مخدّر يُوقّع «الحاكم عند الفارابي» بالأونيسكو: نقاش الحاكمية في زمن التلبّد
لمى نوّام
شهد قصر الأونيسكو مساء الإثنين الماضي، حفل توقيع كتاب «الحاكم عند الفارابي بين الإسلام والفلسفة» لمؤلّفه الشيخ فضل مخدّر. وذلك بدعوة من «دار الأمير للثقافة والعلوم»، وبالتعاون مع اتّحاد الكتّاب اللبنانيين. كما نُظّمت ندوة حول الكتاب، تحدّث فيها كلّ من رئيس «جمعية المعارف الإسلامية» الشيخ أكرم بركات، مدير الدراسات المسيحية الإسلامية في جامعة البلمند الأب جورج مسوح، العميد الأسبق لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور محمد شيا، وأدار الندوة مدير عام «دار الأمير للثقافة والعلوم» الدكتور محمد حسين بزّي.
حضر حفل التوقيع حشد كبير من العلماء والأدباء والشعراء والدبلوماسيين والإعلاميين. وبدأ بالنشيد الوطني اللبناني، ثمّ قدّم بزّي للندوة بكلمة أدبية وجدانية جاء فيها: «ما بين الدهشة والشعر، يحضر سماحة الشيخ فضل مخدّر، ويحضر معه الفارابي حاكماً أو محكوماً عليه بالفلسفة والعشق لا فرق… كما لا فرق بين تقلّب الكواكب في كبد السماء وبين منارات عامِل».
ثمّ ألقى بركات كلمة جاء فيها: «… بيَّن الفارابي أنّ الحاكم الذي يعدّ الرئيس الأوّل لدولته والملك فيها، هو الذي لا يحتاج، ولا في شيء أصلاً، أن يرأسه إنسان، بل يكون قد حصلت له العلوم والمعارف بالعقل… ويعرّفنا الفارابي إلى سرّ هذا الإنسان الكامل بقوله: وإنّما يكون ذلك في أهل الطبائع العظيمة الفائقة إذا اتّصلت نفسه بالعقل الفعَّال».
وألقى مسّوح كلمة قال فيها: «كم نحن بحاجة اليوم إلى مواصفات الحاكم التي ذكرها الشيخ فضل في كتابه عن الفارابي، مستعيداً رحابة الإسلام وسعته جميع الأفكار الأديان، عكس ما نشهده اليوم، جماعات تكفيرية شوّهت الإسلام عن أصوله السمحة».
وشدّد مسّوح على أهمية الدراسة في تشخيص الحاكم الذي يصلح لسعادة البشرية وعمرانها، مثنياً على صدور الكتاب في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المجتمع العربي.
ثمّ تحدّث شيّا قائلاً: «بعد الشكل المتقن، لا يسع القارئ إلا امتداح اختيار المؤلف للفارابي موضوعاً لدراسته، ولمفهوم الحاكم عنده على وجه الخصوص. فالفارابي كما أشار المؤلف غير مرّة، ونقلاً عن ماسينيون وابراهيم مدكور وعثمان أمين وغيرهم من المستشرقين أو مؤرّخي الفلسفة العربية. هو المؤسس الحقيقي للفلسفة العربية ـ الإسلامية في القرون الوسطى، وتحديداً بين نهاية القرن الثالث ومطلع الرابع الهجري…».
وفي حديث خاص بـ«البناء»، قال الشيخ فضل مخدّر: كتاب «الحاكم عند الفارابي بين الإسلام والفلسفة»، كان عبارة عن دراسة أكاديمية تحوّلت إلى نصّ تثقيفيّ، وطُبع. يتضمّن الكتاب عدداً من الفصول. فصل خاص يتناول الفارابي كشخصية علمية وثقافية وفلسفية وفكرية. كفيلسوف كما أطلق عليه المعلّم الثاني نظراّ إلى سيرته الذاتية وتجربته العلمية ومؤلّفاته و كتبه. هناك فصل آخر يتضمّن الحاكم في نظرة الإسلام على مستوى المذاهب الفقهية بين السنّية والشيعيّة. وفصل يتضمّن المدينة الفاضلة التي تعامل معها الفارابي كمصدر إلهام. المدينة الفاضلة بتاريخها، وما طرحه الفارابي في هذه المدينة. والفصل الأخير تناول الحاكم ما بين الفارابي والفلسفة، وطرحه له كعملية توثيقية بين الإسلام والفلسفة.
وعن عنوان الكتاب يقول مخدّر: الحاكم عند الفارابي، لأن الفارابي شخصية فلسفية. وغالبية فلسفته سياسية. فكان اختيار الحاكم كشخصية رئيسة في الفلسفة السياسية. وأكثر ما يهمّني الإضاءة على مفهوم الحاكم في النظرتين الإسلامية والفلسفية. فكان الفارابي أكثر من يُختار كمُوثّق بين النظريتين.
بدوره، قال بركات: أودّ التنويه بهذا الحراك الثقافي في ظلّ التلبّد السياسي الذي يشهده لبنان، خصوصاً أنّ الموضوع الذي يتناوله الكتاب، يتمحور حول الحاكم. والحاكم هو في متناوَل الفارابي المعروف بعقله. واليوم نحن نعيش أزمة عقل أنتجت التكفير، لأن الذين يكفّرون يُعطّلون عقولهم. من منطلق تعطيل العقل ينطلق التكفير بحسب الدراسات التحقيقية. الكتاب رائع لأنّه يتناول الفارابي، وكيف عقل موضوع الحاكم. هذا الموضوع ملحّ ومعاصر دائماً، خصوصاً في هذه الظروف، إذ علينا أن نتحدّث عن الحاكم بمواصفاته المنطلقة من العقل، كإعادة تصحيح لمسار صحيح، من خلاله يُخلَق الأمل في العدل العام. لأن الفارابي ينظر إلى الحاكم بأنّه القلب بالنسبة إلى البدن. فإذا صلُح الحاكم صلُح المجتمع. لذلك، إنّ هذا الموضوع ضروريّ لأن يطّلع القرّاء عليه من خلفية عقلية فارابية، التي هي خلفية ناضجة جدّاً.