التشويش الفرنسي
حميدي العبدالله
لا شك أنّ اللقاءات والاتصالات السياسية المكثفة التي تجري على أكثر من صعيد بمشاركة روسيا والولايات المتحدة وبعض دول المنطقة المعنية بالشأن السوري، تندرج في إطار مساعي البحث عن حلّ سياسي بعد الواقع الجديد الذي أدخله الإسهام الروسي المباشر في الحرب على الإرهاب في سورية. وإذا كانت أهداف روسيا واضحة على هذا الصعيد لجهة بعث رسائل مفادها أنّ الوجود العسكري الروسي في سورية لا يغلق طريق الحلّ السياسي، واستكشاف مدى سقوط الأوهام والرهانات على الاستفراد بالدولة السورية لإسقاطها وتحويل سورية إلى ساحة للفوضى على غرار ليبيا، فإنّ الولايات المتحدة لم تتخذ بعد قراراً نهائياً يوضح موقفها من الحلّ السياسي على قاعدة احترام حق السوريين في أن يقرّروا مستقبل بلدهم السياسي بعيداً عن أيّ إملاءات خارجية.
لكن يمكن القول إنّ اللقاء الذي استضافته فرنسا لبعض الدول المعنية بما يجري في سورية لا يأتي في إطار البحث عن حلّ سياسي أو تسهيل الوصول إلى هذا الحلّ.
نشاط فرنسا على هذا الصعيد يشبه مواقفها من المباحثات حول الملف النووي الإيراني، حيث حاولت دائماً عرقلة الوصول إلى هذا الحلّ، من خلال مزايداتها على الموقف الأميركي، ويشبه أيضاً موقفها الذي وجه انتقادات حادّة لإدارة الرئيس أوباما لأنه جاء قبل المساعي الروسية لنزع فتيل ما عُرف بأزمة الكيماوي في سورية، وعدم قيام الولايات المتحدة بشنّ عدوان عسكري مباشر لإسقاط الدولة السورية.
واضح أنّ الحكومة الاشتراكية، وهذا الفريق من الاشتراكيين الفرنسيّين الذي عُرف تاريخياً بعلاقاته الوثيقة مع الكيان الصهيوني، ومن خلال الكيان الصهيوني مع فريق المحافظين الجدد في الولايات المتحدة يستقوي بتل أبيب وبالصراعات الداخلية الأميركية للتشويش على السياسة الأميركية المعتمدة في ظلّ إدارة الرئيس أوباما، كما أنّ لقاء باريس هو محاولة من الحكومة الاشتراكية للردّ على الولايات المتحدة لاستبعادها عن اللقاء الرباعي الذي عُقد في فيينا حول الأزمة السورية. لكن مثلما أنّ فرنسا عادت ورضخت للموقف الأميركي في الملف النووي الإيراني وكان وزير خارجيتها أول الزائرين لطهران، فإنّ فرنسا الاشتراكية مسموح لها اللعب في الوقت الضائع إزاء الأزمة السورية، ولكن عند التوصل إلى تفاهمات أو اتفاقات، فإنّ باريس سترضخ وتلتحق بالركب وليست لديها خيارات أخرى.