حديث بين أكياس النفايات!

فدى دبوس

لعلّ الموضوع الأكثر بروزاً على الساحة اليوم هو موضوع النفايات، ها نحن على مشارف عام 2016 ولا نزال نعجز عن تصريف نفاياتنا، حكومة عاجزة وشعب أفسدته الطوائف. ولأكياس النفايات حكايات وحكايات ربّما لا يسمعها المارّة لكنّها ولعجزها من بلدنا أتقنت الحروف وكان لرائحتها صوت أصمّ آذاننا.

وبعد أزمة المكبّات والتوزيع الطائفي التقى كيسان من النفايات مصادفة، وهذا ما جرى من حوار بين كيس للنفايات في الضاحية وكيس آخر في وسط البلد:

كيس الضاحية: ماذا أحضرني إلى هنا من المفروض أن أفرز في مكان آخر… يتمتم بصوت منخفض .

كيس نفايات آخر يسمعه ليقول له كيس وسط البلد: يا زميلي من أين أنت؟

كيس الضاحية: أنا من الضاحية الأبيّة وأنت؟

كيس وسط البلد: أنا من وسط البلد، أنا كيس باهظ الثمن، أملك في جعبتي ما لا يستطيع أيّ شخص شراءه، فالملابس الملقاة بداخلي من أبهظ المحال، والأطعمة مستوردة كلّها علب لأسماك السلمون المدخّن وبقايا من الكافيار. أمّا الأجبان فبقايا نخبة الأجبان الفرنسية موجودة بداخلي. وأنت؟

كيس الضاحية: ربّما لا أحمل محتوياتك، لكن ما الفرق يا زميلي إن كانت البقايا بداخلك من أفخر الأماكن وأنا لا، فما نحويه بداخلنا فقط بقايا، بعد رميها لا يعود لها قيمة. أنا وأنت متشابهان يا عزيزي، نحمل بقايا ومخلّفات بداخلنا فلم التفاخر ولم التمييز؟

تعجّب كيس وسط البلد من حديث زميله، صفن برهنة من الزمن وبعدها أومأ برأسه إيجاباً، فقد اتّضح له أن زميله لا يقول سوى الحقيقة. نعم هما متشابهان وإن اختلفت مكوّنات البقايا، هما كيسان من النفايات يحملان بقايا الأطعمة وغيرها، ومهما اختلفت النفايات تبقى نفسها، وإن كانت نفايات الفقراء تختلف عن نفايات الأغنياء لكن تبقى نفايات من نوع آخر.

وبعد الصفنة تلك سأل كيس وسط البلد كيس الضاحية: لكن يا زميلي إن كنّا من نوع واحد ومن فئة واحدة فما الذي أسمعه عن فرز مختلف لكلّ منطقة بحسب طوائفها أو فئاتها أو حتى سياستها؟

كيس الضاحية: المشكلة لا تكمن فينا يا زميلي فنحن لبنانيان، لكن تكمن المشكلة في من يريد تصنيفنا وتجزئتنا وتخريبنا لتهجيرنا، لأنهم وببساطة لا يريدون لنا أن نكون موّحدين؟

كيس وسط البلد: ومن تقصد بهم؟ من يريد تجزئتنا يا صديقي؟ من يريد لنا أن نبقى في عصر التخلّف؟ من يريد لنا أن نكون مقسّمين كلّ بحسب هوّيته وانتمائه؟ لم ينادون بالتطوّر ومحاربة الغرب إن كانوا عاجزين عن أبسط الأمور ألا وهي التوحّد لأجل مصلحة البلد؟

كيس الضاحية: ربما يا صديقي دخلت في المحظور فهذه الأسئلة لا أحد يمكنه أن يجيبك عليها إلّا من أراد لهذا البلد أن يبقى مجزّءاً تابعاً للطوائف، مشكلتنا بدأت منذ زمن بعيد. ليست المرّة الأولى التي يحتارون إلى أين يذهبوا بنا. أجدادي قالوا لي إنه في الماضي لطالما عانى اللبنانيون من أزمات متكررة للنفايات. ولطالما عانوا من الحروب الأهلية المبنية على التمييز الطائفي والمذهبي، وحتى اليوم لا يزالون يختلفون في ما بينهم ليس على الأفكار ولا على طرق التحسين، بل يختلفون لأنّهم على يقين بأن كلّ واحد منهم على صواب والطرف الآخر دائماً على خطأ. المشكلة يا صديقي أننا في هذا الوطن لا نعرف معنى الانتماء للأرض، فنحن وببساطة لا نعرف إلّا معنى الانتماء إلى الطوائف. مشكلتنا يا صديقي أننا في هذا الوطن مسيّرين لرغبات وأهواء أفرقاء يلعبون بنا الشطرنج، فيحرّكونا كيفما شاءت ظروفهم لا الأقدار. لا تظنّ يا صديقي أنّ شيئاً ما سيتغيّر، ولا تظن أنّ هذا الوطن سيتبدّل، لا فمن يولد عقيماً يموت عقيماً ولا تتغيّر الظروف.

كيس وسط البلد: إذاً ما الحلّ؟ هل نتّحد سوياً علّنا نغيّر من الواقع شيئاً؟

كيس الضاحية: رغم أن ذلك لن يجدي نفعاً، لكن هيا بنا لنتّحد؟ سنرفض أن يقسّمونا، سنرفض أن يجزّئونا، وسنمضي سوياً لنغيّر الأقدار.

وبعد ساعات من التضامن، جاءت السيّارات لتفرز النفايات وحان دور الصديقين المهملين، ورغم أنهما كافحا ليظلا سوياً ويتّحدا، جاء الأمر وفُرِّق الاثنان وذهب كلّ إلى مكبّ طائفته، ولم يسعهما سوى القول، هم أرادوا.

وداعاً صديقي…

وداعاً يا شبيهي…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى