دمشق وطهران… حلف يتجذّر ورسائل تسقط إشاعات الخلاف
هشام الهبيشان
في وقت دحضت الزيارات المتبادلة الرسمية بين دمشق وطهران والتي حملت تأكيد طهران دعمها المستمرّ للدولة السورية في حربها على الإرهاب، كلّ الأقاويل والإشاعات التي تحدثت عن تغيّر ما في موقف الإيرانيين تجاه دعمهم للدولة السورية بعد توقيعهم الاتفاق النووي مع القوى العالمية الكبرى 5+1 ، أو بعد زيارة الرئيس الأسد موسكو، فدمشق وطهران خلال الفترة الأخيرة كانتا مسرحاً لمجموعة لقاءات ثنائية، ومنطلقاً لطرح مجموعة رؤى لكيفية التعامل مع ملف الإرهاب في المنطقة، فقد استضافت دمشق مؤخراً، وفداً رسمياًً برلمانياً إيرانياً ضمّ رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي ونخبة من السياسيين والاقتصاديين الإيرانيين، وقد حملت زيارة الوفد الإيراني رسائل عدة، وكان الهدف إيصالها بوضوح إلى جميع الذين راهنوا ويراهنون على تغيّر ما في العلاقة بين دمشق وطهران.
هذه الرسائل وترابط ثنائية الهدف والمنظور للأبعاد المستقبلية للمشروع التكاملي الإيراني ـ السوري تظهر في شكل واضح مدى التقارب في المواقف السياسية والأمنية والاقتصادية، بين الدولة الإيرانية والدولة السورية، وهذا ما ظهر جلياً من خلال زيارة الوفد الرسمي الإيراني الأخيرة دمشق، والتي من المتوقع أيضاً أن تتبعها قريباً زيارات أخرى متبادلة وعلى مستويات رسمية عليا، لتأكيد حجم التقارب في الآراء وثبات الموقف الإيراني في دعم سورية لمواجهة الحرب الإرهابية التي تتعرّض لها، ما يدحض جميع الإشاعات التي كانت تطلقها بعض الصحف الصفراء، ووسائل الإعلام المتآمرة، والتي كانت تروّج لإشاعات عن وجود تغيّر في الموقف الرسمي الإيراني تجاه الحرب المفروضة على الدولة السورية.
زيارة الوفد الإيراني الأخيرة إلى دمشق أتت لتؤكد ولتحمل مجموعة رسائل: أولى هذه الرسائل وجهت إلى الداخل السوري ومفادها أنّ إيران ما زالت في صف الدولة الوطنية السورية بكلّ أركانها، وهي مستمرة في دعم الدولة السورية، اقتصادياً وسياسياً، وستبقى دائماً في صفها، وإلى جانب شعبها وجيشها، لتدحض كلّ الإشاعات التي اختلقتها بعض الأقلام المأجورة ووسائل الإعلام المتآمرة، التي كانت تشيع أنّ إيران بدأت بمراجعة موقفها من دعم الدولة السورية، بعد التوقيع على ملفها النووي.
أما الرسالة الثانية، والأهمّ فموجهة إلى حلف دولي راديكالي كان يسعى ولا يزال لإسقاط الدولة السورية بكلّ أركانها، ومفاد هذه الرسالة أنّ أيّ حلّ للأزمة في سورية يتجاوز حقّ الشعب السوري في تقرير مصيره، هو حلّ غير مقبول ولا يمكن للدولة السورية كما الإيرانية أن تقبل به بصفتها حليفة للدولة السورية، وهذا الكلام جاء واضحاً خلال لقاء الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، ما يعني أنّ الحلول المستوردة والمصنّعة غربياً في مطابخ حلف دولي يدعم الإرهاب ويسعى لإسقاط الدولة السورية بكلّ أركانها، لا يمكن لها أن تحظى بقبول الدولة السورية ولا حلفائها.
الرسالة الثالثة التي أكدها بروجردي هي رسالة مهمة جداً وموجهة إلى دول الإقليم المشاركة في الحرب ضدّ سورية ومفادها أنّ إيران ما زالت في خندق الدولة السورية وستدعم باستمرار شرعية القيادة السورية، والتي ولدت من رحم صناديق الاقتراع يوم 3 حزيران عام 2014، وستستمرّ في هذا الدعم إلى حين تعافي الدولة السورية من آثار الحرب المفروضة عليها.
الرسالة الرابعة: موجهة إلى حركات وقوى المقاومة في المنطقة والإقليم ككلّ، ومفادها أنّ طهران ما زالت في صف كلّ قوى المقاومة في المنطقة العربية من اليمن إلى العراق إلى فلسطين إلى لبنان إلى سورية، وما زالت تدعم كلّ القوى الهادفة إلى التحرّر من فوضى وإرهاب المشروع الصهيو ـ أميركي، وما زالت تقف وبقوة في صفّ كلّ حركات المقاومة لهذا المشروع التقسيمي والتدميري في المنطقة، وفي الإطار نفسه، ستعمل كلّ من دمشق وطهران على تقديم كلّ الدعم لبغداد لتعزيز مشروعها الوطني الهادف إلى تطهير الأرض العراقية من الإرهاب المستورد، وهما تؤكدان دائماً أنّ بغداد هي الرئة والمتنفّس لطهران ودمشق، وكلّ هذا يأتي من باب ولادة حلف إقليمي- دولي بملامح جديدة بدأت معالم اكتماله تظهر في شكل واضح، وهو حلف دمشق ـ موسكوـ طهران، والهدف منه هو تعزيز منظومة أمن هذه العواصم وتمتين الروابط الاقتصادية والسياسية في ما بينها.
ختاماً، إنّ رسم معالم واضحة لطريق مستقبلي شاق تخطوه خطوة بخطوة كلّ من دمشق وطهران يحتاج إلى مزيد من تمتين الروابط بين البلدين، وهذا ما جاء واضحاً في الفترة الأخيرة تحديداً، فهذه اللقاءات المشتركة والمتبادلة بين دمشق وطهران، تؤكد تصميم الدولتين على تجاوز هذه الأزمة بكلّ تجلياتها المؤلمة، والسعي إلى بناء مشروع تجديد أممي محوري بالشراكة مع حلفائهما الدوليين، يهدف إلى استكمال بناء مشروع تحرّر هدفه الأساسي تأمين ولادة ميسّرة لنظام عالمي يسقط يافطة القطب الأميركي الأوحد، وما سيتبع ذلك من انهيار وسقوط مدويين لكلّ أدوات المشروع الأميركي في المنطقة العربية والإقليم وعلى رأس هؤلاء الكيان الصهيوني.
كاتب وناشط سياسي ـ الأردن
hesham.habeshan yahoo.com