بعد تحطم الطائرة الروسية… رسائل داعش هل تفرمل حميّة السوخوي أم تزيدها؟
د. محمد بكر
لم تكد تمضي أربعٌ وعشرون ساعة على الإعلان الأميركي لجهة أن واشنطن تعمل على تحسين القدرات القتالية لـ«المعارضة» السورية حتى سارع تنظيم «داعش» لتبني إسقاط الطائرة الروسية المدنية في منطقة الحسنة بسيناء، وبعيداً من حيثيات الحادث فيما إذا كان عملاً مقصوداً تمّ فيه الاستهداف فعلاً من قبل «داعش» أم أنه ناتج من عطل فني بحسب ما أُُعلن إلا أنّ مسارعة التنظيم لتبني العملية يحمل في طياته ما يحمل من رسائل سياسية، ولا سيما في مرحلة حساسة ومفصلية لجهة التدخل العسكري الروسي في سورية من جهة، إضافة لدلالات الجغرافية التي سقطت فيها الطائرة إذ تشهد اشتباكات ومعارك بين الجيش المصري وفصائل مسلحة متطرفة.
فكيف تمكن لنا قراءة المدلولات السياسية لذلك، وهل سنشهد خلال الأيام المقبلة مفاجآت في الميدان السوري؟
إنْ صحّ احتمال الاستهداف من قبل «داعش» للطائرة الروسية فبالطبع إنّ ذلك الإسقاط تمّ بصاروخ نوعي موجّه، سيكون على الأغلب من نوع «ستينغر» الأميركي وحتى لو لم تصحّ رواية «داعش» فإنّ التبني يحمل رسالتين سياسيتين أميركيتين عبر المرسال الداعشي:
– الرسالة الأولى موجهة للجانب الروسي لمراجعة الذات، تشي مفرداتها بتهديد حقيقي لطائرات السوخوي على قاعدة: من استطاع أن يسقط الطائرة المدنية بمقدوره أن يعاود الكرة ويكون هدفه في المرة المقبلة طائرات عسكرية.
– الرسالة الثانية موجهة إلى الجانب المصري ولا سيما في منطقة لها رمزيتها لجهة وجود أنصار بيت المقدس الذي يعد من بين الفرع المصري لتنظيم «داعش»، إضافة إلى جزئية أخرى في هذا السياق موجهة للرئيس المصري المنجذب والميّال هذه الأيام للتوجهات الروسية وتحديداً في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ولا سيما بعد الزيارة الأخيرة للسيسي إلى موسكو والتي أعلن فيها تأييده لروسيا في إنشاء جبهة موحدة لمحاربة الإرهاب، ولا ننسى ما أعلنه الجانبان الروسي والمصري مؤخراً حول الجهود التي يبذلها الطرفان في صياغة جسم موحد للمعارضة السورية.
يبدو أنّ المهمة الروسية في سورية لن تكون طريقها معبّدة وميسّرة على الإطلاق، يشرع خلالها الأميركي في صياغة كلّ ما من شأنه عرقلة «الحميّة» الروسية وإفشال استراتيجيتها في سورية وإلحاق الهزيمة بالروس، أو على الأقل فرض جملة من السيناريوات التي يعول الأميركي على مفاعيلها لجهة استيلاد «صراخ» روسي على الأرض السورية يسعى فيها الأميركي جاهداً لتصييرها وحْلاً ومستنقعاً تحقق رغباته تماماً كما أعلن أوباما لجهة أنّ استراتيجية روسيا ستفشل، إضافة إلى ما كان قد صرّح به خلال مناسبة الحادي عشر من أيلول موجهاً الكلام إلى موسكو قائلاً: «إذا أردتم تسوية سياسية في سوية فعليكم أن تنخرطوا في تحالفنا ضد الإرهاب»، وهذا تحديداً ما يشكل في اعتقدنا جوهر «التناطح» الحاصل بين الأميركي والروسي لجهة من سيقود التحالف ضد الإرهاب وتالياً من يقود ويفصل العملية السياسية في سورية.
المؤكد أيضاً في حيثيات المشهد السياسي السوري أن الروسي لم يدخل الساحة السورية ليتراجع عنها بسهولة، وهو يعلم جيداً أن «دخول الحمام ليس كالخروج منه»، إذ يدرك العداء والضغينة والحقد الذي يبطنها الأميركي له عبر عقود من الزمن، كيف لا وهو الذي قال أثناء زيارة الأسد لموسكو أنّ كلاً من بريطانيا وأميركا يبقيان العدوّان اللدودان لروسيا.
لا أحد يعلم النهايات التي ستؤول إليها تطورات الحدث السوري إذ يتقد الكباش الروسي الأميركي يوماً بعد يوم، وربما ستعتاد موسكو على فتح خطوط ساخنة لكن قد تكون هذه المرة لأقارب وذوي العسكريين الروس كما فعلت مع أقارب الضحايا المدنيين في حادثة تحطم الطائرة، ولا سيما أنّ كيري أعلن أنّ بلاده تؤمن بأنّ الأسد لا يمكن أن يقود سورية موحدة، مضيفاً أنّ الخيار الأميركي ليس بين ما سماه «ديكتاتور وبين تنظيم «الدولة»، إنما الخيار هو بين الحرب والسلام وبين الدمار والبناء على حدّ تعبيره، لكن في حضرة وتلافيف المعقد الميداني السوري تزدحم العديد من الأسئلة؟ ماذا لو زوّدت روسيا حزب الله مثلاً بصواريخ نوعية قادرة على إسقاط طائرات للتحالف الأميركي فوق الجغرافية السورية؟ وفي المقابل ماذا لو وقع طيارٌ روسي بين أيدي داعش والذي لن تكون حاله بأفضل من حال الطيار الكساسبة على الإطلاق؟ هل سيبقى عندها أثرٌ لمفردات السلام والبناء في القاموس السوري.
كاتب فلسطيني مقيم في سورية