همّ جديد… فوبيا الأمطار!

فدى دبوس

ساعة إلا ربعاً هي حصيلة الوقت الذي أمضيته أنا وغالبية المواطنين على الطريق والمياه تغمرنا من كلّ جانب.

فرحنا بعودة الشتاء وهطول الأمطار، والأجمل كان ذلك الصوت الذي ينبعث من الراديو، عبر ذلك الـ»CD» الذي وضعته فور الانطلاق من عملي، وبدء هطول الأمطار. السماء ملبدة بالغيوم، الشوارع مزدحمة وسيل من المياه يتدفق من حولي، ولكن رغم ذلك كانت السعادة تغمرني فلا يوجد أجمل من مياه الأمطار التي تغسل قلوبنا باستمرار.

وفي آخر الطريق وقبل الوصول إلى الوجهة المقصودة تفاجأنا بزحمة سير غير مسبوقة، سيارات تقف بشكل عبثي، وأفراد يخرجون من سياراتهم وأنا «يا غافل إلك الله»، لا أزال أستمع إلى أغاني فيروز الجميلة، وعلى وقع أغنية «بحبك يا لبنان» اكتشفت الكارثة وأدركت فجأة أنني بتّ محاصرة، والعدوّ هذه المرّة هو مياه الخير التي سرعان ما تحوّلت معها الطرقات الى برك عائمة.

بحيرة اصطناعية والسيارات تطفو على سطح المياه وصوت فيروز لا يزال يصدح «بحبك يا لبنان»، ومع كلمة «بحبك يا لبنان» نزل سائق سيارة أجرة ليلعن لبنان والحكومة والوزارات والمسؤولين، مفارقة كبيرة كنت أعيش أنا بدوّامتها على غفلة منّي.

هذا المشهد الذي كنت أنا الشاهد الأوّل عليه، سرعان ما انتشرت صوره على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الناشطين، وسرعان ما تصدّر العناوين الأولى لنشرات الأخبار، والمضحك المبكي أن المشهد هذا كان قد سبقه مشهد للنفايات العائمة قبل أيام معدودة. لنعرف ونصبح شبه مؤكّدين أن الشتاء في لبنان نقمة لا نعمة وأننا بتنا معرّضين للخطر حتى من الخيّرات التي ينعم الله بها علينا.

لكن أليس غريباً أن يتكرر المشهد هذا في غالبية البلدان العربية، أليس غريباً أن نرى بركاً اصطناعية في مختلف الدول عند بدء موسم الشتاء؟ فمثلاً منذ أيام قليلة وحتى اليوم، سيطرت على صفحات الناشطين المصريين صور لمدينة الاسكندرية وهي عائمة بالمياه من كلّ ميل وصوب. والبارحة ظهرت بضع صور قيل إنها في الكويت تظهر أيضاً أصحاب الجلاليب وهم يغوصون بالمياه في سياراتهم، وغيرها من الصور التي أظهرت حجم المأساة على مختلف المواطنين من مدن ومواقع عدّة، فهل نبدأ بالتكهّن بأننا نعيش مؤامرة جديدة ألا وهي مؤامرة دمار البنى التحتية؟

ربما بدأنا عصر حرب جديدة، هي حرب لا دخل للطوائف والفتن والمذاهب فيها، حرب لا دخل لـ»داعش» أو «النصرة» أو «إسرائيل» فيها، هي حرب مع الفساد. فساد حكومات ومسؤولين لا يهتمون سوى بأخذ الأموال والضرائب وتحميل المواطنين عبئاً جديداً.

وربما بات على اللبناني أن يعيش همّاً جديداً، ألا وهو «فوبيا الشتاء» فمن يعلم ربما بات علينا جرّ مركب احتياطي وربطه بالسيارة فإن حصل وعامت الطرقات لا خوف علينا ونكون نحن السبّاقون في حلّ الأزمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى