واشنطن لباريس: لا دور «لأصدقاء سورية» حاليّاً

عامر نعيم الياس

تحوّل الاجتماع الذي أعلن عنه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لما يسمّى «مجموعة أصدقاء سورية» في العاصمة باريس إلى عشاء عمل من دون أي سابق إنذار. وفي سابقة نادراً أن تحصل سوى في الملف السوريّ الذي تتسارع الخطى الأميركية ـ الروسية فيه لبلورة نقاط مشتركة للحلّ في سورية، بانتظار تجاوز العقدة الأهم المتمثلة بدور الرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل سورية، بعد الاعتراف الدولي بدوره في المرحلة الانتقالية وبقائه على رأس السلطة لأجلٍ رفع مداه وزير الخارجية البريطانية قبل ثلاثة أسابيع إلى «ثلاث سنوات»، فيما الجبير وزير خارجية آل سعود رمى كرة الوقت في ملعب الشعب السوري، إذ من الممكن أن تستمر المرحلة الانتقالية «يوماً أو أسبوعاً أو حتى شهراً».

تكيّف المجتمع الدولي مع فكرة بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، ووقع على باريس والرياض وأنقرة عرقلة المرحلة التي تلي للتكيّف وهي التعامل مع الرئيس السوري باعتباره أحد أهم الأطراف المشاركة والفاعلة في الحرب على الإرهاب ممثلاً بـ«داعش» و«النصرة» والحركات الجهادية المنتشرة في سورية والعراق والتي غدت هاجساً لأوروبا قبل حليفها الأميركي. لكن من الواضح أن الاتفاق على ضرورة محاربة الإرهاب حتى بين الدول الكبرى، وبين الولايات المتحدة وروسيا تحديداً، لا يعني الاتفاق على تعريفه وهوية المنظمات المنضوية تحت رايته. لكن الاتفاق الروسي ـ الأميركي والتنسيق شبه اليومي عبر الهاتف والمباشر في الملف السوري، وضع واشنطن في لحظة افتراقٍ سياسيٍ علنية على الأقل مع حلفائها في حرب أوباما على الإرهاب في الميدان السوري.

فوزير الخارجية الأميركي غاب عن اجتماع باريس وأرسل نائبه، فيما استمر هو بالتنسيق مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، ومحاولة إرسال المزيد من إشارات الطمأنة إلى الروسي حول خطته في سورية، وإن كان الاختلاف لا يزال ملحوظاً بين الدولتين الكبريين. وأولى هذه الإشارات إفراغ اجتماع باريس من غطائه الدولي الأهم الممثل بحضور وزير الخارجية الأميركي للاجتماع بنظرائه. أما الثاني، فتزامن عقد الاجتماع الباريسي، أو العشاء بالمعنى الأصح، مع إعلان جون كيربي، الناطق بِاسم الخارجية الأميركية، عن «انتظار دعوة إيران» لحضور اجتماعات فيينا المرتقبة خلال الأيام القليلة المقبلة حول الملف السوري. وهو ما يمثل تحوّلاً في الموقف الأميركي إزاء إشراك الدولة الإيرانية في المفاوضات الخاصة بحلّ الأزمة السورية من جهة، ومن جهة أخرى يرسم سقفاً للتمرد السعودي ـ الفرنسي ـ التركي على الرغبات الأميركية، ويحدّ من هامش المناورة السياسية في سورية.

سواء أدركت باريس الرسالة الأميركية أم لم تدركها، فإن محاولة استعادة الدور الأوروبي في حضور الكبيرين الروسي والأميركي تشبه تهديد وزير الخارجية القطري بالتدخل العسكري في سورية. فالدور الأوروبي يكون مكملاً في حالات التصعيد الأميركي أو الاتجاه نحو تخفيف الاحتقان، لكنه على الدوام يكون هامشياً ثانوياً في مرحلة التفاوض على الحلول بين روسيا والولايات المتّحدة تحديداً. هذا ما رأيناه في مشهد الكيماوي السوري وحلّه عبر كيري ولافروف، فيما كان الرئيس الفرنسي ينتظر ووزير دفاعه في الإليزيه هاتفاً من الرئيس الأميركي باراك أوباما ليبلغه بساعة الصفر لبدء الغارات الجوية على الدولة السورية في أيلول من عام 2013.

غاب المصري عن الاجتماع بينما لم يُدعَ الروسي بهدف بلورة موقف موحّد للكتلة الغربية المعارضة من الحراك السياسي الروسي تحديداً، لكن الانفتاح الأميركي على موسكو أفشل اجتماع باريس وحوّله إلى عشاء عمل لتجنّب إحراج إلغاء الاجتماع بشكلٍ كلي وضرب ما بقي من وجود لما يسمى «مجموعة أصدقاء سورية»، فيما لا يزال هولاند وفابيوس ينتظران مكالمة من الرئيس الأميركي باراك أوباما لتبلّغ التعليمات الجديدة.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى