الحروب المستمرة
بلال شرارة
في لبنان حوار عاصف خارج القاعات المغلقة، أما داخلها فالحوار معقول ومقبول وإنْ كان لا يجوز أن ننكر التصعيد السياسي الذي هو انعكاس لوقائع إقليمية في فلسطين. لم يعد هناك من خط أحمر. الحكومة «الإسرائيلية» تواصل وضع إصبعها على الزناد وهي تطلق النار عشوائياً على جميع الفلسطينيين… النساء والرجال والأولاد فوق أو تحت السن لا فرق، والشعب الفلسطيني في غياب إدارة سياسية وميدانية لمقاومة الاحتلال رسمية أو غزاوية والشعب الفلسطيني من تلقاء نفسه رفع شعار «ادبح تربح» فهو أمام خيارات مغلقة باستثناء حرب السكاكين.
في سورية العمليات العسكرية تسبق العملية السياسية فأطراف التحالف الدولي الجوي الأميركي عادت لترمي الأسلحة والذخائر للمعارضة هنا وهناك أمام تقدّم الجيش. وفي المقابل، رغم العملية السياسية التي تعمل روسيا على إنضاجها إلا أنّ الواقع هو:
أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
في العراق لعبة العسكر والحرامية مستمرة.
فالمعركة على محاور الأنبار على أشدّها، وكذلك التعبئة المذهبية، وفي المقابل فإنّ الضغط على محاور الفساد الرسمي مستمرّ وكلّ الحروب جارية على قدم وساق.
في ليبيا كلّ المدن تقع ضمن دوائر النار فيما، يقع الحوار الليبي تحت ضغط فيتو من هنا وفيتو من هناك، وفيما يقع الجوار الليبي في حالٍ من القلق.
في سيناء، الجيش المصري تتقدّمه قوات الصاعقة يواصل عمليته العسكرية ضدّ قواعد الإرهاب في الشيخ زويد والعريش ورفح.
في اليمن، الحرب مشتعلة على محاور المدن الرئيسية كافة والبحر والبرّ، والحلّ السياسي في الثلاجة ولا حلول في الأفق.
وحسب العارفين فإنّ التصعيد في كلّ منطقة سيستمرّ خلال المئة يوم المقبلة والحلّ السياسي، لأية مشكلة أو مسألة أو ملفّ لن يبصر النور قريباً.
المنتصر حتى هذه اللحظة هو احتكارات السلاح: المبيعات مستمرة، مليار دولار ثمن قذائف فائقة الدقة هنا ومبلغ موازٍ ثمن غواصات وغير ذلك، وكلّ أثمان المبيعات النفطية تتدفق إلى خزائن شركات إنتاج الأسلحة فيما تتواصل المناورات بالذخيرة الحية على جسد الأقطار العربية بشراً وشجراً وحجراً.
أفول على المدى التكتيكي ربما يخدم الأمر احتكارات السلاح وانخفاض أسعار مبيعات النفط، ولكن ماذا عن المستقبل؟
أية شعوب ستبقى وأي نظام سياسي سيقوم في كلّ مكان؟ مَن يحاسب مَن على حرمان شعوبنا من حق الحياة؟ وكم من الوقت سيلزم لتكتشف الشعوب الحقائق حول إنتاج داعش وحول حرب اليمن وحول صراع أو اتفاق الامبرياليات وأدوار الدول الصناعية الكبرى في إطار الشرق الأوسط الجديد.
نحن سنقع في شرق مدمّى، مقبول، مجروح، معاق، مشرّد، لا يملك مسكناً ولا مدرسة ولا مصنعاً فقط فرص عمل على خطوط الإمداد بالنفط والغاز.
سيجري إخضاع الأحياء من الناس مَن تبقى لخدمة قوى العمل والإنتاج في حقول إنتاج النفط والغاز البرية والبحرية وخطوط إمدادها، الأمر كان كذلك منذ مئة عام، واليوم هو كذلك، ولكن ما تغيّر هو اتساع مساحة الحقول باتجاه الشرق البحر المتوسط سورية ولبنان وقبرص والشواطئ الفلسطينية وحقول الغاز والنفط المصرية، أيّ تجاوز الاستثمار لمساحة منطقة الخليج وشط العرب والشواطئ الليبية إلى مساحة البحرين الأحمر والمتوسط.
الحروب ستأكل أحشاء أوطاننا، ستقتل أبناءنا من أجل تأهيلنا للمستقبل.
أنا أعتقد، بل أجزم أنّ الدول الصناعية الكبرى سوف لا تتخلى قريباً عن مساحات الحروب المشتعلة و»الفوضى البناءة» كوسيلة لجعل أوطاننا لقمة سائغة للاستثمارات. والحديث الدائر عن اقتراب حلول سياسية هو مجرد غيمة صيف، فنحن ضيّعنا في الصيف اللبن وفي الشتاء نقف عراة تحت سقف الله.