من تاريخنا الحزبي: محاكمة الأمين مصطفى عز الدين والرفيق ناصيف سماحة

لبيب ناصيف

يتحدّث الأمين غسان عزّ الدين في الصفحات 95 96 – 97 من الجزء الثاني من مجلّده «حوار مع الذاكرة» عن المحاكمة التي تعرّض لها الأمين مصطفى عزّ الدين 1 والرفيق ناصيف سماحة 2 في مدينة صيدا.

قبل ذلك، يشرح عن الوضع الناتج بعد مهرجان دير القمر 3 عام 1952 «الذي كان قرار المشاركة العلنية الضخمة فيه، هو قرار التحدّي والمواجهة والعمل العلني على رغم حلّ الحزب»، فيقول: «تبع ذلك، الاضطرابات والتظاهرات والعصيان المدني الذي كان للحزب دور أساس فيها، إذ أجبر بشارة الخوري على الاستقالة وسقط عهد الطغيان والإجرام واستقال الخوري وانتخب كميل شمعون رئيساً للجمهورية بدلاً عنه. كانت وعود شمعون أن يبادر بعد انتخابه إلى إصدار عفوٍ عام عن الرفقاء الذين كانوا يمضون العقوبات التي حكموا بها لمشاركتهم في الثورة الاجتماعية الأولى. إضافةً إلى الذين حكم عليهم غيابياً، وأن يلغى قرار حلّ الحزب ويرخّص له من جديد، إضافةً إلى تمكين الحزب من إصدار وسيلة إعلامية ناطقة بِاسمه، لكن كميل شمعون، وعلى رغم التحالف معه في بعض المراحل ـ ذلك التحالف الذي قيّمته المؤسسات الحزبية المختصة وأدانت أكثره ـ يبقى هو هو، الذي كان يرى في قوّة الحزب خطراً على مصالحه السياسية والانتخابية… ولم ينفذ أي شيء من وعوده خلال خمس سنوات من حكمه… العفو لم يصدر والحزب بقي قانونياً حزباً محلولاً، أما الوسيلة الإعلامية فلم نحصل عليها إلا عام 1957 وبفضل السيد أسعد الأسعد مدير عام وزارة الإعلام يومذاك، الرفيق السابق.

«صحيح أن العمل الحزبي على رغم استمرار قرار حلّ الحزب أصبح بعد سقوط عهد بشارة الخوري علنيّاً… ولكن استمرار قرار الحلّ أدّى إلى مواجهتنا ظروفاً صعبة في بعض المراحل والمناطق إذ كان بإمكان أي مسؤول أمني أن يتصرّف كما يرى مناسباً، مستنداً إلى القوانين المرعية الإجراء، كما كان حصل في صيدا، إذ فيما تمكّن الأمين عجاج المهتار من الفرار، صدرت مذكرتا توقيف بحقّ الأمين مصطفى عزّ الدين والرفيق ناصيف سماحة وأحيلا إلى المحاكمة.

إنها واحدة من عشرات الأحداث المماثلة، وأتحدث عنها بصورة خاصة لأنها شكّلت مشكلة قانونية للقضاء، إضافةً إلى ما تمّ خلال محاكمتهما.

«كان مصطفى يومها يشغل مسؤولية ناموس مفوّض عام لبنان الأمين حسن الطويل ، وأحدث اعتقاله ضجّة وردود فعل مستنكرة، قومياً وشعبياً وبصورة خاصة في الجنوب».

يضيف الأمين غسان عزّ الدين: صدر قرار الاتّهام، وحدّد موعد المحاكمة بعد انقضاء 12 يوماً على الاعتقال.

«وفي الموعد المحدد للمحاكمة توافد القوميون الاجتماعيون من مختلف مناطق الجنوب وباقي المناطق لحضور المحاكمة حيث امتلأت قاعة المحكمة وباحة سراي صيدا بالرفقاء.

وأذكر من المحامين الذين توكلوا للدفاع، عبد الله قبرصي، نظمي عزقول 4 ، نديم حاطوم 5 وغيرهم.

بعدما افتتح رئيس المحكمة نبيه البستاني الجلسة وتلاوة قرار الاتّهام المستند إلى تقرير الأمن العام، وقف الأمين مصطفى محتجّاً على محتويات التقرير، قائلاً لرئيس المحكمة: دعني أروي لك بصدق وأتحمل مسؤولية ما حصل، وعندما وصل إلى الخطاب الذي ألقاه في اللقاء بدأ من جديد في إلقائه… أيها القوميون الاجتماعيون… الأمين مصطفى يلقي الخطاب والجمهور يصفّق ورئيس المحكمة المحرج لهذا الوضع يقول للأمين مصطفى، يا أستاذ أجب على الأسئلة فقط. والأمين مصطفى يجيب سيدي الرئيس: هناك تزوير في نقل خطابي ومن حقّي أن أبيّنه. رئيس المحكمة يجيب: يا أستاذ نحن لا نحاكمك على خطابك بل على مخالفة القوانين المرعية الإجراء، والأمين مصطفى يجيب: أكاد انتهي دعني سيدي أتابع، ويتابع قبل أن يجيبه الرئيس… تحوّلت المحاكمة إلى مهرجان حزبي… أنهى الأمين مصطفى خطابه، وأجاب على الأسئلة، ثم جواب المدعي العام ومرافعات وكلاء الدفاع ورفعت الجلسة لمدة 5 أيام لإصدار الحكم… وأعيد الأمين مصطفى والرفيق ناصيف إلى سجن صيدا، وفي موعد إصدار الحكم توافد أيضاً مئات الرفقاء لحضور جلسة الحكم… وكان حكم المحكمة بالبراءة، وبعد إجراء المعاملات القانونية أُطلِق سراح الأمين مصطفى والرفيق ناصيف، وتحوّل إطلاق سراحهما إلى مظاهرة أمام سراي صيدا. ولكن النيابة العامة استأنفت الحكم لأنه إذا لم يستأنف يصبح سابقة تلغي حالة الطوارئ التي كانت معلنة في الجنوب.

«وقبل استئناف النيابة العامة تمّت تسوية لم أعد أذكر كامل تفاصيلها بل كل ما أذكره أن حكم محكمة الاستئناف كان بالسجن 3 سنوات للأمين مصطفى والرفيق ناصيف لمصلحة القانون. وعندمل نطق القاضي بالحكم في محكمة التمييز حصل ردّ فعل وغضب في قاعة المحكمة. فوقف عبد الله قبرصي مخاطباً الحضور بالقول: يا رفقائي، مصطفى وناصيف لن يدخلا السجن، والحكم لن ينفذ ضدّهما. إنه تدبير قضائي لمصلحة قانون الطوارئ المعلن في الجنوب فقط لا غير.

الحكم بالبراءة

أوردت جريدة «صدى لبنان» في عددها الصادر يوم الجمعة 10 نيسان 1953 النص الكامل للحكم الذي أصدرته محكمة جنايات صيدا برئاسة القاضي نبيه البستاني، وعضوية المستشارين عبد الرحمن طيارة وعقل فرح، وهو التالي:

« نوع الجرم: الدعاية للحزب القومي المنحلّ

بِاسم الشعب اللبناني

إن محكمة الاستئناف في لبنان الجنوبي الناظرة في القضايا الجنائية لدى التدقيق والذاكرة، تبيّن أنه بموجب مضبطة اتّهام مؤرّخة في 3 آذار سنة 1953 أسند إلى المتهمين:

مصطفى محمد عزّ الدين، عمره 23 سنة من صور. والدته مريم، أوقف في 27-3-1953.

ناصيف وديع سماحة، عمره 29 سنة من الخنشارة. والدته نسطه، أوقف في 16-3-1953.

أنهما في مرج الخيام وبتاريخ 13 شباط سنة 1953 قاما بنشاط في سبيل «الحزب القومي» المنحلّ، الجناية المعاقب عليها بمقتضى قانون 14 آذار سنة 1953.

الوقائع: بتاريخ 13 شباط سنة 1953 وفي بستان واقع بمرج الخيام عقد جمهور عدده بين خمسين وستين شخصاً، اجتماعاً خطب فيه مصطفى أحد المتهمين ناشراً مبادئ الحزب القومي، حاضّاً على التكتل والتكاتف والتعاضد والتمسّك بالعقيدة القومية.

وتبيّن أن النيابة العامة طلبت إعلان براءة ناصيف أحد المتهمين لعدم الثبوت وتجريم مصطفى المتهم الآخر بمقتضى النصوص الواردة في مضبطة الاتهام.

وتبيّن أن المتهمين طلبا بدورهما البراءة.

الأدلّة: تأيّدت الوقائع المتقدمة:

باعتراف المتهم مصطفى

بشهادة مفتش الأمن العام

ولم تقم أدلّة كافية تؤيد إقدام المتهم ناصيف سماحة على اقتراف الفعل المسند إليه.

إن القاعدة التي كرّستها المادة 2 من قانون العقوبات لا محل لها إذا اقترن القانون الموقت بقانون لاحق كما هي الحال في القضية الحاضرة فحينئذٍ يعين القانون الواجب للعمل به وفقاً لمبادئ تنازع القوانين ورجعيتها.

لهذه الأسباب، وبعد أخذ مطالعة النيابة العامة وسنداً للنصوص المتقدمة وبالإجماع تحكم المحكمة:

ببراءة المتهم ناصيف وديع سماحة

بعدم مسؤولية مصطفى محمد عزّ الدين

بإطلاق سراحهما حالاً إذا كانا غير موقوفين لسبب آخر،

حكماً وجاهياً قابلاً التمييز أعطي وتلي وأفهم بتاريخ صدوره الواقع في 8 نيسان سنة 1953.

حق لا يمنع لأنه لا يمنح

وفي العدد نفسه من «صدى لبنان» نشر صاحبها ورئيس تحريرها الأمين محمد بعلبكي الكلمة التالية في زاوية «في المعترك» تحت عنوان :»حقّ لا يمنع لأنه لا يمنح».

«حكم البراءة الذي أصدرته محكمة جنايات الجنوب في دعوة القوميين الاجتماعيين المتعلّقين بتهمة الدعاية لحزبٍ محلول، يجب أن يثير من جديد قضية الحرّيات الأساسية في لبنان، وحق نفر كريم كبير من المواطنين اللبنانيين – نعني القوميين الاجتماعيين- من اعتراف الدولة بحقّهم في ممارسة هذه الحريات.

لقد جاء حكم محكمة الجنايات، يعلن بصراحة أن الدعوة لمبادئ الحزب القومي الاجتماعي، وعقد الاجتماعات وإلقاء الخطب لهذه الغاية، ومناشدة الشعب التكتل والتكاتف والتعاضد والتمسّك بالعقيدة السورية القومية الاجتماعية، وكل هذه أمور قام بها المتهمون واعتقلوا وسجن بعضهم شهرين وأحيلوا إلى المحكمة من أجلها- لقد جاء هذا الحكم يعلن بصراحة الحقّ وبوضوح القانون أن نشاط القوميين الاجتماعيين لا يشكّل جريمة، وليس هناك اليوم قانون يعاقب أصحاب هذا النشاط.

ومعنى هذا أن الحكم الذي أصدرته محكمة صيدا يكرّس حق القوميين في ممارسة نشاطهم لتكتيل الناس حول عقيدتهم. معنى هذا أن إعادة الترخيص للقوميين الاجتماعيين بالعمل الحزبي المنظّم أمر لا يحول دونه اليوم – بعد ثورة الشعب وإلغاء قانون الطوارئ – أي نصّ من قانون، وأن كل تردد في إعادة هذا الترخيص هو استمرار في حجز معيب للحريات. إن كان العهد السابق قد أوجد له المبرّرات من جائر النصوص القانونية، فلم يبقَ له أي مبرر في العهد الجديد الذي محا لطخة العار في القانون، فجاء حكم محكمة جنايات الجنوب أمس يدعوه إلى الانسجام مع نفسه، فلا يمنع بيد ما قدّم باليد الأخرى.

والعهد الجديد، كما قلنا هنا مرة، إنما يشرّف نفسه إذ ينسجم مع نفسه لهذه الجهة نابذاً كل تردد. أما القوميون الاجتماعيون فإنما مارسوا ويمارسون وسيظلون يمارسون حقاً بديهياً لا يمكن أن يمنع عليهم، لأنه لا يمنح في الأصل، حتى في القانون.

هوامش

1 – تولى في الحزب مسؤوليات محلية ومركزية، وكان لدورات عديدة رئيساً للمجلس الأعلى. مراجعة ما نشرنا عنه في قسم أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

2 – ناصيف سماحة: نشط حزبياً وتولى أكثر من مسؤولية، من بلدة الخنشارة.

3 – بتاريخ 16/06/2014 عممنا نبذة عن المهرجان الحاشد الذي أقيم في دير القمر عام 1952 وشارك فيه آلاف القوميين الاجتماعيين في صفوف نظامية وسط ترحيب الأهالي واعجابهم.

4 – نظمي عزقول: مراجعة النبذة المعممة عنه على الموقع المذكور آنفاً.

5 – نديم حاطوم: محام معروف. منفذاً عاماً في الشوف وعميداً للقضاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى