ماذا يريد المغتربون السوريون؟ أن يقرّر السوريون مصير بلدهم
تامر يوسف بلبيسي
يتطلّع السوريون مقيمين ومغتربين، إلى ما يسمعونه عن شبه إجماع على دعم وقف الحرب التي تجتاح بلدهم بأمل أن يكون التشجيع الذي لقيته الحرب من كثير من الخارج قد وصل إلى اقتناع هذا الخارج بلا جدوى الرهان على خراب سورية، وبأنّ هذا الخراب لن تقف آثاره وحدوده عند سورية لخدمة أغراض خاصة يمكن لأصحابها تفادي انعكاسها سلباً عليهم.
يدرك السوريون أنّ بعضاً مما يعيشه بلدهم يتحمّلون مسؤوليته بأنفسهم، وأنّ بعضاً من نقص المناعة التي أشار إليها رئيسنا، ساهمت في تعريض بلدنا لهذا الاختبار المرير، وأنّ بعضاً من تقصير الحكومات في التنبّه إلى مسؤولياتها وللمخاطر المدبّرة لسورية، وأنّ بعضاً من التهاون والاستهتار بالوطن أو التعصّب الأعمى لبعض الأفكار والولاءات قد دفع بعض السوريين إلى العبث بمصير بلده، لكن السوريين، مقيمين ومغتربين، يرون من جهة حجم المال والقدرات الهائلة من السلاح والذخائر التي تنفق يومياً لخراب بلدهم، ومن جهة أخرى إلى المواقف التي دأبوا على سماعها طوال سنوات الحرب من كثير من المتدخلين في شؤون بلدهم، فيتأكدون أنّ ما يجري لسورية، ولو كانت أيادٍ سورية جزءاً منه، فهو ما كان ممكناً لولا مَن وفّر المال والسلاح والإعلام والحضانة والتشجيع، وهذه كلها مقدّرات دول، هي هذا الخارج الذي راهن على خراب سورية لحسابات صغيرة ومصالح ضيقة.
ينظر السوريون إلى معنى وجود عشرات الآلاف من الأجانب على أرضهم مدجّجين بأفكار الموت ويملكون أحدث السلاح وإمدادهم لا يتوقف مالاً ورجالاً وذخيرة، فيدركون مقيمين ومغتربين أنه لولا وجود خارج يحتضن ويدعم ويراهن على هذا الحشد من الإرهابيين، فيرعاهم ويحتضنهم، لما تمكنوا بهذه الأعداد من الوصول إلى سورية ولا من مواصلة ما بدأوه بالزخم ذاته.
يدرك السوريون أنّ التعاون الخارجي لإنهاء الحرب في بلدهم أكثر من ضروري كي تنتهي، كما يدركون أنّ نتائج الحرب التي تجتاح بلدهم بدأت تتحوّل مصدراً لنتائج كارثية لا يريدونها لبلدان أخرى، بمعزل عن كيف تعاملت مع أزمة بلدهم فالسوريون عبر التاريخ لم يعتادوا أن يكونوا إلا سبباً للخير والتقدّم لسواهم، ويؤلمهم أن تتحوّل مأساتهم إلى سبب أزمات للآخرين، كخطر تمدد الإرهاب أو تدفق اللاجئين، لكنهم يأملون أن تكون هذه الإشارات أفهمت الخارج كله خطورة اللعب بمصير سورية كمفتاح من مفاتيح استقرار الحياة البشرية، ويتمنّون أن يترتب على ذلك إدراك وتعاون لإطفاء الحريق السوري قبل أن تصل النار إلى أثواب الجميع فتحرق الأخضر واليابس.
ينتبه السوريون، مقيمين ومغتربين، إلى تغيّر لغة الكثير من الخارج المعنيّ والمهتم بما يجري في سورية، ويفرحهم سماع الدعوات للتعاون من أجل وقف الحريق السوري، كما يدعوهم للأمل سماع الحديث عن تعاون دولي للقضاء على الإرهاب والمساهمة بعودة الاستقرار إلى سورية ليعود إليها أبناؤها من الذي اضطروا إلى مغادرتها هرباً من الحرب وكوارثها.
لكن السوريين، مقيمين ومغتربين، يتألّمون لسماع بعض هذا الخارج وهو لا يزال يتحدّث عن سورية، وكأن ليس هناك شعب اسمه الشعب السوري، شعب له تاريخ مضيء في حياة الإنسانية، وله ديون على الحضارة البشرية تبدأ من تعليم الحرف مع أبجدية أوغاريت ولا تنتهي بتعليم كيفية بناء الدولة مع دواوين الدولة الأموية وتقسيم البريد الحكومي لأول مرة في تاريخ الدول ويتألم السوريون عندما يسمعون مَن يتحدّث نيابة عنهم متجاهلاً وجودهم وحقوقهم، فيقرّر ماذا يجب أن يحدث لسورية، وكيف يجب أن تدار أو تحكم؟ ويتخيّل السوريون أنهم تحت وصاية أو انتداب وأنهم بلا سيادة، وأنهم فاقدو الأهلية التي تخوّلهم أخذ مصيرهم بأيديهم، وكأنّ بعض الذين راهنوا على خراب سورية، لم يتقبّلوا بعد فشل الرهان ويستصعبون ضياع استثمارهم في الحرب، ويريدون صرفه في وضع يدهم برسم مستقبل بلدنا.
يهمّ السوريين، مقيمين ومغتربين، أنهم، وهم لا يريدون إلا الخير للغير، لن يتسامحوا مع كلّ مشروع وصاية وتدخّل، وجلّ ما يعتبرونه مقبولاً هو أن ينظف الذين جلبوا جرثومة الإرهاب إلى بلدهم بالتكفير عن جريمتهم بتنظيف بلدهم من هذه الجرثومة، والكفّ عن وعظ السوريين وتعليمهم ماذا عليهم وكيف يجب أن يُدار أو يُحكم بلدهم.
يتطلع السوريون، مقيمين ومغتربين، بأمل لما يسمعون من اهتمام خارجي بنهاية أزمة بلدهم، وتقدير مخاطر العبث باستقراره على كلّ العالم القريب والبعيد، لكن الأكيد أنّ مصير سورية سيقرّره السوريون وحدهم، وأنّ رئيس سورية صُنع في سورية وسيبقى يُصنع في سورية، وكلّ سوري يشعر بالعدوان الشخصي عليه عندما يسمع من غير سوري تدخلاً يريد أن يقرّر لسورية من يقودها وللسوريين شخص رئيسهم.
يريد السوريون فحص مصداقية الجميع وحرصهم على سورية بسماع كلمة تقول سنساعد سورية والسوريين حتى التخلص من الإرهاب، وللسوريين وحدهم أن يقرّروا بأنفسهم مستقبل بلدهم ومصير الحكم فيه.
مغترب عربي سوري في الكويت
رئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية