قراءة تفصيلية لمسار وأهداف مناورات «منعطف ترايدنت» لحلف الناتو

تحوّلت انظار المؤسسات الفكرية والاعلامية الى هموم الداخل الأميركي، لا سيما مرشحي الانتخابات الرئاسية والصخب الذي رافق شهادة المرشحة هيلاري كلينتون أمام لجنة تحقيق خاصة في مجلس النواب. سورية والتدخل الروسي حافظا على مكانتهما في أولويات الاهتمامات الأميركية، خاصة لإقرارها بالمفاجأة التي أحدثتها زيارة الرئيس السوري لموسكو ولقائه نظيره الرئيس الروسي.

سيستعرض قسم التحليل مسألة تأجيج أجواء الحرب الباردة، بين أعضاء حلف الناتو وبين روسيا وحلفائها، ألا وهي مسألة مناورات «منعطف ترايدنت»، والتي لم تحظ باهتمامٍ مرضٍ في ظلّ تصاعد أجواء التوتر الحادّة وخطورة الاشتباك العسكري فوق الأجواء السورية. المناورة هي الأكبر لحلف الناتو منذ عقد من الزمن تشترك فيها نحو 30 دولة.

وزير الدفاع البريطاني، الذي تشارك بلاده بقوات برية وجوية وبحرية، وصف الهدف من المناورات بأنها «تمهّد لإعداد قوة الردّ التدخل السريع لحلف الناتو»، خدمة لاستراتيجيته الكونية التي تتعدّى نطاق الجغرافيا الأوروبية والأميركية. جدير بالذكر انّ المناورات اشترك فيها زهاء 36.000 جندي و230 وحدة عسكرية و140 طائرة مقاتلة لمهام متعدّدة وأزيَد من 60 سفينة حربية، ويمتدّ نطاقها على خمسة اسابيع.

تراجع النفوذ الأميركي

حثت مؤسسة هاريتاج الرئيس الأميركي المقبل على أهمية وأولوية وضع خطط لوقف «انحسار النفوذ الأميركي»، على الصعيد الدولي، وتنشيط «كافة العناصر المتداخلة التي أسهمت في تفوّق أميركا، وصون الحرية والازدهار والأمن، واستغلال القوة الناعمة من دون مفاقمة سقف الدين العام». وأوضح انّ مهمة «إعادة بناء المؤسسة العسكرية الأميركية، يستدعي تحويل مركز ثقل الإنفاق الحكومي لناحية القوات المسلحة». وأضاف انّ الوقائع العملية للميزانية تقتضي حدوث «فجوة استراتيجية، بين الأوضاع الاقتصادية والأمنية الراهنة وبين الاحتياجات المطلوب توفيرها خلال السنوات الرئاسية الأربع الأولى». وحذر صنّاع القرار بأنه يتعيّن على الاستراتيجية الأميركية «تعزيز تحالفاتها الدائمة وتشكيلات الشراكة الأمنية المتعدّدة في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، وإعادة البناء وإعلاء الأولوية للقدرات والإمكانيات العسكرية من دون تحميل الميزانية المزيد من الدين العام».

حث مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية صناع القرار على الالتفات العاجل لبلورة أولويات «الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج العربي لخدمة مواجهة إيران، الحرب ضدّ داعش، عدم الاستقرار في العراق، الحرب في سورية، والصراع في اليمن » مشيراً الى التحوّل الذي طرأ على ميزان القوى العسكرية التقليدي «بانضمام تشكيلات المتشدّدين العقائديين، والقوى خارج الأطر الرسمية للدولة وداعميها، ومروحة متنامية من القوات المخصصة للقتال في حروب غير متماثلة».

حثت مؤسسة هاريتاج صناع القرار في واشنطن على إيلاء مزيد من الاهتمام «للتعاون مع باكستان في مجال مكافحة الإرهاب عوضاً عن تركيز الأنظار على التعاون بشأن الملف النووي السلمي، خاصة للتحديات التي تواجهها باكستان في حربها ضدّ الإرهابيين». وحذرت المؤسسة من نزعة واشنطن «ادارة ظهرها لفشل إسلام اباد في تعقب وملاحقة الارهابيين الذين يشكلون تهديداً لمصالح الأمن القومي الأميركي وزعزعة استقرار المنطقة». ومضت في تحذيرها من سعي واشنطن «لعدم ربطها المشاورات النووية بنشاطات مكافحة الإرهاب» في الاراضي الباكستانية والتي «ستسفر عن إضاعة الوقت ليس الا».

سورية

اعرب معهد كارنيغي عن اعتقاده بوجود أبعاد اخرى للتدخل الروسي في سورية فضلاً عن المسلّم به من «دعمها لنظام الاسد وقتل المقاتلين الجهاديين، بل في الخلفية نفوذ واشنطن وتمدّد داعش». واوضح انّ روسيا استطاعت تجاوز «مرحلة ما بعد الحرب الباردة والخروج من عباءة نفوذ الولايات المتحدة». اما في الشرق الاوسط فإنّ روسيا «تدّعي حقها في مساواة الدور الأميركي لمحاربة الإرهاب وادارة الأمن الاقليمي، عبر استخدام القوات العسكرية».

فلسطين

روّج معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى لمضمون دراسة نقدية أجراها العقيد في الجيش «الاسرائيلي»، الون باز، حول الأوضاع الحالية للقوات المسلحة وما يتعيّن عليها القيام به من «ترميم شامل للاستراتيجية الأمنية الاسرائيلية، لا سيما اعادة الاعتبار لمبدأ أمني حيوي بإعلاء الخداع والدهاء على حساب عنصر القوة الغاشمة». وأوضح باز «تضاؤل فعالية المؤسسة العسكرية» بالرغم من «الاستثمار العالي في عتاد الجيش على مدى جيل كامل، فالنتائج كانت غير حاسمة طيلة أربعة اشتباكات عسكرية خلال ثماني سنوات». وأردف أنّ أحد أوجه القصور في المؤسسة العسكرية «تراجع قدرتها في تحديد وإدراك التحديات البارزة، مما يلقي بمسؤولية الردود الإبداعية على المؤسسة الأمنية».

في دراسة منفصلة، تناول معهد واشنطن الغليان الشعبي في فلسطين المحتلة، والقدس فيها بشكل خاص، مرجحاً انها تتفاقم على خلفية «الغياب الكلي لمفاوضات السلام، ومن شأن حوادث الطعن في القدس ان تعيد تشكيل توجهات الرأي العام وتدفعها باتجاه فرض عواقب سياسية». واضاف انّ الجمهور «الاسرائيلي» لا يقف على إجماع معيّن حول القدس، اذ «ينظر بعض يهود إسرائيل الى احياء القدس الشرقية بتفاوت عن أقرانهم الآخرين».

الأردن

استعرض صندوق مارشال الالماني الاتفاق الأردني لاستيراد الغاز من «اسرائيل»، بالنظر إلى العقبات التي اعترضت اتخاذ الحكومة الاردنية قراراً استراتيجياً يتعلق بموارد الطاقة في ظلّ مناخ تواجه فيه الدولة تحدّيات مصدرها داعش». واوضح انّ الأردن يعاني أصلاً من تفاقم الأزمات الاقتصادية والضغوط الدائمة على موارده المحدودة، والتي «تضاعفت مع موجات هجرة اللاجئين وحاجتهم الإضافية إلى موارد الطاقة وتداعياتها الكبيرة على أعباء الميزانية». وأضاف انّ أحد الدروس المستفادة من موجات الطعن «تعزيز المعارضة الشعبية الأردنية للاعتماد الاقتصادي على «إسرائيل»، وانّ حلّ معضلات أمن الاردن في مجال الطاقة ينبغي ان تأخذ بعين الاعتبار التحديات الجيوسياسية المتنوعة».

تونس

حذر معهد كارنيغي الحكومة التونسية من تداعيات انتشار الحركة الجهادية السلفية على أمن البلاد، وعليها «التجاوب مع المطالب السياسية للأجيال الناشئة وحفز توجهات التعدّدية في المجال الديني». كما حثها على تقديم التسهيلات «لمأسسة الحركة السلفية وإتاحة فرصة المشاركة للعناصر الراغبة في العمل ضمن إطار السياسة الرسمية، وتخفيف قبضتها الأمنية والقيود المفروضة على المنابر الدينية». كما وجه المعهد نصيحته إلى حركة النهضة، بحكم مكانتها «كأقوى حركة دينية في تونس، ينبغي عليها إيجاد نقطة توازن بين نشاطاتها الدينية والسياسية، والمساهمة في انحسار نفوذ المجموعات المتطرفة».

حرب باردة أدنى من الاشتباك

اعتاد حلف الناتو على إجراء مناورات عسكرية لقواته المرابطة في مياه البحر المتوسط بمعدّل مرتين في السنة، ضماناً لرسالة الجهوزية التي يريد إيصالها لخصمه الاتحاد السوفياتي إبان عصر الحرب الباردة. انحسر معدّل المناورات وحجمها اضطراداً بسقوط الاتحاد السوفياتي، وعادت لتأخذ ابعاداً أخرى منذ الإعلان عن «الحرب ضدّ الإرهاب».

ارتفاع حدّة التوتر بين واشنطن وموسكو، لا سيما منذ الأزمة الأوكرانية بشكل خاص وارتداداتها الإقليمية والدولية، أسهم في استعادة الحلف استعراض عضلات قوته العسكرية، خياره الأخير للحيلولة دون خروج ايّ من دوله الأعضاء عن إرادة طرفه الأقوى.

باشر الحلف بتنفيذ «أضخم مناورة عسكرية له منذ 13 عاماً»، في مياه البحر الأبيض المتوسط، بدأت في 19 تشرين الأول الحالي وتنتهي في 6 تشرين الثاني المقبل، أطلق عليها مناورات «منعطف ترايدنت». سيشارك في المناورات ما ينوف عن 30 دولة، بين مشاركة ومراقبة، ينخرط فيها 36.000 ونيّف من القوات البرية والبحرية والجوية، بمساندة 140 طائرة مقاتلة وأكثر من 60 سفينة حربية و230 وحدة عسكرية.

الهدف المعلن للمناورات أعلنه بوضوح نائب الأمين العام للحلف ألكسندر فيرشبو، مطلع الأسبوع الماضي، بأنه للردّ على تنامي القوة العسكرية لروسيا «وضمّها إلى شبه جزيرة القرم وتأييدها للانفصاليين في الشرق من أوكرانيا وشنّها هجمات ضدّ المعارضة المعتدلة في سورية».

وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، أعرب عن قتامة المشهد العالمي بعد استعراض روسيا لقوتها العسكرية وقيام طائراتها باستعراض القوة أمام الولايات المتحدة وحلف الناتو، مما حفز «بريطانيا على العمل مع شركائنا في حلف الناتو حتى نتمكن من الردّ على ايّ تهديد». وذهب فالون الى أبعد من ذلك بالإقرار انّ المناورات «تمهّد لإعداد قوة الردّ التدخل السريع لحلف الناتو» في ايّ منطقة من العالم.

تحاكي المناورات التهديد الناجم عن «غزو مفترض تقوم به دولة كبيرة لدولة صغيرة عضو في الحلف، تنجم عنه أزمة بأبعاد دينية وعرقية، يهدّد خطوط إمداد الطاقة وحرية الملاحة ومخاطر انتشار الإرهاب».

وجاء في النص المعدّ للمناورة، السيناريو، انّ القوات العسكرية الغربية ستواجه عدداً من القوى المعادية، ليس قوات نظامية فحسب، بل «مقاتلون متمرّسون في حرب العصابات، وانعدام الأمن الغذائي، وتشريد أعداد كبيرة من السكان، وهجمات الحرب الالكترونية، ومواجهة حرب بالأسلحة الكيميائية وعلى الصعيد الإعلامي أيضاً».

قادة الأسطول البحري الأميركي في اوروبا أعربوا عن عميق قلقهم من «التهديدات الروسية»، خاصة لجهودها المستمرّة لإنشاء قواعد عسكرية في القطب المتجمّد الشمالي «وتهديدها حلفاء حلف الناتو في بحر البلطيق». وقال نائب اميرال الأسطول الأميركي السادس، جيمس فوغو، انه عندما ينظر المرء «بعين شمولية للأوضاع الأمنية بشكل عام، والتهديدات الحاضرة، سيخلص الى زيادة نوعية في حدّتها ونحن على أبواب توديع العام 2015 والولوج الى عام 2016 وعلى امتداد ابرة البوصلة».

نائب اميرال البحرية البريطانية، بيتر هدسون، اوضح حديثاً مصدر القلق الغربي من روسيا بأنّ «سلاح بحريتها يظهر قدراً اكبر من الثقة والحزم» في بسط نفوذه خاصة عبر «نشاطاته العملياتية في مناطق بحر البلطيق والبحر الأسود وشرقي المتوسط والتوجه نحو المحيط الهندي، مما يؤشر على عزم روسيا الاعتناء بقواتها العسكرية». واضاف انّ حلف الناتو ضاعف من مناوراته البحرية للعام الحالي «بنسبة 35 ، تركزت تدريباتها على مواءمة مهارات أساطيل دول الحلف الضرورية لمواجهة خصم متطوّر مثل روسيا».

ابرز المؤسسات البحثية الأميركية المعنية بالشأن الأوروبي، صندوق مارشال الألماني، اعتبر مناورات «انعطاف ترايدنت» بانها ترمي «حقيقة لإظهار ترابط حلف الناتو وقدراته على نشر قوات عسكرية كبيرة تردع اي هجوم».

السيناريو المعدّ للمناورات

تجري تدريبات «منعطف ترايدنت 15»، باستخدام برامج كمبيوتر تختصّ بنشاطات مركز القيادة، CAX/CPX، يليها مناورات حية تستمرّ لأسبوعين. مصطلح «سوروتان» هو اختصار لكلمتي sor النرويجية، وتعني الجنوب، و otan الفرنسية، وتعني حلف الناتو.

يشرف على التدريبات اللواء في القوات البرية الألمانية راينهارد وولسكي، قائد مركز إدارة الحرب المشتركة، باعتماد التدرّب على احتمالات وهمية لسوروتان، والتي قام بتطويرها مركز إدارة الحرب المشتركة بغية معاينة الشروط الضرورية لإنجاز كافة أهداف التدريبات وتوفير الدعم لجهود الناتو وقدرته على تقييم قدراته وتلبية التحديات العملياتية المنظورة لعام 2020.

تمّ اعتماد إطار جامع متعدد الاطراف لتطوير سيناريو شامل بيئة اصطناعية، ينطوي على أبعاد سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية والبنى التحتية والمعلوماتية، يعالج فيه بيئة شديدة التعقيد وغير مستقرة. يأخذ بعين الاعتبار ذروة التحديات الصادرة عن الاعتداء الصارخ لأراضي دولة من قبل دولة أخرى، وما يرافقه من تنامي زعزعة الاستقرار السياسي، والتوترات الاثنية، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة.

في المحصلة، الأزمة الناتجة تؤدّي الى استصدار تخويل من الأمم المتحدة لعملية تدخل بقيادة حلف الناتو تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في منطقة جغرافية بعيدة عن أراضي الحلف.

الهدف

يحدّد سيناريو «سوروتان» مروحة واسعة من التهديدات التقليدية وغير التقليدية ضمن إطار رسمي متكامل بغية اختبار جهوزية حلف الناتو على الصعد التكتيكية والعملياتية لخوض الحرب. جهود الحماية والدفاع عن الدولة الضعيفة «لاكوتا» ضدّ خصم إقليمي لدية قدرة عالية على التكيّف مع التغيّرات، «كامون»، وتتضمّن العناصر التالية:

ـ قتال حربي مشترك بكثافة عالية.

ـ التصدّي لتهديدات حربية هجينة وتكتيكات حربية أخرى

مسرح دفاع للصوايخ الباليستية.

ـ عمليات الدفاع في الفضاء الالكتروني.

ـ توفر الخبرة والمشورة في مجالات الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية.

ـ معالجة العنف ضدّ السكان المدنيين.

ـ استعراض سبل حماية الطفولة والحيلولة دون انتشار سبل عنفية سببها الجنس.

ـ استعراض الأزمات الإنسانية.

ـ التلويح باستخدام القوة الناعمة والديبلوماسية العامة.

ـ مواجهة وسائل إعلامية مسيطر عليها، رسالتها مخادعة وتداعيات ذلك على البيئة الشاملة.

ـ تدريبات «سوروتان» من شأنها امتحان قوات تدخل حلف الناتو أكبر من أيّ وقت مضى، وإتاحة الفرصة لتصدّيه الفعّال للتهديدات الأمنية الراهنة وتقييم وتحديد ماهية المتطلبات المستقبلية.

علاوة على ما تقدّم، سيوفر السيناريو تسهيلات لتطبيق مبادرة القوات المترابطة وكذلك التوجه الشامل لإدارة الأزمات بتسخير مجموعة متنوّعة من المنظمات العسكرية والمدنية من أجل التخطيط وتنفيذ كافة المراحل التي تتطلبها عملية الاستجابة للأزمات متعدّدة الجنسيات بغية توصلها لنتائج مشتركة على أرض المسرح.

الإعداد ونطاق «سوروتان»

السيناريو المعدّ يتناول منطقة عديمة الاستقرار، يطلق عليها «سيرآسيا» Cerasia ، التي تخضع لضغوط متزايدة في عدة مجالات، سياسياً وعسكرياً ومدنياً. الصراع الإقليمي سريع التطور يشكل تحدّيات مركبة لحلف الناتو وشركائه.

السيناريو يمتدّ على نحو 4000 صفحة تمّ إعداده وفق العلوم السياسية المعاصرة، يتضمّن إدخال عناصر انتقالية مركبة وأبعاداً أمنية متعددة التراتبية لإحدى عشر دولة مختلفة. المياه هي حافز الصراع في منطقة «سيرآسيا»، للدقة افتقارها اليه، وما ينجم عنها من تصحّر الأراضي، جفاف الآبار الجوفية، التوترات التشاطئية، وتناقص مضطرد لموارد «كامون»، الدولة المعتدية في المنطقة، يحفزها على شنّ عدوان نحو الجنوب من أجل السيطرة على خزان مائي حيوي في «لاكوتا» وفرض شروط التفاوض المائي على الأطراف المعارضة لذلك.

تجذّر مناخ الصراع في «سيرآسيا»، والعلاقة الشاملة بين القوات العسكرية والشركاء الدوليين يكتسب أهمية قصوى، ويسلّط الضوء على الثقة وتعزيز التعاون. بالإضافة الى التوجه الحكومي الواسع، يتضمّن السيناريو مناخات إعلامية معادية باستطاعتها تعديل مسار الصراع، وتسخير عنصر الاتصالات الاستراتيجية كواحد على رأس أهداف التدريبات.

بالمجمل، تمّت بلورة «سوروتان» بالأخذ بعين الاعتبار العمق الضروري، والمرونة الاستراتيجية والعملياتية التي تشكل تحدّيات صعبة لتوفير فرصة تدريبية فريدة للجمهور المعني، بالتركيز على عنصري الاستقرار وعمليات التدخل في الأزمات بمناخ مبتكر عماده التقشف، وفي نفس الوقت، إدراج التهديدات التقليدية وغير التقليدية على السواء.

مياه المتوسط

مناورات «منعطف ترايدنت» في مياه البحر المتوسط رمت إرسال رسالة «واضحة لروسيا وتدخلها العسكري في سورية»، فضلاً عن تهيئة الأرضية وإرساء الحوافز ربما لدخول قوات الحلف الى ليبيا في مرحلة لاحقة. الحيّز المكاني للمناورات يرمي أيضاً لتحديث خطط مواجهة روسيا في مياه وفضاء بحر البلطيق، وهو أحد الاستنتاجات التي خرج بها الخبراء العسكريون من «هجوم برمائي افتراضي على شواطئ البرتغال شاركت فيه قوات مشاة البحرية الأميركية وحلفاؤها» مطلع الأسبوع المنصرم. يُشار أيضاً الى استقدام البحرية الأميركية حوامات بحرية مرابطة على بعد 100 كلم جنوبي العاصمة ليزبون، على متن سفينة «ارلينغتون» الحربية، حملت قوات مشاة لسلاحي البحرية الأميركية والبرتغالية وعربات مدرّعة، بحماية جوية من مروحيات سلاح البحرية الأميركية.

من الدول المشاركة في المناورات قبالة السواحل البرتغالية كانت كتيبة لكشافة الجيش الاستوني التي أوكلت بمهمة اقتحام أبنية خارج مدينة فورو ومجموعة من نخبة القوات الخاصة الملكية البريطانية ايضاً أوكلت بمهمة اقتحام منطقة الشاطئ باستخدام قوارب ومروحيات وعربات برمائية. شاركت المانيا بفرقاطة حربية من طراز «هامبورغ»، والتدرّب على صدّ هجوم متعدّد الأطراف. مقاتلات أوروبية من طراز «تايفون» شاركت المناورات بالتدرّب على إمداد الوقود جواً.

تجدر الإشارة الى تشابه الطبيعة الجغرافية لشواطئ البرتغال على المحيط الاطلسي بشواطئ الدول المطلة على بحر البلقان، لاتفيا وليثوانيا واستونيا. انضمام سلاحي البحرية الملكية البريطانية والالمانية وتنفيذ مهام إنزال برمائية، ومشاركة أوكرانيا بالمناورات، تشير الى نية حلف الناتو مواجهة البحرية الروسية في تلك المنطقة.

السويد وفنلندا غير منضمّتين رسميا لحلف الناتو ومتوجّستين من التعزيزات الروسية قرّرتا الاصطفاف الى جانب خطط الحلف في مواجهة روسيا، وانضمّتا للاتحاد الاوروبي طمعاً في توثيق العلاقات مع دول الاتحاد. يشارك سلاح الجو السويدي ووحداته البرمائية في مناورات الحلف. فنلندا شاركت بمفرزة من مقاتلاتها الحربية من طراز اف-18 اس، التابعة للواء البحرية، ووحدة من القوات الخاصة قوامها 160 عنصر شاركت بمجموعها في عمليات الإنزال البرمائي. أوكرانيا شاركت رمزياً بإرسال طائرات نقل وقوات دفاعية محدودة.

للتذكير، شاركت السويد بجانب الدانمارك والنرويج في «قوات حفظ السلام» الدولية في البلقان مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي. كما ساهمت كافة الدول الاسكندنافية برفد قوات حلف الناتو بوحدات من بلادها في الحرب على أفغانستان.

الدول الاسكندنافية عبّرت مراراً عن ضيق ذرعها من خرق المقاتلات الروسية أجواءها ودخول سفنها الحربية المياه الاقليمية دون اذن مسبق، وادّعاء السويد مؤخراً بدخول غواصة حربية روسية مياهها العام الماضي وقيامها بالبحث عنها. وأعلنت السويد في نهاية شهر تموز 2015 العثور على غواصة روسية في أعماق بحارها، وتبيّن لاحقاً انها من مخلفات الحرب العالمية الأولى غرقت عام 1916.

التدخل الروسي في سورية وتعزيز حضورها العسكري في القطب الشمالي زاد من قلق حكومات الدول الاسكندنافية من نوايا روسيا في منطقة بحر البلطيق، وحفز السويد وفنلندا الالتفات لحماية حلف الناتو لهما.

تداعيات «منعطف ترايدنت» على الشرق الاوسط

وسّعت الولايات المتحدة من حضورها العسكري في الآونة الاخيرة بإقامة قواعد عسكرية متعدّدة في المنطقة العربية، وصفتها صحيفة «واشنطن بوست»، 20 ايلول 2011، بأنها مهابط طيران سرية في اليمن وجيبوتي، متعددة الوظائف تندرج تحت عنوان «مكافحة الإرهاب».

بالعودة إلى تصريحات وزير الدفاع البريطاني سالفة الذكر، فإنّ مناورات الحلف ترمي لإعداد قوة تدخل سريع للحلف قوامها 5.000 جندي موزعين على خمس كتائب عسكرية تدعمها طائرات مقاتلة وسفن حربية ووحدات من القوات الخاصة، مهمّتها جهوزية تدخلها في غضون 48 ساعة»، في ايّ منطقة بما فيها التدخل في ليبيا وسورية.

تجدر الإشارة الى توجه قيادة الناتو في السنوات الأخيرة وإنجاز التوجه لتعزيز هيكلية القوة لتصل الى قوام قوة مشتركة يصل تعدادها الى 30 ألف جندي وبمركزي قيادة في برونسوم ونيبولي ومؤلفة من مكونات بحرية وبرية وجوية ولوجستية وقوات خاصة، ووضعت مهام ثلاثة رئيسية لها:

توفير قدرات دفاعية سريعة تصل الى الميدان او مركز الحدث الطارئ قبل ان ترسل القوات الاعتيادية الأخرى

إدارة لحالات الأزمات والطوارئ ودعم عمليات حفظ الأمن او السلام. وتوفير اعمال الإغاثة في الكوارث ولحماية منشآت البنية التحتية الحيوية.

الإعداد لمناورات «ترايدنت» جرى على قدم وساق منذ العام الماضي، وأدخلت عليها تعديلات لتشمل تدريب قوة الردّ السريع، وهي ليست المرة الأولى لمشاركتها، بل كانت ضمن تدريبات «القفز النبيل» التي تمّت في شهر نيسان 2015 في الأراضي الهولندية والتشيكية، لاختبار جهوزيتها للردّ السريع بحماية المطارات. كما أجريت الدورة الثانية من مناورات «القفز النبيل» في شهر حزيران الماضي بمشاركة قوات المانية وهولندية وتشيكية ونرويجية انتشرت في غربي الأراضي البولندية لمواجهة ازمة إقليمية في طور التشكيل.

قوة الحلف للتدخل السريع يتمّ إعدادها بعناية للتعامل مع ايّ أزمة مستقبلية في منطقة الشرق الأوسط، بمواصفات قتالية عالية، تدعمها قوات برمائية وقد توكل اليها مهمة اجلاء المدنيين من مناطق الصراع وكذلك موجات هجرة اللاجئين الى اوروبا.

المناورات المشار اليها شاركت فيها قطع من الأسطول الأميركي الخامس العاملة في مياه بحر العرب، شملت مجموعة كيرسارج البرمائية والوحدة السادسة والعشرين من كشافة مشاة البحرية التي دخلت منطقة عمليات الأسطول السادس، في البحر المتوسط، يوم 13 تشرين الأول الحالي ، وشاركت في تدريبات الإنزال على سواحل البرتغال. ومن المقرر استمرارها في مساندة المناورات الجارية لحين نهايتها مطلع الشهر المقبل.

تضمّ المجموعة المشاركة سفينة الإنزال البرمائي متعدّدة المهام «كيرسارج»، وسفينة الهبوط البرمائي «اوك هيل»، وسفينة النقل البرمائي «ارلينغتون» وقوات مشاة سلاح البحرية. فور انتهاء المناورات ستعود القوة أدراجها للالتحاق بالأسطول الأمّ عبر قناة السويس، وتستكمل مهامها في توفير الدعم والإسناد للعمليات المشتركة للقوات العسكرية الأميركية وحلف الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي، وتوفير الطمأنة الأميركية بأنّ إيران لن تقدم على مهاجمة دول المجلس.

المناورات تنطوي على تدريبات لمكافحة الغواصات

استعاد القادة الأميركيون الخطاب العدائي لروسيا لتبرير نزعة الإنفاق العسكري المنفلتة من عقالها. وزعم نائب اميرال الأسطول السادس، جيمس فوغو، انّ «الروس واظبوا على توفير الميزانيات الضرورية لتعزيز القدرات المتطورة لسلاح الغواصات، وأضحوا في أوضاع افضل من السابق، فالغواصات عادت تمخر عباب البحر بهدوء شديد». وأضاف انّ ذلك يستدعي استمرار جهود المراقبة بعناية «واخذها بالحسبان أثناء تحركاتنا في أعماق البحار».

القطع البحرية الأميركية المتواجدة في مياه البحر المتوسط تتضمّن أربع مدمرات، السلاح الرئيس في مكافحة الغواصات، وصفها الأميرال فوغو بأنها «إمكانيات رائعة متوفرة خاصة لقدرتنا على إبقاء اثنتين منها تجوب مياه البحر في وقت متزامن، بإمكاننا إرسال إحداها شمالاً والأخرى جنوباً في مياه المتوسط». ومضى منتشياً: «باستطاعتي دخول المناطق الملتهبة في غضون بضع ساعات، وليس أياماً، نظراً لتواجدنا الفعلي في الساحة».

تفاؤل فوغو يغفل عن الأخذ بعين الاعتبار العقبات الأخرى التي تعترض سلاح البحرية الأميركي، لا سيما معاناة جدية في نقص الموارد المتاحة خلال مهام تعقب التحركات الروسية في المنطقة، نظراً إلى تخفيض الميزانيات والتعديلات الجارية على أولوية التهديدات، مما اضطر القوات الأميركية الاستعانة بمعدات تابعة لدول الحلف الأخرى لتغطية النقص، شملت مروحيات بريطانية لإتمام مهام تدريبات المنعطف.

توضيحاً لمسألة النقص، أفاد قائد القوات البرية الأميركية في أوروبا، اللواء بن هودجز، انه «لا تتوفر لدينا مروحيات بأعداد كافية لإتمام المهام المنوطة بقواتنا». واضاف في تصريح له لصحيفة «نيويورك تايمز» انّ القوات الأميركية تجري تدريباتها على طائرات بريطانية التي تعاظمت أهميتها.

نقص المعدات الحربية الأميركية المتوفرة لتدريبات «المنعطف» دلت على استعداد دول حلف الناتو ودول اخرى «مشاركة» في المناورات العمل الجماعي للإعداد ومواجهة «التهديد الروسي المتنامي».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى