مَنْ سيحكم تركيا بعد الأول من تشرين الثاني؟
د. هدى رزق
قاد أردوغان حرباً ضدّ حزب العمال الكردستاني في الأشهر الأربعة الماضية رداً على خسارة حزبه الغالبية في الانتخابات البرلمانبة التي لم تتح له تأليف حكومة منفرداً. لطالما راهن على محادثات السلام مع الأكراد من أجل الحصول على أصواتهم وتعديل الدستور ليصبح رئاسياً.
لكنه، وبعد نتائج الانتخابات في 7 حزيران الماضي اعتبر حزب الشعوب الديمقراطي الخصم اللدود الذي شكل الحجر الأساس في ضرب طموحاته. وقف من خلف الستارة ضدّ أيّ ائتلاف حكومي مع أيّ حزب من الأحزاب الأربعة الكبرى الفائزة في الانتخابات، وتسلح بصلاحياته من أجل إعادة الانتخابات.
لم تمر الأشهر الأربعة الماضية برداً وسلاماً على الداخل التركي الذي شهد اضطرابات أمنية وعمليات إرهابية يمكن وضعها في خانة تخويف الأتراك وإرهابهم من أجل التسليم للعدالة والتنمية بأنّ الأمن والاستقرار والازدهار لن تتأمن إلا إذا حكم البلاد منفرداً، وإلا فالوضع سيسوء ويشهد مزيداً من الاضطرابات.
شكلت العمليتان الإرهابيتان اللتان تسبّبتا بمقتل عدد كبير من المواطنين على يد «داعش» مفصلاً مهماً في كيفية التعاطي مع الخصوم، واستعمال أسلوب الترهيب لمؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي وللحزب نفسه. جرى إرهاب المعارضة، والهجوم على الوسائل الإعلامية المناهضة لحزب العدالة والتنمية كجريدة «حريات» وصحافييها، وسيق رئيس تحرير جريدة «زمان» الى التحقيق بسبب تغريدة على «توتير» وشهدت الجريدة استقالة عدد من أهمّ صحافييها بسبب التهديدات والاعتداءات الجسدية من قبل مؤيدي أردوغان على أحد الصحافيين ومقدّمي البرامح في «سي أن أن تورك».
في هذه الأجواء، جرى وضع اليد على مجموعة «إيباك كوزا» للأعمال، أي قبل الانتخابات بيومين، وواجه مجتمع المال والأعمال والإعلام الذي تمثله هذه المجموعة والتي تضم 23 شركة قرار من محكمة أنقرة بالاستيلاء على إدارتها، ووضع اليد عليها، بتهمة دعم الإرهاب. جرى تخطّي نتائج التفتيش التي لم تجد مخالفات في سجلات الشركة، لكن الحكومة عيّنت أوصياء لإدارة المجموعة، لكن الأوصياء ينتمون الى العدالة والتنمية وليسوا مستقلين بحسب القانون. تملك هذه المجموعة شركات مختلفة من تعدين الذهب الى وسائط إعلامية، أي من التمويل الى التعليم. أما سبب وضع اليد عليها فيعود الى علاقتها بالداعية محمد فتح الله غولن الذي صوّتت جماعته ومؤيدوه ضدّ العدالة والتنمية. وضعه أردوغان على لائحة الإرهاب واتهمه بمحاولة الانقلاب عليه وبأنه يقود «الدولة موازية». هذه المجموعة نفسها دعمت أردوغان عندما كان رئيساً للوزراء.
لا يهدأ الرجل لا سيما عندما تؤشر استطلاعات الرأي الى مراوحة العدالة والتنمية مكانه. لا يعدم الرجل وسيلة من أجل ضرب خصومه السياسيين واستعمال سلطة الدولة لذلك. وضع يده على القضاء وعلى 80 في المئة من وسائل الإعلام تباعاً منذ بداية حكمه بالطريقة نفسها التي يقوم بها اليوم صحافيون، وقطع أرزاق العديدين من أجل استيعابهم وضغط على وسائل أخرى من أجل طرد صحافيين معارضين. ما حصل لهذه المجموعة يضرب استقلالية القضاء حسب زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي قال إنه إذا لم يرفع الصوت اليوم لأنّ الأمر سيطال شركات أخرى لمعارضين في المستقبل، من أجل ذلك قامت مجموعة رجال الأعمال «التوسياد» للمرة الثانية في غضون شهرين بالتحذير من مغبة ما يحدث في تركيا ووضع اليد على الاستثمارات محذرة من جعل البلاد مكاناً غير صالح للاستثمار يمكنه أن يقود الى أزمة اقتصادية.
إن كان تورغوت أوزال قد أدخل الى تركيا عام 1980 مبادئ حرية الاعتقاد وحرية التعبير وحرية الاستثمار من أجل النهوض بالبلاد بعد الانقلاب العسكري في العام نفسه، فإن أردوغان يعيدها 30 سنة الى الوراء. فماذا سيفعل هذه المرة إذا لم ينل الغالبية؟ لا سيما أن نواب الحزب يهددون بفعل المزيد. هل سيحصل أردوغان على ما يريد؟
وتوقعت شركات استطلاع الرأي أن ترتقع الأصوات المؤيدة للعدالة والتنمية من 40.9 الى نسبة تتراوح بين 42 الى 44 في المئة. وقالت شركة استطلاع واحدة مقربة من العدالة والتنمية إنه سينال 47 في المئة.
أما حزب الشعب الجمهوري فهو حصل على 24.8 في المئة في انتخابات 7 حزيران وسيحصل هذه المرة على نسبة 26 الى 27 في المئة وربما ستذهب 2 الى 3 في المئة من أصواته الى حزب الشعوب الديمقراطي بهدف دعمه من أجل تخطي الـ10 في المئة والدخول الى البرلمان، وهذا ما لا يتمناه العدالة والتنمية الذي يريد إسقاط هذا الحزب والحصول على أصواته من أجل تسجيل انتصار ساحق، ولهذا خاض الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. استطلاعات الرأي جميعها لم تظهر تراجعاً لحزب الشعوب الديمقراطي، وبعضها اعتبر أنه سيفوز بـ 13.4 في المئة أي أعلى قليلاً من النسبة التي حصل عليها في انتخابات 7 حزيران. أما حزب الحركة القومية الذي حصل على 16.3 في المئة في الانتخابات الماضية فسيحصل في هذه الدورة على نسبة تتراوح بين 13و14 في المئة، ومع أنه كان بإمكانه الاستفادة من ضرب عملية السلام التي يقف ضدّها إلا أن حزب العدالة والتنمية سيتستعيد هذه المرة النسبة التي ذهبت من صفوفه الى صفوف حزب الحركة القومية بعد ان استوعب في صفوفه ابن مؤسس الحركة القومية «توغروت توركش» وعينه كوزير في الحكومة وضرب عملية السلام.
قاد أردوغان التحضير للانتخابات بنفسه وفجر التناقضات مع خصومه السياسيين، لكن ليس بطريقة سياسية إنما بطريقة عسكرية من جهة وانتقامية من جهة أخرى، مستخدماً كلّ الوسائل من وضع اليد على القضاء الى التحريض واعتماد الفوضى بدا وكأنه يتعاطى مع أعدائه وليس مع خصومه السياسيين. ضرب قيم الديمقراطية حتى يخيّل للمضطلع على الوضع التركي بأنّ الرجل الذي يتمسك بالسلطة ويتخطى إجماع الأتراك الذي حصل في الانتخابات الماضية، لا يمكن أن يكون هو نفسه من كانت دولته وحزبه يشكلان بالنسبة للغرب وبعض العرب نموذجاً ديمقراطياً في المنطقة يحتذى به.