المعارضات الخارجية أدوات مأجورة لا مكان لها في سورية المستقبل…

محمد ح. الحاج

قناعة شبه كاملة بأنّ قطار الحلّ السياسي على الساحة السورية سينطلق في القريب، جهات عدّة على رأسها روسيا هيّأت سكة الانطلاق القطار لم يوضع عليها بعد – وجاء ذلك على محورين، الأول تغيير الواقع العسكري وترجيح كفة الجيش السوري في مواجهة الإرهاب، المحور الثاني محادثات دولية مع أطراف ودول منخرطة في الحرب على سورية ومع فصائل المعارضات الداخلية والخارجية لبلورة الحلّ.

في حين رحّبت المعارضة الداخلية، وبعض الشخصيات المستقلة في الخارج بالتوجه نحو الحلّ السياسي ووقف نزيف الدماء، وبعضها في الأساس لم يراهن على الحلّ العسكري، ترفض المعارضات الخارجية أيّ حلّ سياسي، والسبب أنها ليست صاحبة قرار وليست موحدة التابعية والأهداف، الذين يقومون بدور الأدوات لتركيا وقطر والسعودية ما زالوا يتمسكون بمواقفهم مطالبين بإسقاط النظام الذي يختزلونه في شخص، والحقيقة أنهم يستهدفون بنية ومسار دولة بكاملها، ولأنهم يعبّرون عن رأي الأطراف المشغّلة والمموّلة وارتباطهم بها جذري وليس عن حقيقة موقف الشعب السوري كما يدّعون.

اللافت في ما يتمّ تداوله هو موقف «الجيش الحر» الذي أبدى أطراف منه أو ناطقون باسمه تناقضاً في الردود، بعضهم رفض العرض الروسي في التنسيق لمحاربة «داعش»، وجاء ذلك على خلفية الرفض الأميركي لتحديد مواقع الجيش المذكور حتى لا يتمّ ضربها من قبل الروس، وبعضهم أبدى بعض المرونة شاكياً ومبالغاً في تقدير حجم الخسائر التي تعرّض لها هذا الجيش مضيفاً لها أعداد مبالغ بها من خسائر المدنيين دون أيّ دليل، وحقيقة الأمر أنّ «الجيش الحرّ» ومنذ بداياته كان معلوماً لكلّ الأطراف أنه أداة «الإخوان المسلمين» وتنظيمهم المسلح، وأنّ أهمّ كتائبه كانت تحت مُسمّى الفاروق، والتي انفرط عقدها والتحق أغلبها بتنظيمات أخرى بعد أن هوجمت تشكيلاتها من قبل هؤلاء، الغالبية من عناصر هذا الجيش التحقت بـ«النصرة» وهي فرع قاعدة الجهاد في بلاد الشام، وقليل منه بايعوا أمير «داعش» والبقية الباقية منهم فشكلوا حالات متجدّدة بعد أن انضمّت لهم تنظيمات ومسمّيات جهادية أخرى جذورها السلفية الإسلامية منها: «جيش الفتح، جيش الإسلام، وأحرار الشام إلخ…» ولم يبق لمن يحملون اسم «الجيش الحرّ» مواقع معروفة أو يمكن الاشارة إليها في واقع الأمر، لهذا لم تردّ الإدارة الأميركية على الطلب الروسي، وينطبق الأمر ذاته على من بقي من عناصر «الحرّ» في نقاط أو تجمعات صغيرة بعيدة عن متناول «داعش» و«النصرة»، وإذا كانت «كتائب الفاروق» هي الأبرز على ساحة المنطقة الوسطى حمص الرستن تلبيسة الحولة قبل أن تتوزع شمالاً وشرقاً، فهي لم يعد لها وجود في هذه المناطق وسقطت كلها بين أيدي «النصرة» و«داعش».

لا بدّ لإنجاز أية تسوية سياسية من توقف الأعمال العسكرية، ولا بدّ لأطراف التسوية من امتلاك القدرة على فرض هذا الوقف، فالتسوية تقتضي من كلّ الأطراف القبول بالحوار السوري السوري مدخلاً للحلّ، والقبول أيضاً بالعودة إلى الشعب السوري كصاحب الحق الأول والوحيد في اختيار من يريد والنظام الذي يرتأيه، بعد أن تطرح مختلف الأطراف مشاريعها حول مستقبل سورية، بعد الاتفاق على تحديث القوانين المتعلقة بالانتخابات، القانون المدني، الحريات، بما في ذلك قوانين الصحافة والأحزاب وغيرها، وربما تعديل الدستور.

المعارضات الخارجية غير الموحدة المرجعية على تعدّد ارتباطاتها لا تجمع على أمر غير إزاحة رأس النظام، وهذا أمر غير منطقي، فالنظام ليس شخصاً، إنما سلسلة متكاملة من القوانين والأنظمة والمؤسسات وسلطتان تشريعية وتنفيذية وأغلبية شعبية، مطالبة روسيا من قبل المعارضات بالتخلي عن الرئيس الأسد وتنحيته يحمل في طياته إقراراً يتناقض مع القول إنّ مطالبهم تعبّر عن رأي الشعب السوري، روسيا تؤكد على المرجعية الشعبية، فمن هو الممثل الحقيقي للشعب السوري؟ تركيا أم السعودية أم قطر أو فرنسا، في الوقت الذي يقرّر هؤلاء أنّ على روسيا أن تبادر بالنيابة عن الشعب السوري فتقوم بتنحية الرئيس الأسد لأنهم عجزوا طوال سنوات عن وقف دعم غالبية الشعب له في موقفه بوجه الإرهاب والحفاظ على بنية الدولة من السقوط بين أيدي عصابات دولية تعمل على إلحاق سورية بمشاريع تخدم الغرب والصهيونية العالمية.

الرئيس الأسد ومن منطلق الثقة بشعبه أبدى موافقة مبدئية على إجراء انتخابات، وفي الوقت الذي يمثل الرئيس الأميركي حوالي 51 من الشعب الأميركي، ومثله الرئيس الفرنسي وغيرهم، فقد حاز الأسد على ثقة تجاوزت 80 من مجموع الشعب السوري، وأما التشكيك بنزاهة الانتخابات فالمجال مفتوح لمراقبين دوليين من دول محايدة مع مراقبة التدخل المالي للاحتكارات الطامعة بثروات سورية، وعندها سيظهر جلياً للعيان مدى كذب الادّعاء بتمثيل الشعب السوري، سواء من قبل دول مثل تركيا وقطر والسعودية أو حتى من المعارضات التي لا يمكن لأيّ منها الفوز بنسبة قد لا تتجاوز 2 بعد انكشاف ارتباط شخصياتها بمشاريع يموّلها الدولار والريال بفئاته.

قيل الكثير في ارتهان وارتباط شخصيات المعارضات الخارجية بمشاريع العمّ سام الممثل الشخصي للصهيونية العالمية، وتفرّعاته الناتوية والوهابية والإخونجية والقاعدية والداعشية، وكلها أدوات لزرع الفوضى في ما أطلقوا أو اصطلحوا على تسميته «الشرق الأوسط الجديد أو الكبير»، ورأينا شخصيات المعارضات تطالب الدول الكبرى بالتدخل لإطاحة النظام مبرّرين لهذه الدول أنهم يحملون الهوية السورية وأنهم يمثلون الشعب السوري، بينما يدقق السوريون في خلفيات هؤلاء وتاريخ كلّ منهم ليتبيّن أنّ بعضهم لا يعرف وطنه إلا على الخريطة إنْ كان يحسن قراءتها، وأنهم يحملون هوية وجنسيات دول مختلفة أميركية، وفرنسية، وتركية، وسعودية، وربما ألمانية وكندية وأسترالية معارضات متعدّدي الجنسيات على شاكلة الشركات الاحتكارية متعدّدة الجنسيات، أما من حيث الجذور والامتداد الشعبي فليس لهم في أماكن ولادتهم أو إقامة عائلاتهم طبعاً للبعض المولودين على أرض الوطن أيّ قبول لا على مستوى العائلات ولا الأفراد إلا ما ندر، وأغلبهم ملاحق بجرائم جنائية منها سرقة أموال الشعب والنصب والاحتيال أو التواصل مع جهات خارجية معادية، وبعضهم لم يكتم ارتباطه بالاستخبارت المركزية أو اتصاله بالعدو الصهيوني ومطالبته على الملأ بالتدخل وضرب سورية، وفي ذلك خيانة وطنية عظمى.

المعارضات الخارجية مجلس اسطنبول، وائتلاف الدوحة ترفض الحلّ السياسي بناء على أوامر مموّليها، وقد تأكد لكلّ السوريين أنّ مَن فيها لا يهتمون بمصالح الشعب ولا أمنه وسلامة أراضيه، بل همّهم استمرار دفق التمويل والفنادق الفخمة والظهور الإعلامي، ويدركون أنهم بالنهاية لا دور لهم في مستقبل سورية التي عملوا جاهدين على تخريبها ونهب ثرواتها وإفقار شعبها، هذا الأمر الذي يدركه سادتهم الرافضين للتسوية قبل الحصول على مغانم ومكاسب سياسية واقتصادية على حساب شعب تآمروا لذبحه ويستمرّون في تشغيلهم واستثمار مواقفهم وأبواقهم.

ما ورد بديهيات يدركها الغرب والإدارة الأميركية، كما يدركها قادة الأعراب المتورّطون في كلّ الخراب العربي، قبل ذلك أدرك أبعادها ومراميها وأدواتها السوريون ومعهم الروس والإيرانيون وباقي الدول التي لا تدور في الفلك الأميركي، ولا تشارك في مشاريعه، سورية ليست وحيدة، والسوريون مؤمنون بالنصر، ايمانهم بأنّ من يحملون الهوية المزيّفة لا دور لهم مطلقاً في صياغة المستقبل، ترفضهم الأرض قبل الشعب… سكان سورية 24 مليون نسمة، فأين المشكلة في سقوط بضع مئات من هذه الهوية الوطنية طالما ارتضوا العمالة وخانوا الوطن؟

مفارقة: تباكى أحد أعضاء مجلس اسطنبول على «ظلامة أهل السنة»، وما يلحق بهم من حيف، في الوقت الذي يعتبره هؤلاء مجرد ذمي مشرك لا محلّ له من الإعراب، وظهر تباكيه وظيفة مأجورة إعلامياً، مثله كمثل ندابة يستأجرها البعض للبكاء على الموتى.

توضيح

في مقال نشرته لي «البناء» بتاريخ 14 تشرين الأول 2015 بعنوان «الإخوان الماسو مسلمين وسقوط آخر أوراق التوت»، استشهدت بكلام لرئيس مركز الحوار العربي الأميركي الأستاذ صبحي غندور، ثم علّقت على الكلام، ففُهم أنّ التعليق هو من ضمن ما قاله الأستاذ غندور. وحرصاً على الدقة في الاقتباس فإنّ ما قاله الأستاذ غندور هو التالي: أستغرب سيل الأصوات التي بدأت تعلو في المنطقة مشايخ ومفتين و… ماذا يعلم هؤلاء، ماذا يتعلّمون ويعلّمون؟ أما التعليق الذي أضفته فهو التالي: المضحك أنهم يطالبون أوباما بغضبة من أجل الله، ربما صدّقوا أنّ اوباما هو أبو حسين فعلاً وتناسوا أنّ أمه وعائلتها يهودية، وأنه تربّى في كنفهم وتحت إشراف المحفل، وأنّ عمّ زوجته معروف بالحاخام الأسود بلى، يعلمون ذلك، لكنهم يمارسون التضليل والتلاعب بعقول المؤمنين البسطاء، وهكذا يدعون إلى الجهاد ويستنفرون مسلمي العالم ضدّ روسيا وكأنهم لم يفعلوا حتى الساعة !

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى