الحراك المدنيّ… اتفاق على المطالب واختلاف على الأهداف!
تحقيق رحاب زيدان
متظاهرون يغلقون الطرقات، ويهتفون للثورة والحراك، وآخرون ينسحبون منه تاركين كلّ شيء وراءهم. وغيرهم كانوا منذ البداية يحذّرون مما يحصل في الشارع ويجاهرون أنهم ضدّه. وفي ظلّ هذا الانقسام، والأسباب الكامنة وراءه، يعيش المواطن صراعاً للدفاع عن قناعاته وتوجّهاته.
تتنوّع آراء المواطنين ومواقفهم بحسب انتماءاتهم وقراءاتهم المشهد وما يحصل في الشارع اللبناني. فتجد أنّ فئة من المواطنين تعتبر الحراك الوجهة التي تستطيع من خلالها أن تحقق مطالبها وتحارب الفساد والمفسدين داخل الدولة، والمسؤولين عن الأوضاع السيئة التي يرزح تحت نيرها المواطنون في هذه المرحلة.
من بين هؤلاء، الصحافيّ د. حسان الزين، الذي يعتبر من أوائل المشاركين في الحراك والداعمين لمطالبه. وفي حديث إلى «البناء»، يشير إلى أنّ مشاركته كانت في البداية من أجل حلّ أزمة النفايات، بيد أنها تطوّرت مع تطوّر مطالب الحراك حتى وصلت إلى محاربة الفساد والمفسدين داخل الدولة. كما أشار إلى أنّ علاقاته بالمشاركين في هذا الحراك، لعبت أيضاً دوراً في بقائه داخله.
من ناحية أخرى، تطرّق الزين إلى أهداف الحراك، إذ أكد أنه كان في البداية ردّ فعل على أزمة النفايات، ومن دون هدف واضح. إلا أنّ أحداث 22 آب والمواجهات بين المشاركين والقوى الأمنية، أعطته هدفاً يتمثل بمحاربة الفساد. وأكد الزين أيضاً أنّ هذا الحراك متشكّل من مواطنين وشباب لبنانيين يعبّرون عن آرائهم ويطالبون بحقوقهم. نافياً كلّ الإشاعات التي تناولت عدداً من الناشطين، والتي تحدّثت عن ارتباطهم بالخارج وتشغيلهم من قبل بعض السفارات. مؤكداً أنّ الغاية من الإشاعات، الإساءة إلى هذا الحراك الوطني. وأكد أنّ كلّ من لا يشارك فيه، فإنه يتخلّى عن مصلحته في المرحلة الأولى، وإنْ كانت مشاركته تتوقف عند أيّ إشاعة تطاول ناشطيه، وإنْ لم تكن نابعة عن وعي داخلي، فهي لن تكون مشاركة فعّالة.
ختاماً، وجّه الزين مجموعة من الأسئلة إلى المواطنين قال فيها: «هل شعارات الحراك غير محقة؟ وهل يسعى هذا الحراك إلى تنصيب مجموعة معينة على رأسه؟ هل أنتم ضدّ الحراك؟ وإذا كانت المشكلة في بعض منظّمي الحراك، مثل أسعد، عماد، مروان، وغيرهم… فهل هؤلاء الأشخاص هم وراء قطع الكهرباء والماء، ووراء الهدر داخل الدولة، وأزمة النفايات؟ أم الدولة والسلطة الحاكمة؟».
ثمة فئة أخرى من المواطنين، والتي كانت في البداية من المشاركين في هذا الحراك والمؤيّدين له بشكل كبير، إلا أنها ما لبثت أن انسحبت من صفوفه، وذلك لأسباب مختلفة. من هؤلاء، الطالبة الجامعية «هيفاء» التي دفعتها حماستها وقناعتها بضرورة التغيير والثورة على الفساد إلى النزول إلى الشارع والمشاركة فيه، ولكنها بعد فترة صغيرة انسحبت من صفوفه. فما يجري في الحراك لا يؤمّن الإصلاح المطلوب، ولا يقضي على الفساد المستشري داخل الدولة، على حدّ تعبيرها.
وتضيف: «الإصلاح يكون من خلال القضاء على الطبقة السياسية وعزلها وإقصائها من الساحة السياسية، هذا من ناحية. أما من ناحية ثانية، فقد وجدت أنّ بعض الناشطين والقائمين على الحراك تابعين لسفارات أجنبية وإقليمية، ويستعملون الشارع من أجل مصالح القوى التي تدعمهم. وأيضاً من أجل مصالحهم الخاصة وسعيهم إلى استعماله للتربّع على عرش السلطة الجديدة، كلّ ذلك شكّل لديّ نوعاً من الرفض، ودفعني إلى الإحجام عن المشاركة فيه».
في سياق آخر، قالت «هيفاء» إنّ هناك بعض النشاطات، التي ينظمها شباب الحراك، تدفعها إلى المشاركة مجدّداً والنزول إلى الشارع ودعمهم، لأنها تجد في أفكارهم نوعاً من الابتكار والحماسة. والدليل الأكبر على ذلك، فعالية «أبو رخوصة» التي هي ـ بحسب رأيها ـ فكرة مبتكرة وجديدة لم يقم بها أحد ماضياً.
أما فئة رافضي هذا الحراك منذ قيامه حتى اليوم، فكانت لها وجهة نظر مختلفة. إذ حذّرت منه ونبّهت إلى مدى ارتباطه بالخارج، وأنه بوابة لمشاريع خارجية سوف يكون الداخل اللبناني مسرحاً لتنفيذها، وسوف يُستعمل هذا الحراك من أجل تهيئة البيئة الداخلية لتنفيذها.
من أصحاب هذا الرأي، الناشط السياسي «وائل» الذي اعتبر أنّ وضوح المصطلحات ضروريّ في البداية لفهم أيّ تحرك أو ظاهرة. لذلك، رأى أنّ محاولة إخفاء هذه الاعتصامات تحت اسم «حراك» مرفوضة تماماً. فهذه تظاهرات، والمشاركون فيها أحزاب، حتى لو أطلقوا على أنفسهم اسم «جمعيات» أو «منظّمات مجتمع مدني».
وأردف قائلاً حول مموّلي الحراك والبرامج التي تمثّل هذه الجهات: «معظم هذه الجمعيات والمنظمات تموّل من برامج mepi وusaid. ويكفي أن نلج موقع وكالة الاستخبارات الأميركية CIA الإلكتروني، لنعرف مدى ارتباط هذه البرامج التمويلية بالمصالح المعادية لبلادنا».
ومن ناحية أخرى، قال «وائل» إنّ السبب الأهمّ الكامن وراء عدم مشاركته في الحراك، أنّ تجارب سابقة مع القائمين على هذه التظاهرات وسيرتهم الذاتية، تدفعه إلى اتخاذ قرار كهذا.
وأخيراً، تطرّق «وائل» إلى الفئة المسموح لها بالمشاركة في الحراك، وعن الوجوه التي تمثّلها هذه التظاهرات والغاية منها: «يأتي البعض ويقولون إنّ هذه التظاهرات مفتوحة للجميع، ولكن في النهاية هناك من سيحدّد توقيت التظاهرة ومَن يشارك ومَن لا يشارك وعناوينها إلخ… لهذه التظاهرات وجهان، وجه خارجيّ مرتبط بالسفارات، وآخر داخلي مرتبط بأجهزة أمنية محلية بدأت أهدافها من الحراك تطفو على السطح، إذ تدفع نحو حكم العسكر كحلّ لسدّ الفراغ في المؤسسات الحكومية».
وأضاف قائلاً: «أكثر من ذلك، يمكننا أن نعدّد كلّ جمعية في هذا الحراك ولمصلحة أيّ جهاز أمنيّ محليّ تعمل، ومع أيّ ضابط تنسّق، كما أنه لم يبقَ حزب إلا وأوجد له جماعة في داخله، إضافة إلى فساد بعض الوجوه الشابة الناشطة في هذه التظاهرات ومحاولتها الصعود على ظهر آلام الناس وأوجاعهم، الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى الخروج من هذه التحركات والانسحاب منها، لأنها غدت واضحة الأهداف كأداة ضغط لتحقيق مآرب سياسية بعكس ما ترفعه من شعارات».
وقال أيضاً: «القيّمون على التظاهرات طالبوا ببحر في بعلبك! ولم يرفعوا أيّ مطالب مرتبطة بالحقوق الاجتماعية أو السيادة الوطنية، وهو ما يكشف نفاقهم واحتيالهم».
كلّ طرف من الأطراف المذكورة آنفاً يعتبر أنه على حق، وما يقوم به نابع من قناعة ودافع وطنيّين. ويسعى عبر كلّ ما يقوم به إلى تأكيد صوابية رأيه، لا بل يستعمل كلّ الوسائل الممكنة من أجل ذلك. وفي النهاية، يبقى الوطن هو الجريح الذي ينزف على عتبة الانقسامات التي لا تجلب له ولشعبه إلا الويلات والدمار، الأمر الذي لا يخدم إلا مصالح الخارج والمستفيدين من تدميره والقضاء عليه.
هنا، يمكننا طرح مجموعة من الأسئلة، التي تشكل هاجساً لدى كلّ مواطن داخل الوطن: ما هي نهاية هذا الحراك؟ ما صحة علامات الاستفهام المطروحة حول أفراده؟ كيف يمكن تأكيدها أو نفيها؟ ما هي نهاية هذا الانقسام؟ وأخيراً وليس آخراً، من الرابح من ورائه؟