهو وحكومته. إذ إن بعض الوزراء يقولون آمين لكل ما يقوله. أقوال نتنياهو الفارغة بأنه جاهز للتفاوض مع أبي مازن من دون شروط مسبقة كذب كبير. إذ إن صاحب هذه الأكاذيب يقول مشترطاً: «ليعترف أولاً بدولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي».

قامت «دولة إسرائيل» بحسب قرار الأمم المتحدة عام 1947 كدوله يهودية. هكذا اعترفت بها دول العالم. وفي القانون الدولي لا شيْء اسمه اعتراف بدولة قائمة. والفلسطينيون اعترفوا منذ زمن بـ«دولة إسرائيل» وهم يعرفون أنها «دولة الشعب اليهودي». 20 في المئة من مواطني الدولة هم عرب، وهم يعترفون بها وكان لهم في السابق تمثيل في الحكومة ولهم تمثيل في محكمة العدل العليا. ياسر عرفات نفسه اعترف بـ«دولة إسرائيل» ووقّع معها على اتفاق. وسلّم على رئيس حكومة واحد، وأدار المفاوضات مع الثاني.

متى سنصحو ونقول الحقيقة في هذا الوقت الصعب، إذ تسيطر على الدولة حكومة يعتقد وزراؤها أنه بالقوة يمكن وضع حدّ للإرهاب. والسيد «خطر وجودي» يعرف من تاريخ كينيا وقبرص و«أرض إسرائيل»، أنّ المحاربين عملوا ضدّ النظام الكولونيالي البريطاني بأعمال إرهابية واضحة.

عشرة أسئلة محيّرة

كتب مائير عوزيئيل في صحيفة «معاريف» العبرية:

إن طرح الصلة الفاعلة بين الفلسطينيين بقيادة الحاج أمين الحسيني وبين النازيين عمل صحيح. فالمدارس كان ينبغي لها أن تعلّم هذا، لا نتنياهو. ولشدّة الأسف والجهل، هذا ليس كما ورد. ومع ذلك، فقد ارتكب نتنياهو بضعة أخطاء. الأوّل يتمثل بعرض الأمور وكأن هتلر تلقّى فكرة إبادة اليهود من زعيم الفلسطينيين. خطأ جسيم، ونتنياهو أصلحه.

الخطأ الثاني أنّ نتنياهو قال إن الحسيني طار إلى برلين، صحيح ربما من ناحية المواصلات، ولكنه لا يجسّد الحقيقة. فالحسيني لم يأتِ إلى زيارة ألمانيا، إنما عاش في برلين النازية وعمل من داخل الجهاز النازي نحو أربع سنوات، حتى احتلال برلين. وبالنسبة إلى من أخفي عنهم الموضوع حتى الآن، وهؤلاء كثيرون لشدّة الأسف، ويمثلون معظم «الإسرائيليين» ومعظم العالم، ما قاله نتنياهو يفسر كلقاء جسّ نبض لمرة واحدة. فاللقاءات الدبلوماسية مع قيادة ألمانيا النازية قابلة لتفسير سياسيّ ما، ولكن العمل اليومي كنازيّ من أجل إبادة اليهود، كجزء من آلة الموت النازية، موضوع آخر تماماً.

الخطأ الثالث يكمن في الطريقة الصبيانية التي روى فيها نتنياهو عن اللقاء بين الحسيني وهتلر. أما الخطأ الرابع فيتمثل في أن نتنياهو ادّعى أنّ الحسيني قال لهتلر ألا يطرد اليهود لأنه إذا ما طردهم فإنهم سيأتون إلى «إسرائيل». وهذا يعزّز التشهير بأن «إسرائيل» أُسّست لأن اليهود هربوا من الكارثة. هذا ليس صحيحاً، ويطمس حقيقة أن الحسيني، بمعونة هتلر، كان سيبيد اليهود حتى في العراق أو في مصر أو في أي مكان آخر.

حتى هنا نبرز الأخطاء. الأمر الجيد أنّ الناس تعرّفوا إلى القصة. غير مرّة كتبت عن الموضوع في الماضي، وكان الردّ عدم الثقة. فالناس، حتى المثقفين، سارعوا إلى الفحص وذهلوا إذ اكتشفوا أنّ الأمر وقع حقّاً.

ومع ذلك، تبقّت لديّ أسئلة، وهذه عشرة أمور لا أعرفها، أو لا أعرف عنها ما يكفي، عن الحاج أمين الحسيني.

1 ـ كم رجلاً من قيادة الفلسطينيين كانوا معه في برلين النازية؟ فهو لم يكن هناك وحده.

2 ـ هل صحيح أنه كان يحظى برتبة جنرال في «S S»؟

3 ـ هل زار أوشفتس؟

4 ـ هل ألقى خطابات في الراديو في برلين وأين هذه الخطابات؟ مؤكد أنها محفوظة في مكان ما، ونحن ملزمون بأن نسمعها.

5 ـ أوقف الحسيني إنقاذ اليهود حتى عندما حصلوا على الإذن في الخروج من المناطق النازية. كم كان عددهم؟ ماذا فعلت وحدات «S S» الإسلامية التي جنّدها الحسيني؟ هل ساعدت في الإبادة؟

6 ـ ما هي مكانة الحسيني اليوم في الوعي الفلسطيني، ماذا يعرفون عن ماضيه النازيّ، وكيف يعرضون هذا؟

7 ـ هل حيّاه أبو مازن في أحداث رسمية في السنوات الأخيرة؟ مهمّ لنا أن نعرف إذا كانوا يذكرونه في الاحتفالات في الدولة الفلسطينية.

8 ـ كانت هناك حركة شبيبة تدعى «الكشافة الفلسطينيون النازيون». ما هذا؟

9 ـ كما هو معروف، عائلة النشاشيبي عارضت عائلة الحسيني وقتلت على أيديها في سلسلة أعمال قتل متبادلة. هل سُمع صوتهم في حينه؟

10 ـ وهذا هو السؤال الأكبر: لماذا نعرف نحن قليلاً جدّاً وما هو الدافع لإبقائنا في جهلنا؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى