لغة أميركية مزدوجة إزاء روسيا في سورية

حميدي العبدالله

دأب المسؤولون الأميركيون على الإشارة إلى أنّ التدخل الروسي في سورية للقتال إلى جانب الجيش السوري في محاربة الإرهاب لن يكون له أيّ تأثير على الوضع الميداني وعلى المعادلات القائمة في سورية، وجعل المسؤولون الأميركيون هذه المواقف لازمة تتكرّر دائماً في تصريحاتهم منذ أن بدأت الطائرات الروسية في قصف مواقع الجماعات الإرهابية. لكن من الواضح أنّ تصريحات المسؤولين الأميركيين التي تقلّل من القيمة الاستراتيجية للإسهام العسكري الروسي في سورية موجهة إلى الرأي العام في المنطقة العربية، ومحاولة لرفع معنويات المسلحين وحكومات المنطقة التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من النفوذ الأميركي، وليست موجهة إلى الرأي العام الأميركي، بل على العكس من ذلك فإنّ الإعلام الأميركي له تقدير آخر لنتائج الإسهام الروسي في الحرب على الإرهاب في سورية. مثلاً صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» تؤكد أنّ «الرئيس الروسي جريء وقد حقق الآن نجاحاً في تغيير الأحداث في الحرب الأهلية في سورية لمصلحته، وإعادة روسيا كقوة إقليمية، وربما إحراج الولايات المتحدة». وتعترف الصحيفة: «يبدو أنّ الإدارة كانت تفتقر إلى معلومات استخبارية حول النوايا الروسية»، وحول آفاق المستقبل تؤكد الصحيفة الأميركية أنّ «الحقيقة المحزنة تكمن في عدم وجود الكثير بالنسبة لأوباما للقيام به لمنع روسيا من التدخل» في سورية، وأنّ «خيارات الولايات المتحدة محدودة على هذا الصعيد».

لا شك أنّ هذا الكلام الصريح والواضح يناقض بقوة كلام المسؤولين الأميركيين الذين قللوا من أهمية التدخل الروسي، بل تحدّثوا عن الفشل، فإذا كان التقدير الأميركي هو أنّ الإسهام الروسي سيقود إلى فشل روسيا، كما فشلت الولايات المتحدة بحملتها ضدّ «داعش»، فلماذا تستنتج الصحيفة بأنّ هذا التدخل «يحرج الولايات المتحدة» إذا لم يكن هناك قلق وخوف من نجاح الحملة الروسية وفشل الحملة الأميركية، الأمر الذي يؤكد تواطؤ الولايات المتحدة مع الجماعات الإرهابية، أو على الأقلّ عدم جديتها في محاربة هذه التنظيمات.

لا شك أنّ ما يؤثر على السياسات والقرارات الأميركية، إزاء سورية ليس ما يوجه إلى الرأي العام العربي، بل ما يوجه إلى الرأي العام الأميركي، الذي ستكون له الكلمة النهائية في التأثير على صانعي القرار في واشنطن. وإذا كانت نتائج ازدواجية لغة الخطاب قد تقود إلى تعزيز وحتى تحقيق نجاحات تكتيكية أميركية، إلا أنها تفاقم مأزقها الاستراتيجي، سواء لجهة معارضة الرأي العام الأميركي لمزيد من التورّط والمغامرات، أو لجهة رفع مستوى الالتزام في مواجهة الدخول الروسي إلى سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى